قبل ان تبدأ الكنيسة المارونية في لبنان والعالم بتعريب طقوسها الدينية، خصوصا، طقوس القُدّاس، كان الموارنة في القرى والارياف يؤمّون الكنائس ويرتلون الاناشيد ويقيمون القداديس باللغة السريانية، التي توارثوها ابا عن جد، منذ خراب القسطنطينية، والانقسامات التي عرفتها الكنيسة البيزنطية وانشقاقها كنائس وفرق متنازعة ومتقاتلة، انتشرت في انحاء المشرق.
الخلاف بين الفرق الدينية المسيحية كان بشأن طبيعة المسيح، وهل هو إله، أم أنه إنسان، وكان لكل فرقة حججها اللاهوتية، فالقائلون بالطبيعة الالهية، كان يرفضون إسباغ اي صفة إنسانية او بشرية على المسيح، في حين كان اصحاب مقولة الطبيعة البشرية يستندون الى جملة قالها المسيح وهو على الصليب قبل ان يُسلِم الروح، وهي “إلهي إلهي لماذا تركتني »؟ وهنا قال هؤلاء إن الطبيعة البشرية تغلبت على الطبيعة الالهية للمسيح، فشكك في الاله الآب، وهو على يقين بأنه سيقوم من بين الاموات، وسيلتحق بالآب والروح القدس ليشكلوا معا الإله الواحد في ثلاثة أقانيم.
استمر الخلاف المسيحي ردحاً من الزمن، وتقاتل الرهبان في ما بينهم، قبل ان تخلص المجامع المسكونية الى صيغة وسطية، بشأن طبيعة المسيح، وهي أنه “إله تجسّد إنسانا”، اي انه من طبيعتين إلهية وبشرية.
وعلى هذا المنوال نشأت الطقوس الدينية والتراتيل التي كان واضع الحانها القديس “مار افرام” السرياني، في القرن الرابع ميلادي، وهي الالحان التي ما زالت حية وتُرتل الى اليوم، بعضها ما زال يُرتّل بالسريانية، في حين تم تعريب بعض التراتيل، او معظمها، مع المحافظة على اللحن الذي وضعه القديس إفرام.
حينما ضاقت الجبال على الموارنة!
منذ اكثر من قرن ونصف بدأت لغة الضاد تحل مكان اللغة السريانية، خصوصا في التعاملات بين الولاة والامراء وبداية خروج الموارنة من عزلتهم في جبال لبنان، وانتقالهم من مرحلة النسك والتصوّف الى المرحلة الزراعية، والتوسع، بعد ان ضاقت عليهم الجبال. وقال فيهم الامبراطور غليوم الثاني أثناء زيارته الى لبنان، “إن خصوبة نسائهم تفوق خصوبة أراضيهم »! فكان عليهم ان يتعلموا اللغة العربية، فبرعوا فيها، خصوصا رجال الدين، الذين منهم الخوري طنوس الحداد والخوري يوحنا طنوس والخوري طانيوس منعم، وسواهم، فكانوا مراجع في اللغة العربية وآدابها. وأسهم أدباء وشعراء وكتّاب في النهضة العربية بعد ان ساهموا في إطلاقها وإحياء اللغة العربية في وجه اللغة التركية وحملة التتريك التي قامت بها السلطنة العثمانية لطمس اللغة العربية ومعالمها، فتصدى الموارنة بدايةَ لهذه الحملة مطلقين النهضة العربية حفاظا على اللغة العربية والقومية العربية.
ومنذ اكثر من قرن ونصف قرن يتقاطر المؤمنون الموارنة الى الكنائس وهم يرنّمون ويرتّلون الحان وتراتيل « مار افرام »، ولكن عدد الذين يفهمون ما يرتّلون كان يتناقص تباعا، فكانت التراتيل تُرنّم سماعا وكان الكهنة ورجال الدين هم فقط الذين يعرفون ماذا يُرنُمون، لان السريانية كانت اللغة التي عليهم ان يتعلموها ليتأهلوا لـ»رتبة الكهنوت». حتى ما كانوا يُعرفون بـ”كهنة الدعوة المتأخرة”، وهم الذي سيموا كهنة بهد ان تقدم بهم العمر او كانوا من المتزوجين، كان عليهم ان يتقنوا السريانية قراءة ولحنا كي يستطيعوا مزاولة مهنتهم في ترؤس وإقامة القداس الالهي.
ما كان وما زال يميز قداديس المورانة هو تلك الالحان المتناغمة التي صاغها «مار افرام» ، الذي جمع الى الموسيقى كتابة الشعر والفلسفة واللاهوت وتفسير الاناجيل.
