مؤيدو سياسات إيران التدخلية في أمور جيرانها العرب ومناصرو حزب الله والتشيع السياسي في البلاد، أدركوا منذ فترة ليست بالقصيرة الواقع السياسي والاجتماعي للسلطات الكويتية، وأن “غضبها عابر” و”صخبها مؤقت”، مقدور عليهما، إذ لا يذهبان بعيداً! وأدركوا كذلك أن هذه الدولة قائمة على مؤسسات برلمانية وقضائية تقيد تصرفاتها، كما أن هيئاتها قائمة وسط مجتمع صغير متفاهم ينعم بمستوى معيشي لا مثيل له، ويتمتع شعبه، والشيعة أنفسهم، بحقوق وحريات وتسهيلات حكومية لا يحلم بها قادة الشيعة وفقهاؤهم ومجتهدوهم في إيران ولبنان والعراق!
أنصار حزب الله والمغامرات السياسية الطائفية، التي لا يدفعون ثمنها وحدهم في الغالب، أدركوا كذلك احترام هذه الدولة وشعبها للحريات المذهبية ولكرامة الناس شيعةً وسنة، حضراً وقبائل، وحرصَها على عدم إيذاء مشاعرهم أو أخذ البريء بجريرة المذنب وفرض العقوبات الجماعية، أو تجاهل حقوق المتهمين في المحاكم العادلة وحق الدفاع عن النفس، والكثير من الإجراءات القانونية التي لا تتقيد بها إيران مثلاً مع معارضيها، ولا يحاسبها أنصارها ومؤيدوها السياسيون في قليل أو كثير على ذلك.
أدرك هؤلاء في الكويت للأسف أمراً آخر بالغ الخطورة، وهو مدى نجاحهم في الانفراد بقطاع لا يستهان به من الناخبين الشيعة والأنصار المؤيدين الذين باتوا يفكرون على نطاق واسع بأدوات وأولويات طائفية ضيقة الأفق تكاد تبرر لهم كل شيء، ولا يرون بأساً أو أمراً مستهجناً حتى في الانسياق خلف كل الشعارات الخاطئة والأفكار المدمرة للمجتمعات، ولم يعد بعض هؤلاء يكترث إن كانت القضية عصابة تتجسس على الكويت، أو مجموعة تخطط لأهداف شريرة، أو مجموعات تحاول تخزين السلاح بحجة الدفاع عن النفس أو الطائفة ومحاربة “داعش” و”القاعدة” وغيرهما.
ومن الواضح للكل أن التصدي لمثل هذه التنظيمات عمل عسكري ضخم تتصدى له الدول، وتستخدم فيه الآليات والطائرات والمدرعات والمدفعية الثقيلة وغيرها. فهل تستطيع هذه الأسلحة التي يخزنها هؤلاء أن تحقق هذا الهدف؟ أم أن التخزين لأهداف تدريبية وربما استعراض القوة أو غير ذلك؟ ثم كيف يجيز هؤلاء لأنفسهم الإقدام على خطوة كهذه دون علم الحكومة الكويتية، وتوريط كل هذا العدد من الشباب المبتدئ في مثل هذه النشاطات، وتفجير مشاعر ومخاوف طائفية لا يعرف أحد اليوم ما سينجم عنها؟
ولكن إن كان الذين يقدمون على مثل هذه النشاطات الإرهابية أو الممهدة لها، أو من يفتحون المجال للجماعات المتشددة هم من الأقلية المخدوعة والتنظيمات العقائدية المتزمتة، فأين صوت الأغلبية الشيعية العاقلة المستهجِنة؟ إن هؤلاء بعشرات الألوف، ولهم تأثيرهم وصوتهم المسموع في مناسبات كثيرة أقل خطراً بكثير مما نحن فيه!
يقال إن شيعة الكويت مثلاً لا علاقة لهم جميعاً بما أقدمت عليه “خلية العبدلي” ومخططات إدخال السلاح وخزنه، وهذا بالطبع منطقي ومفهوم، وهو رأي معظم الكويتيين ورجال الأمن، ولكن تكرار مثل هذه النشاطات يثير المخاوف العامة، ويطرح الأسئلة ويستدعي مساهمة القانونيين والأكاديميين والإعلاميين الشيعة، وكل من يعنيهم أمن البلاد ومن يساهمون في محاربة الطائفية.
لننظر مثلاً كيف دمر السلوك الإرهابي لبعض المسلمين في أوروبا وأميركا مصالح الملايين هناك، وعقّد حياتهم وسبّب نفوراً عاماً من المسلمين وتزايد الشكوك في المذنب والبريء، وكيف تغيرت مواقف الأوروبيين والأميركيين على مستوى شعبي حتى من إبداء الود نحو المسلمين والترحيب بهم كجيران وطلاب وموظفين! وكلما تكررت مثل هذه العمليات التي تقوم بها عناصر إجرامية مدربة ازداد النفور هناك من المسلمين وتضاعفت الحواجز المقامة ضدهم.
لم تعد المحاكم الكويتية تتحدث عن مثل هذه القضايا برمزية عابرة بل بصراحة ودقة. أكدت المحكمة، محكمة الجنايات، كما جاء في الصحف مثلا، أن “حزب الله ما هو إلا تنظيم شيعي سياسي مسلح من أهدافه تحقيق مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحرس الثورة الإسلامية التابع لهذه الدولة، وقد أضحى ارتباط هذا الحزب بالجمهورية الإسلامية الإيرانية من المعلومات العامة التي لا يجهلها أحد، ومن الحقائق التاريخية الحاضرة المعلومة للكافة، وهذه الرابطة تنطلق من مفردات عقائدية وسياسية، وإن لهذا الحزب من الصلات الوثيقة بالجمهورية الإيرانية ما يخلع عليه صفة العمل لمصلحة هذه الدولة وفق مدلول مادة العقاب”.
وعن ولاية الفقيه قالت حيثيات المحكمة، إن “المرشد الأعلى الولي الفقيه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعدّ مرجعاً دينياً وسياسيا للحزب، وتُعد أوامره ونواهيه ملزمة له”، وعن تاريخ نشاط حزب الله قالت المحكمة “بعدما أنشئ حزب الله في منتصف الثمانينيات داخل لبنان تمركزت كوادره في ضواحي بيروت الجنوبية، محققة سيطرة مسلحة مطلقة، وأصبح ذراع الحرس الثوري الإيراني في تلك المنطقة، حتى بات حزب الله باعتباره دولة داخل دولة وبنية تنظيمية متماسكة تحيط بها هالة أمنية يصعب اختراقها”.
مرة أخرى،
نحن جميعاً بحاجة إلى أن نسمع رأي العقلاء ورأي “الأغلبية الصامتة”، التي لا ينبغي أن تصمت عن واجبها الفكري والاجتماعي والوطني بعد اليوم!