يقول الكاتب والفيلسوف الفرنسي «بليز باسكال» (1662 ــ 1623): إن البشر لا يرتكبون أكثر أنواع الشر بسعادة إلا عن قناعة دينية! وهو أقصر أنواع القتل هروباً من الضمير الإنساني، حيث يرتكب البشر المذابح ويغتصبون النساء ويسرقون ويغنمون من دون أن يلتهب الضمير. لأن فعل الشر أصبح مقدساً، ولهذا كانت الحروب الدينية هي أكثر الحروب فظاعة وقسوة بلا رادع أو ضمير.
***
كيف نصف من يصر بعناد على شراء أغلى أنواع العطور لنفسه، إن كان يجد صعوبة في توفير الطعام واللباس لأهله، والتعليم لأطفاله؟
لا أعتقد أن أحداً بإمكانه احترام هذا الشخص أو تبرير ما يقوم به.
***
في لندن، وفي أكثر بقعة مزدحمة وتجارية فيها، حيث يبلغ سعر متر الأرض عشرات آلاف الجنيهات، وتكلفة البناء فيها مرتفعة جداً بسبب الازدحام وقلة ساعات العمل، نشب صراع بين جهة تريد شراء أحد مباني المنطقة وتحويله إلى مسجد، وبين معارضين لذلك من خلفيات مختلفة، وبينهم مسلمون، بسبب التضارب في الأولويات! فالدين يمكن تبليغه بالحسنى والكلمة الطيبة وليس بدس الإصبع في أنف من تريد «هدايته».
يقع المجمع الترفيهي الشهير «تروكاديرو» في شارع كوفنتري، من منطقة البيكادللي الشهيرة، وله مدخل خلفي في شارع شافتسبري حيث المسارح ودور اللهو والبارات.
يعود تاريخ المبنى لعام 1896 وكان في الأصل مطعماً، وأعيد افتتاحه عام 1984 كمجمع ومعرض ومساحة ترفيهية، ثم تحول عام 2014 إلى فندق.
تضمن طلب الترخيص، الذي تقدمت به «المؤسسة الخيرية التعليمية لمسلمي بريطانيا» لبلدية لندن مسجداً لألف مصلٍّ مع تحويل دار السينما تحت الأرض إلى مركز للفعاليات الدينية!
تعود ملكية المؤسسة الإسلامية لـ«آصف عزيز»، ويبدو أنه بريطاني من أصل باكستاني، وهو الذي يمتلك المبنى التجاري أيضاً، ويقال إنه دفع مبلغ 225 مليون جنيه في شرائه.
***
قد يرى البعض فيما ينوي «آصف عزيز» القيام به عملاً مشروعاً، وهو كذلك في الظاهر، لكن: ما الذي يدفع شخص من دولة فقيرة ومتخلفة ينقصها كل شيء تقريباً، وبها عشرات ملايين العاطلين عن العمل، وبحاجة إلى بناء المصانع والورش والمدارس والجامعات، دع عنك المختبرات العلمية والمستشفيات العالمية والجامعات الراقية، إلى أن يذهب إلى أغلى قطعة أرض في أوروبا ويقرر بناء مسجد فيها، ثم يأتي أقرباؤه للعمل في دول الخليج أو لجمع التبرُّعات لبناء المساجد وحفر القلبان وإيواء الأيتام في باكستان؟!
أتمنى يوماً فهم هذا المنطق الذي يدفع البعض لمثل هذه التصرُّفات، وهذه الفوضى في الأولويات، فهل مسجد في بيكادللي خير وأبقى من مسجد في روالبندي، مثلاً؟!
الزبدة: بناء مسجد في منطقة لا يسكنها المسلمون، وهي منطقة لهو وتسلية، أمر لا يقصد منه غير الشهرة الفارغة، وإثارة مشاعر العداء من الغير، من دون هدف منطقي.
a.alsarraf@alqabas.com.kw