سيؤخذ على العرب المسلمين انهم لم يقدموا حلاً للسؤال الجنسي حتى اللحظة. السؤال الجنسي أهم سؤال وجودي يواجه الانسان بعد سؤال الوجود والموت نفسه، بل يمكن اعتبار هذا السؤال جزءا من السؤال الاول الحياة والموت، أليس الجنس هو السبب المباشر للحياة – الولادة؟
هل يكون غياب السؤال الجنسي بحد ذاته امتداداً لغياب سؤال الحياة والموت اصلاً عند العرب المسلمين؟ باعتبار ان العرب قد اغلقوا العقل عن الاسئلة الفلسفية كلها حالما اعتنقوا الاسلام وقبله المسيحية، رغم انهم قبل الاديان الثلاثة كانت الشعوب قبل العربية او شقيقة العربية في مصر واليمن وسورية قد ابدعت في طرح النظريات الفلسفية كمحاولات للإجابة على اسئلة كبرى تتعلق بالحياة والموت ومابعد الموت.
لم يكن العرب قبل الاسلام عاطلي الفكر، لهذا كان السؤال الجنسي أمراً بديهياً من الاساس. فقد كانوا متصالحين مع حاجات الجنس وإلحاحاته، بتشريعهم عدد كبير من انواع العلاقات الجنسية منها “نكاح البعولة”، وهو النوع الوحيد من العلاقات الجنسية الذي اعترف به الاسلام فاطلق عليه اسم “زواج”، وما تبقى لم يعتبره الاسلام زواجاً.
لقد كان العرب قبل الاسلام من اكثر الاقوام في المنطقة تميزا وتمييزا في العلاقات الجنسية بين النساء والرجال. فقد ابدعوا في ايجاد انواع متعددة من العلاقات الجنسية بلغت التسعة انواع. وأول هذه الانواع نكاح المتعة وميزته انه محدد التاريخ لا ميراث فيه ولا نفقة، وهو غير زواج المتعة الحالي عند بعض الشيعة باشتراطاته والتزاماته العديدة، فهذا الاخير اكثر تعقيدا من زواج المتعة قبل الاسلام واكثر تعقيدا من الزواج الرسمي في شكله المعروف.
وثاني انواع الزواج عند العرب هو نكاح الشغار او مبادلة البنات حيث كان يزوج الرجل ابنته لرجل على ان يزوجه الاخير ابنته، وهناك زواج مبادلة الزوجات، حيث يتنازل كل رجل عن زوجته للآخر بغير مهر، وزواج العضل وهو ان يتزوج رجل امرأة فإن لم يتوافقا تركها على ألا تتزوج من غيره إلا بموافقته، إضافة لنوع خر اسمه السفاح وهو إقامة علاقة مع امرأة من غير زواج علناً، وهو يشبه “المساكنة” في هذه الايام، وكان العرب يسمونه “الزنا” وقد حرموه عموماً.
وهناك نوع سري من الزواج عند العرب قبل الاسلام هو “نكاح المضامدة” تلجأ اليه المرأة زمن الفقر والقحط والجوع حيث انها تترك زوجها وتلتزم رجل غني الى ان تغنى بالمال والطعام فتتركه وتعود الى زوجها, والنوع السادس هو “نكاح الاستبضاع”، ويتم بناء على طلب الزوج من امرأته بعد ان تطهر من الحيض ان تنكح رجلاً غيره طلبا للولد الذكي .