نظم “مار افرام” الشعرَ السرياني على البحر السباعي خاصةً، وارتأَى بعضهم انه قد استنبطه فسُمي ايضاً بـ”الافرامي” او انّه اخذه عمّن سبقه من الشعراء الذين فُقد شعرهم وتعدّ ابيات بعض قصائده بالآلاف. كما نظّم “المداريش” اي “الاناشيد”، وهي ابيات من الشعر تُصاغ على اوزان مختلفة والحان شتى بلغ عددها الخمسمائة. ولم يعتمد “مار افرام” القافية في نظمه، لأنّ السريان لم يدخلوها في شعرهم حتى صدر القرن التاسع متأَثرين بذلك بالعرب. ولا نعرف عدد قصائده واناشيده التي ضاع جانب كبير منها، وما تبقى منها اليوم يُعد بالمئات.
“شاباح الموريو”
رتبة “شيل البخور”، وهي الصلاة الجنائزية التي تُرتَّل عند الوفاة، كانت حتى الامس القريب، وقبل انتشار القاعات العامة في القرى، تُرَنَّم في المنازل فور حدوث الوفاة. فكان كاهن القرية او الرعية، يقصد منزل المتوفي، حيث يجتمع من عَلِمَ بخبر الوفاة، وتبدأ الصلاة على الميت بترنيمة “شاباح الموريو” بالسريانية. فكانت تُرَتل ولا يَفهم معناها الا القليل من المشاركين مع انهم كانوا يرتلونها ويحفظون تقاسيم اللحن والكلام السرياني. وفي الحقيقة ان “شاباح الموريو” التي ارتبطت بالموت وبالحزن تعني بالعربية “سَبّحوا الرب”، اي مَجِّدوه وأكرموه.
الترنيمة السريانية (إضغط على الرابط الذي سيفتح أدناه، لكي تستمع إلى النشيد على موقع “يوتيوب”):
https://www.youtube.com/watch?v=eVzZTNuf57w
وفي الليل يجتمع اهالي القرية في منزل الميت فتقام “الرتبة” من جديد، وفي اليوم الثاني يُنقل الميت الى الكنيسة، وفي نهاية الصلاة الجنائزية ترنم ايضا ترنيمة “شاباح الموريو”.
اليوم تَعَرَّبت الترنيمة واحتفظت ببعض المقاطع السريانية فاصبحت “نفحات العطر” بدلا من “شاباح الموريو”
التعريب حافظ على اللحن، ولكن لم تعد الجنازات تقام في البيوت بل في القاعات العامة، وفي الكنائس.
الترنيمة المعرّبة:
نُشِر هذا المقال لأول مرة في ON
يمكن للقارئ أن يستمع إلى مجموعة تراتيل للسيدة فيروز باللغة السريانية، في ما يلي:
تعليقات من الفايس بوك
-
الصلاة الجناءزيه دى اول مره اسمعها فى ترنيمهًً جميله جدا جدا جدا ومعزيه
-
رضيت بالله رب وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد نبيا ورسولا
-
الحمد لله علي نعمة الاسلام
-
الصلاة الجنائزية عند الموارنة ..
-
لا اله الا الله محمد رسول الله هو الدين الحقيقي
-
نعم الجيران هم و الأصدقاء و الله
احمدمحمدمنيرالبرعصي.25 . 3 . 2019م.
للأسف، فهؤلاء هم أبناء الجهل و احفاده الذين يعلِِّقون على هكذا مواضيع إنطلاقا من جهلهم و حقدهم و هشاشة عقولهم…….
المجد لربِّ القوَّات، الآب و الإبن و الروح القدس، الإله الحي الذي لا يموت. آمين.
بعض الترانيم والتراتيل اخفى التعريب جمالها ف شبحو لموريو ارى انها اجمل باللغة السريانية
«الهَبَل » كنز لا يُفنى! و »الهَبَل » على أنواع! مثلاً، « هَبَل « إدارة « فايس بوك » التي أبلغت “الشفاف” أن هذا المقال يخالف « سياساتها » لأنه يتضمّن صورة « صادمة » للجمهور. والمقصود صورة غلاف المقال، وهي مأخوذة من « أيقونة » مصرية عن دفن المسيح. ولكن « فايس بوك » تراجعت حينما أجابها « الشفاف » أن « ما يصدم فعلاً » هو أن محرّر « فايس بوك » لم ينتبه إلى أن « الصورة الصادمة » هي صورة تتعلق بـ »صَلب المسيح »! أما « الهَبَل » الآخر فهو في تعليقات بعض القرّاء الذين تلوّثت عقولهم بدعايات « قناة الجزيرة » وشيخها القرضاوي، وكل « الجُزر » الأخرى! صاحب النشيد او « الترتيل » هو راهب أرثوذكسي او ماروني من القرن الرابع الميلادي. وقد نشرنا ترتيلته التي… قراءة المزيد ..