لماذا حظ لبنان سيّء الى هذا الحدّ؟ في العام 1998، كان الشخص المؤهّل ليكون رئيسا للجمهورية هو الراحل نسيب لحّود الذي يمتلك من المواصفات والقدرات والسلوك الحسن ما لم يمتلكه سوى عدد قليل، بل قليل جدّا من الموارنة.
بدل ان يأتي نسيب لحّود رئيسا، فرض النظام السوري على لبنان واللبنانيين قائد الجيش وقتذاك اميل لحّود في هذا الموقع. كانت الميزة الوحيدة لإميل لحّود حقده على رفيق الحريري. يضاف الى هذا الحقد الإستعداد الكامل لأن يكون موظّف برتبة مدير عام في رئاسة الجمهورية السورية. كان النظام السوري يكافئ اميل لحّود على رفضه انتشار الجيش في جنوب لبنان في اواخر عهد الرئيس الياس الهراوي وذلك في ظلّ اجواء كان يمكن ان تؤمّن انسحابا اسرائيليا تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ما لبثت اسرائيل ان نفّذت القرار في العام 2000، بما احرج النظام السوري الذي كان يبحث في كلّ وقت عن بقاء جنوب لبنان جرحا ينزف… بالتفاهم معها، وحسب شروطها، طبعا.
كان نسيب لحّود فرصة للبنان. حتّى عندما كان نسيب لحّود ينتقد مشاريع معيّنة لرفيق الحريري، كان طرحه بناء، بما يساهم في تحسين هذه المشاريع. كان رجلا فريدا من نوعه على كلّ صعيد، خصوصا في مجال النزاهة الشخصية من جهة والقدرة على استيعاب المعادلات الإقليمية والدولية وكيفية استفادة لبنان منها من جهة اخرى.
كان عهد اميل لحّود كارثة على لبنان، خصوصا بعد اصرار بشّار الأسد على التمديد له مستخدما التهديد المباشر. توّج عهده باغتيال رفيق الحريري. اعتبر اميل لحّود الجريمة التي حصلت مجرد “رذالة”، اي مجرّد حادث عابر لن يغيّر شيئا على الأرض. تبيّن انّ دمّ رفيق الحريري ورفاقه اخرج القوّات السورية من لبنان ووضع الأسس للإستقلال الثاني، الذي لم ينجز بعد، وذلك بعد احتلال سوري استمر نحو ثلاثة عقود.
خسر لبنان نسيب لحّود.وخسر بذلك الكثير بعدما امضى اميل لحّود تسع سنوات في قصر بعبدا، لا همّ آخر له سوى تدمير ما بناه رفيق الحريري، مستخدما اسوأ المخلوقات البشرية واكثرها كرها لكلّ ما هو حضاري وعلى علاقة بثقافة الحياة في هذا العالم. عمل في الوقت ذاته على تكريس وجود دويلة “حزب الله” التي صارت مع الوقت هي الدولة اللبنانية، فيما الدولة اللبنانية دويلة في هذه الدولة…
مطروح الآن ان يكون النائب الحالي والوزير السابق سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية، علما ان لا مؤهلات تذكر للنائب باستثناء انّه ارتبط دائما بعلاقة قويّة مع بشّار الأسد، كما كان وزيرا للداخلية عندما اغتيل رفيق الحريري. كذلك، صدر عنه قبل تنفيذ الجريمة كلام ذو طابع تحريضي على رجل علّم ما يزيد على ثلاثين الف طالب لبناني على حسابه الخاص واعاد الحياة الى بيروت واعاد وضع لبنان على خريطة المنطقة والعالم.
كان الإتيان باميل لحود رئيسا ثمنا توجّب على لبنان دفعه لطمأنة “حزب الله” والنظام السوري الى ان جبهة جنوب لبنان ستبقى تنزف وانّ كلّ جهد من شأنه منع البلد من استعادة عافيته سيبذل… وصولا الى ارتكاب جريمة في حجم اغتيال رفيق الحريري.