إضافة لهذه الانواع من الزواج او النكاح هناك نوعان اضافيان: الاول اسمه نكاح البغاء المعروف، و”نكاح الرهط” وهو نكاح مجموعة رجال لامرأة في وقت واحد وحين تلد تنسب ولدها الى الرجل الذي احبته بينهم …
لكن ما هو واقع المؤسسة الاكبر التي تجيب على السؤال الجنسي إجابة مقتضبة غير مقنعة غالباً وتعيش حالة قلق وفوضى وظلم شديد اليوم ؟ نقصد بذلك مؤسسة الزواج الرسمي
لقد حرّم الاسلام كل انواع العلاقات الجنسية قبل الاسلام دون تمييز، وعقد بالمقابل صفقة بين عرب قبل الاسلام وعرب الاسلام. فهو مقابل تحريمه كل انواع الزواج باستثناء نوع واحد، منحهم بالمقابل الجمع بين اربع زوجات في وقت واحد بشرط العدل، لكن تطبيق هذا التعدد اثبت فشله وظلمه من عدة نواحي اولها من الناحية الاجتماعية. فهو ادى الى زيادة في عدد السكان غير منضبطة، ومن ناحية ثانية ادى الى ظلم الزوجات فمن هو الرجل الذي يمكن ان يمنح امرأتين او ثلاث فضلا عن اربعة كفايتهن الجنسية؟ كما ادى الى فشل اسري من ناحية ثالثة. فكثرة الاولاد تمنع من تربيتهم بشكل جيد ومنحهم الرعاية الكافية. ولا ادل على فشل تشريع تعدد الزوجات من ان دولا عربية اسلامية حرمته كما تونس وهو اجتماعيا امر مكروه لاسيما من الزوجات انفسهن لأنه يقوم على الظلم والاسلام نفسه يشترط العدل في الجمع بين الزوجات. وهو يشير الى انه لا يمكن للزوج عموماً ان يكون عادلا في توزيع اهتمامه وعطائه الجنسي مع اكثر من زوجه واحدة. والعدل إن تحقق هنا فهو استثناء نادر.
إضافة لذلك، فإن الزواج المعروف نفسه اي الزواج الواحدي أي الزواج من امرأة واحدة يعاني في بلاد عديدة مآزقا بحيث ان مصر تقف في المرتبة الاولى في العالم في عدد حالات الطلاق، التي تبلغ 40 بالمئة حالياً. وتشهد مصر حالة طلاق كل 6 دقائق، وهو ما يثبت ان الزواج الحالي علاقة تتجه الى ان تكون مؤقتة وليست دائمة كما هو في الاصل. والبعض يقول ان العمر الافتراضي للزواج هو سبع سنوات.
إن اقتصار العلاقة الجنسية على الزواج او احد انواع العلاقات الجنسية وترك ما تبقى هو ما اوقع “الزواج” في أزمة تاريخية. فإذا كان الزواج حلاً وحيداً للسؤال الجنسي في السابق فهو اليوم أعجز من أن يبقى الحل الوحيد.
كانت ايران احدى الدول التي اجابت على السؤال الجنسي من ضمن العقيدة الشيعية عبر زواج المتعة. واليوم سارت دول عربية اسلامية على نهج الاجابة على السؤال الجنسي وايجاد حلاً له خارج مؤسسة الزواج الرسمي
ففي مصر وبفعل الضغط الملحّ للسؤال الجنسي بفعل الحرارة والتعداد السكاني الكبير، ابتكر المصريون حلاً سريعاً مؤقتاً هو نوع من الزواج الشرعي عبر “عقد عرفي” بين رجل وامرأة من دون التسجيل رسمياً في المحاكم النظامية او الشرعية. واغلب هذه العقود تتحول الى زواج تقليدي مسجل في المحاكم. والشارع المصري صار يتقبل هذا النوع من الزواج وإن كان البعض يعتبره زواجا سريا لأنه يتم غالبا دون موافقة الاهل او معرفتهم.
في السعودية والخليج ابتكر المشرع الاسلامي زواجا جديدا سماه “زواج المسيار”، وهو زواج خاص بالمسلمين العرب خارج البلاد العربية او خارج الخليج.
وفي المدن الكبرى في بلاد الشام تنتشر المساكنة وكذلك في القاهرة، اما المصاحبة فتنتشر في كل العالم العربي لاسيما في المدن المزدهرة الغنية والمدن الكبيرة
في المغرب تنتشر العلاقات الجنسية غير الشرعية كالبغاء الذي تفشى حتى بين الصغيرات وصار مشكلة اجتماعية، من ناحية، ومن ناحية اخرى مصدر مهم في الاقتصاد المغربي حيث ان المغرب يصدر البغاء الى دول مجاورة مثل اسبانيا وفرنسا.
في كل حال ان التحدي الجنسي هو اعظم تحدي يواجه المجتمعات العربية الاسلامية ومن دون التصدي للإجابة على هذا السؤال فلن يكون للعرب المسلمين أمل في تقدم، وسيفرض الواقع المتغير عليهم إيجاد حلول فوضوية لا تسرهم، بدل إيجاد حل منطقي عادل يضمن لهم الاستقرار.
أوغار – كاتب وشاعر سوري