أثناء خطبته حول “خلية العبدلي” في صلاة الجمعة
تفاجأت غالبية كبيرة من الشعب الكويتي بعد خطبة أمين عام التحالف الوطني الإسلامي (زعيم الجناح السياسي لتنظيم حزب الله الكويت) الشيخ حسين المعتوق يوم الجمعة بمسجد الإمام الحسين في منطقة ميدان حولي (بتاريخ 18 سبتمبر الجاري)، حينما تطرق بإسهاب للدفاع عن خلية العبدلي (خلية حزب الله) التي قامت وزارة الداخلية باعتقال افرادها قبل أكثر من ثلاثة أسابيع واتهمتها النيابة العامة بتشكيل خلية مسلحة تتخابر مع تنظيم حزب الله لبنان ومع إيران بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، وجرت أولى جلسات محاكمة أفرادها الأسبوع الماضي.
ومن أبرز النقاط التي أشار إليها المعتوق في خطبته حسب ما جاء في مواقع التواصل الاجتماعي:
“نحن مع تطبيق القانون ولا نرضى بغير ذلك في أي حالة من الحالات وعلى الجميع. بل مع التشدد في حماية الأمن والوطن من كل ما من شأنه الإخلال بالأمن في البلاد”.
“نؤكد موقفنا من حيازة السلاح، وهو أمر خاطيء ويتنافى مع الوضع الأمني، لذلك هو حرام شرعا بلا شك ودون تردد”.
“يجب أن يطبق القانون بكل شفافية دون المساس بكرامة الناس ومقدساتهم، وإن تم تطبيق القانون بهذه الشفافية فلن يحق لنا أن نعترض على ذلك”.
“تعاملنا مع هذه الأحداث (أحداث خلية العبدلي) بمسؤولية رغم كل ما حدث من فتن وبغضاء، وهذا ما يشهد به تاريخنا سواء في الظروف السهلة او في المحن. فنحن من أبرز من يسعى لأمن البلاد ونبذ التفرقة، ولم نسع في أي يوم من الأيام بذلك لأجل التكسب السياسي والصعود على ظهور الناس وسرقة أموال الدولة”.
“نحن نتفق مع السلطة في الرؤية الإستراتيجية، وهي (السلطة) تعرف إننا متوافقين معها في موقفها المتوازن من الأحداث الدولية والإقليمية، لكن هناك من هو منزعج من ذلك وهو يحاول أن يدخل الكويت في نفق مظلم خدمة للمشروع التكفيري وما حدث يأتي في سياق ذلك. من هو المستفيد من نَسب الجرائم إلى هؤلاء الاخوة (المعتقلين). فعلاقة الكويت بالدول الإقليمية متوازنة وليس لها موقف تصادمي ليبرر لأي جهة خارجية استهداف نظامها الداخلي”.
“لقد تبين فيما عرف بقضية قروب الفنطاس (مجموعة من الشخصيات السياسية والحقوقية ومن الأسرة الحاكمة تتهمها النيابة العامة بزعزعة الاستقرار في البلاد) من هو المستفيد من الإخلال بالنظام العام وزعزعة كيان الدولة”.
“الى متى تطلق أيادي الطائفيين في مفاصل الدولة، لا سيما في الأجهزة الحساسة كجهاز أمن الدولة، والشاهد على ذلك ما قام به أفراد في هذا الجهاز بحق السيد الجليل محمد الحسيني (أحد المعتقلين في خلية العبدلي) من إهانة له ولعمامته”.
“كل الأعراف الدولية والقانونية تؤكد على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، غير أنه هناك من لا يرى ذلك لأسباب طائفية وسياسية أخرى، فيكفي أن تكون من الشيعة لتكون متهما بل مدانا حتى تثبت براءتك، بل أنت مدان وإن ثبتت براءتك، والدليل في التأبين (تأبين الزعيم العسكري لدى حزب الله لبنان عماد مغنية) انه رغم تبرئة القضاء للبعض فهم ما يزالون بنظر هؤلاء الطائفيين مدانون”.
“المسؤولية تقع على الدولة في تكريس هذا الفكر إما بالتمييز الوظيفي أو من خلال مناهجها الدراسية التي كتبت بأيدي الطائفيين أو بإهمال السلطة لمحاسبة أصحاب الخطاب التحريضي والطائفي”.
“بالأمس القريب اتهم الشيخ ناصر المحمد (رئيس الوزراء السابق) والمرحوم جاسم الخرافي (رئيس مجلس الأمة السابق) بالتعاون مع الجمهورية الاسلامية (الإيرانية) بالتخطيط للانقلاب على نظام الحكم، فمن استطاع تلفيق قضية بهذا الحجم لرئيس وزارء سابق ورئيس مجلس أمة سابق لن يصعب عليه تلفيق تهم أخرى لغيرهم”.