يبدو الآن ان المطلوب انتخاب سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية كثمن لبقاء رئيس للجمهورية في لبنان. هناك من يصوّر الأمر وكأنّ لا رئيس للجمهورية بعد الآن اذا لم ينتخب سليمان فرنجيه. انه بالفعل ثمن باهظ، خصوصا انّه اذا كان مطلوبا انتخاب شخص من آل فرنجيه رئيسا للجمهورية، هناك سمير حميد فرنجيه الذي يستأهل ان يكون في هذا الموقع، لا لشيء سوى بسبب ثقافته السياسية وسيرته الشخصية التي لا تحتاج الى شهادة مني او من اي شخص آخر. الفارق بين سمير حميد فرنجية، الذي هو ابن عمّ والد سليمان فرنجيه هو تماما كالفارق بين نسيب سليم لحّود واميل جميل لحّود…
في الإمكان اعطاء امثلة كثيرة عن فرص ضائعة على لبنان بسبب اصرار قوى خارجية على فرض اشخاص معيّنين في مواقع حساسة. اكثر من ذلك، هناك ظلم لحق بمجموعة شخصيات لبنانية من كلّ الطوائف، على رأسها الطائفة المارونية. كان في استطاعة هذه الشخصيات خدمة لبنان في مرحلة معيّنة. على سبيل المثال، لم يستطع لبنان في ايّ وقت الإستفادة من رجل واضح مثل ريمون اده لعب دورا اساسيا في مجال ازدهار البلد، بدءا بوضعه قانون سرّية المصارف الذي جعل من بيروت مركزا ماليا مهمّا.
لم يكن واردا ان يكون ريمون اده رئيسا للجمهورية بعدما التقى حافظ الأسد في العام 1973. فهم الأسد فورا انّه لا يستطيع التعاطي مع سياسي لبناني من نوع العميد ريمون اده يرفض ان يكون تابعا لأحد. بالنسبة الى النظام السوري، لا مجال للتعاطي الّا مع لبنانيين من نوع معروف، بل معروف جدّا. لذلك لم تكن هناك كيمياء بين الشيخ امين الجميّل وحافظ الأسد، على الرغم من انّه زار دمشق مرّات عدة خلال فترة رئاسته.
في المقابل، هناك تفاعل في العمق بين بشّار الأسد وميشال عون الذي لم يستطع دخول قلب الأسد الأب على الرغم من كلّ المساعي التي قام بها من اجل ان يكون رئيسا للجمهورية، بما في ذلك ابداء استعداده ليكون جنديا في جيش الأسد!
لا شكّ ان هناك مبررات كثيرة لدى الذين يعملون الآن من اجل وصول سليمان فرنجيه الى قصر بعبدا الخالي من شاغله منذ ايّار ـ مايو من العام 2014.
هل القبول بسليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية ينقذ الجمهورية… ام يدخل لبنان في تجربة سيئة على غرار تلك التي دخلها في العام 1975 عندما كان جدّه رئيسا ولكن في ظروف مختلفة جدّا؟
من خلال المقابلات الأخيرة للرجل، سعى سليمان فرنجيه الى تسويق نفسه بطريقة ذكيّة. قد يساعده في ذلك ان “صديقه” بشّار الأسد صار من الماضي. على الرغم من ذلك، لا مفرّ من التساؤل لماذا حظ لبنان سيء الى هذه الدرجة؟ هل الأمر عائد الى العلة الكامنة في اللبنانيين انفسهم الذين لديهم من السطحية والسخافة ما جعلهم يسقطون نسيب لحود في انتخابات قضاء المتن في العام 2005؟
لماذا لا يُطرح اسم لشخصية مارونية معتدلة، تبني جسورا مع الجميع، يمكنها اعادة الإعتبار لرئاسة الجمهورية وللجمهورية؟ هل يكفي ان تكون هناك حاجة لإنقاذ الجمهورية كي تكون الكلفة على لبنان كبيرة. ثمّة من يجيب انّه ربّما كان انقاذ الجمهورية يستأهل كلّ هذه التضحيات في وقت لم تعد امان السياسيين اللبنانيين خيارات كثيرة، بل لم تعد امامهم خيارات.