مفاوضات الفوعة/الزبداني: وَضَحَ الصّبحُ لذي عينين
أيها اللبنانيون/اللبنانيات الشيعة،
أيها السوريون/السوريات العلويون والعلويات،
فصلٌ جديد، لا يرقى الشك إلى وقائعه، أضيف، خلال الأسبوعين الماضيين، إلى كتاب الصراع الدائر في سوريا وعليها: إنّها المفاوضات التي جرت في تركيا بين فصيل سوري، وبين وفد إيراني يمثل الحرس الثوري، والتي كان مدارها، من الجانب الإيراني ووفق منطوقه، على مبادلة الفوعة (كفريا) بالزبداني عقارياً وديموغرافياً.
إن هذه المفاوضات التي تُشكل علانيّتها سابقةً بكل ما للكلمة من معنى، لا تدع محلاً لأن نَتَجامَلَ فنتخاطب كـ«مواطنين» متجاهلين أنَّ سياسة الاستتباع الإيرانيّة تستكثر علينا هذه الرتبة، كما أن هذه المفاوضات لا تدع محلاً للشك في جملة من الحقائق التي تجاهلها البعض منا، عن حسن نية أو قلة دراية، والتي يستمر بعض آخر في تجهيلها، عن سابق تصور وتصميم، ضارباً عرض الحائط بما تُرَتّبه من أثمان دموية في الحاضر، ومن صدوع لا رأب لها في الحاضر والمستقبل.
دفاعاً عن أنفسنا أولاً، ودفاعاً عن أنفسنا كـ«مواطنين»، لا بد لنا من التّصارح بجملة هذه الحقائق التي وضعتها مفاوضات الفوعة (كفريا)/الزبداني بالتصرف العام:
1) إن النزاع في سوريا، اليوم، هو بين منتفضين سوريين، وبين إيران، وذلك مِنْ بعد أن بلغ التقهقر بالنظام الأسدي الذي انتفض عليه السوريون، قاطبةً، مرحلة متقدمة من الغيبوبة السياسية والعسكرية. أما مكافحة الإرهاب في إطار هذا النزاع فليست سوى مكوّن مشكوك في نسبه تسعى إيران، وحلفاؤها، إلى إبرازه، وإلى التعظيم من شأنه، تعمية عن الطبيعة الأصلية للمواجهة.
2) إن إيران، التي كررت مراراً، على ألسنة عدد من مسؤوليها، بأنَّ نفوذها الإقليمي يمتد من صنعاء إلى بيروت مروراً بدمشق وبغداد، لم تعد ترى من حرج في تحجيم وكلائها المحليين، حدَّ تنحيتهم جانباً، ومن التفاوض المباشر بالنيابة عن «الشيعة» وعن «العلويين» وعن كل الذين تُنْزِلُهم في منزلة «الرعايا» و«الجاليات».
3) إن المفاوض الإيراني، بشهادة ما تسرب عن المباحثات بين وفد الحرس الثوري من جهة، وبين مقاتلي الزبداني ممثلين بحركة أحرار الشام من جهة أخرى، إنما سعى إلى عملية تبادل عقاري ديموغرافي يُنقل الشيعة بموجبها من شمال سوريا الى جنوبها، وينقل السنة بموجبها من الزبداني والقلمون إلى الشمال، كما رفض هذا المفاوض كل الاقتراحات التي قضت، مثلاً، بخروج مقاتلي الزبداني إلى درعا أو القنيطرة أو غيرها من المناطق الجنوبية. بهذا المعنى فإن مفاوضات الفوعة (كفريا)/الزبداني بيانٌ صريحٌ عما تطمح إليه إيران، وبهذا المعنى أيضاً فإن التدخل الإيراني في سوريا لم يجعل من خيار التقسيم أمراً واقعاً فقط، بل وضع كل الأقليات في سوريا، وفي الطليعة منها العلويون والشيعة، أمام أحد اثنين كلاهما أكثر انتحارية من الآخر: الموت في مذابح طائفية، أو العيش في غيتوات مذهبية تسهل عليه السيطرة عليها، مباشرة أو من خلال الوكلاء المحليين.
4) أخيراً وليس آخراً، إن مفاوضات الفوعة (كفريا)/الزبداني تثبت مرة جديدة أن الحرب التي يشنها حزب الله على الحدود اللبنانية/السورية في القلمون، والتي من فصولها حصار مدينة الزبداني، ومحاولة إسقاطها، إنما الغاية منها استكمال عملية تقسيم سوريا. استطراداً، فمن باب تحصيل الحاصل أن شعارات الدفاع عن لبنان، أو تأمين القرى الشيعية، أو حماية المراقد المقدسة، وصولاً إلى تحرير القدس، هي شعارات أقل ما يقال فيها بأنها كاذبة.
أيها اللبنانيون الشيعة، أيها السوريون العلويون،
إن منتهى ما يؤدي إليه استمرارنا في التسليم، عن رضا أو عن خنوع، بالوكالة الإيرانية عنا، هو مزيد من الحروب الأهلية، في سوريا ولبنان كما في العراق واليمن وغيرها، ورديفه مزيد من الفرز والضم العقاريين والديموغرافيين، ومن الخوف، ومن الانعزال، ومن العسكرة، ومن استدعاء ردود الفعل المذهبية، ومن التزلج على الدماء.
أيها اللبنانيون الشيعة، أيها السوريون العلويون،
اسمعوا وعوا: إنَّ ما قبل مفاوضات الفوعة/الزبداني ليس كما بعدها، فمع هذه المفاوضات «وَضَحَ الصّبح لذي عينين»، ولم يبقَ لنا، ولسوانا من الجماعات التي تستتبعها إيران باسم العصبية المذهبية، إلّا أنْ نختار، رغم مشقة الاختيار، بين أن نكون أبناء أوطاننا، وبين أن نتحول إلى سقط متاع إمبراطورية كرسيها في طهران وعلى عرشها الولي الفقيه.
مجموعة من اللبنانيين الشيعة والسوريين العلويين
بيروت ـ اللاذقية، 20 آب 2015