المركزية- ينظر مراقبون سياسيون بكثير من الريبة والاستغراب الى المواقف الايرانية الملتبسة في مرحلة ما بعد اقرار الاتفاق النووي ودخول روسيا ميدانيا الى الحلبة السورية، حيث تبدلت في شكل لافت بعد ظهور العنصر الروسي على خط الازمة السورية مباشرة. فالاتفاق، وبصرف النظر عن المخاوف التي سجلها بعض الأطياف الإيرانية بشأنه، مثِّل ربحًا استراتيجيًّا لإيران التي واظبت على التأكيد على “التفكيك” بينه وبين باقي معضلات المنطقة وازماتها وملفات الصراع الإقليمية وطريقة إدارتها، وعملت على قاعدة التقارب السياسي المحدود مع واشنطن في إطار “التعاون الانتقائي المتقابل، وحكم هذا المبدأ كل المواقف الايرانية حتى الاكثر تشددا منها الى حين بروز العنصر الروسي كشريك اساسي مع الولايات المتحدة الذي ألهب على ما يبدو طهران فسارعت الى رمي سهامها في اتجاه واشنطن مجددا ردا على اقصائها عن الشراكة” وعادت الى مربع العرقلة في الملفات التي تملك اوراق ضغط فيها من بينها سوريا ولبنان.
وبرز الموقف بوضوح في كلام مستشار المرشد الاعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي امس بقوله “ايران لا ولن تتعاون بشكل مباشر أو غير مباشر مع الولايات المتحدة”.
ويوضح المراقبون المشار اليهم لـ”المركزية” ان لبنان لن يكون في منأى من تداعيات التصعيد الايراني بل سيتأثر مباشرة، بعدما علقّت آمال على امكان تليين الموقف وبروز ايجابيات خلال زيارتي الرئيس حسن روحاني للفاتيكان وفرنسا منتصف الجاري، ذلك ان روحاني الذي كان ابلغ نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند في واشنطن لدى سؤاله عن الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوجوب الانتظار حتى قمة باريس، لن يكون على ما يقول هؤلاء في وارد تقديم تنازلات وتعديل الموقف الذي يحكم المعادلة الرئاسية اللبنانية منذ نحو عام ونصف العام على رغم مراجعات ووساطات دولية بذلت على اكثر من مستوى وزيارات فرنسية مكوكية لطهران لم تفض الى ايجابية ولو بالحد الادنى، لا بل سيحاول توظيف هذه الورقة مجددا في بازار رفع السقف ردا على “وضع” ايران جانبا في التسوية السورية وادراجها ضمن قائمة الدول المشاركة لا الشريكة في التسوية الجاري العمل عليها في جنيف، الا اذا كان ثمة صفقة دولية كبرى قد تمنح طهران امتيازات كبيرة في المنطقة مستقبلا.
لكن المراقبين لا يسقطون من حساباتهم فرضية ان تحمل محادثات فيينا التي احرزت شوطا متقدما في الخطوط العريضة المرسومة للتسوية السورية الحل الرئاسي اللبناني، مستندين الى مواقف نقلت عن مسؤولين روس تشير الى ان الاتفاق على الملف السوري سيليه مباشرة حل للازمة الرئاسية في لبنان خصوصا بعدما بلغ مستوى الضغط الفرنسي الفاتيكاني في هذا الاتجاه أوجه.
لكن السؤال يدور حول الثمن المفترض ان تقبضه ايران عبر حلفائها في لبنان لتقديم التنازل الكبير. ولا يغفلون هنا، الاشارة الى المحاولات التي يبذلها فريق 8 اذار وحزب الله تحديدا على طاولة الحوار الوطني في ساحة النجمة لاسباغ الرئيس العتيد بصبغة المقاومة او على الاقل تبني خياراتها من ضمن النقاش حول مواصفات رئيس الجمهورية، بحيث اذا ما نضجت التسوية السورية وحان موعد حل الازمات اللبنانية يحجزون لهم موطئ قدم في الرئاسة اللبنانية وعودة آمنة لمقاتليهم من سوريا من دون ارتدادات سلبية على دور الحزب في الحياة السياسية اللبنانية مستقبلا.