“هناك من لم يتربى على الشرف والكرامة، وخطابنا ليس لهم بل للشرفاء من أبناء هذا الوطن وإلى سمو الأمير الذي لم يرضَ بما حصل في مسجد الصادق (التفجير الإرهابي الذي تبناه داعش)، فنحن نعلم إنهم لا يرضون بهذه الممارسات الشنيعة التي يندى لها الجبين”.
“لقد مورس التعذيب (ضد بعض أفراد خلية العبدلي) بأبشع صوره من ضرب وصعق وتعليق من الأيدي أو الأرجل والإعتداء الجنسي، فما قيمة الاعترافات (أمام المحققين) في هذه الحالة”.
“الخلاصة، نحن (الشيعة) لسنا بحاجة لإثبات وطنيتنا ولا نحتاج لشهادة من أحد، فقد أثبتناها بالدم والتضحية وبمواقفنا التاريخية، ومن أثارها يريد الشر لهذا الوطن، وعلينا أن نتكاتف في وجه من يريد الفتن”.
“نحن أبناء مدرسة رسول الله ومدرسة علي وفاطمة والحسن والحسين، فنحن على استعداد أن نضحي بأي شيء لأجل إصلاح هذا الوطن ولن نرض بالظلم ولن نسكت عنه. إخوانكم السجناء معروفين بالشرف والعفة والأخلاق، ونسأل الله أن يكون في عونهم”.
تلك كانت أبرز نقاط خطبة المعتوق. فنتساءل مجددا: لماذا تفاجأ الشعب الكويتي مما ورد في الخطبة؟ وماذا كان يهدف المعتوق من ذلك؟ لقد حذرت وزارة الأوقاف الكويتية خطباء الجمعة في جميع المساجد من التطرق إلى المواضيع السياسية، لذا كانت خطبة المعتوق إما تجاوزا لحظر الوزارة، أو ضوء أخضر حكومي للكلام في موضوع “خلية العبدلي”، وفي الحالتين فإن ذلك في نظر العديد من المراقبين يعكس إصرارا من قبل المعتوق على الدفاع عن أفراد الخلية قبل أن تؤكد المحكمة حكمها تجاه هؤلاء، أو – كما يؤكد البعض الآخر – أن المعتوق يعلم تماما بأن مسألة حيازة أفراد الخلية للأسلحة لا يمكن التلاعب فيها بهدف التأثير في حكم المحمكة المتشدد والمتوقع أن يصدر ضدهم، غير أن المسألة الأبرز والأخطر في نظر المعتوق ومسؤولي حزب الله الكويت، هو الدفع بعدم وجود أي تخابر بين الخلية وبين تنظيم حزب الله لبنان وإيران، وهذا ما جعل زعيم حزب الله الكويت يزعم بوجود علاقة بين موضوع الخلية وبين مجموعة الفنطاس، حيث أراد الإيهام بأن القضية بمجملها ليست إلا مؤامرة داخلية وأنه لا مؤامرة خارجية في القضية.
إن العديد من النقاط التي جاءت في خطاب المعتوق أثارت الرأي العام الكويتي، وأبرزها تأكيده على أن “إخوانكم السجناء معروفين بالشرف والعفة والأخلاق، ونسأل الله أن يكون في عونهم”. فقد أشار العديد من المراقبين أن المعتوق حاول من خلال تأكيده على تلك الصفات إيهام الرأي العام بأن “الشرفاء” لا يمكن أن “يخونوا” وطنهم عن طريق التخابر مع جهات خارجية، أو أن يستخدموا العنف “لزعزة الاستقرار” في بلدهم. بيد أن الأحداث التي تهيمن على المنطقة العربية والإسلامية ويتصدر مشهدها الإسلاميون الجهاديون من السنة والشيعة، مليئة بالشواهد التي تؤكد عكس ما كان يرمي إليه المعتوق. فالحركات الإسلامية الجهادية تؤكد بأن أفرادها متدينون شرفاء أصحاب عفة وأخلاق، لكنها تمارس الإرهاب وتزعزع الأمن وتعتدي على أمان الناس وخصوصياتهم بكل سهولة ويسر، وهو ما يعكس المأزق الأخلاقي لجماعات الإسلام السياسي العنيف. فما فائدة شعار العفة والشرف والأخلاق وتلك الحركات في سبيل تحقيق مصالحها تعتدي على أبسط صور الأخلاق والعفة والشرف؟ ما فائدة كل تلك الشعارات الواهية وهي تهاجم الظلم في مكان وتقبل به أو تسكت عنه في مكان آخر.
لقد تفاجأ الشعب الكويتي بما ورد في خطبة المعتوق من دفاع عن أفراد “خلية العبدلي”، لكنه كان قادرا على أن يكشف خبايا تلك الخطبة..
* كاتب كويتي