لم اكتب منذ سنوات طوال، ولكن قد يظهر للمرء ما يحفزه للكتابة حتى لا يوصَم بانه شيطان اخرس، وحتى لا يظن بعض ملاك وسائل الإعلام ان لا صوت الا صوتهم وان لا حقيقة الا مايرونها، معتقدين بذلك انهم صوت الشعب ومسمعه. ونسوا، او تناسوا، ان طائرا صغيرا في أكف الشعوب يحمل بين جناحيه بعض الحروف يطير بها كالبرق من ادنى الارض الى اقصاها! نعم هذا الطائر الذي لا يملك بعض التجار ان يشتروه حتى يحبسوه في قفصهم الذهبي!
وما حملني على هذا الاسترسال في المقدمة هو ما طالعتنا به بعض الصحف الزرقاء وليست الصفراء التى ذهبت مع روادها ورجالاتها رحمهم الله، بل هي صحف زرقاء كدمائهم الزرقاء، بأن هاجموا وزير التجارة والصناعة بسبب تحديد اسعار السلع. وسأنقل لكم بعض المقتطفات التي جاءت فيها (“تثبيت الاسعار يثير حفيظة كبار رجال الاعمال والمال”، “تحديد الاسعار يتعارض مع مبدأ المنافسة الحرة وحرية التجارة والتحول لمركز مالي وان هذا يعاكس السير العالمي”، وانه “يجب على وزارة التجارة الا توافق لاتحاد الجمعيات على تحديد الاسعار ……….”)! من يقرأ هذه العبارات دون ان يعرف واقع الحال الكويتي يقول ان هذه اسس ومبادئ الاقتصاد العالمي الحر ولا تثريب على قائلها! ولكن دعونا نعرف ما سياسة الدولة الاقتصادية الواقعية، وما الدور الذي لعبه وزير التجارة والصناعه والذي ازعج بعض التجار!
بعيدا عن التشريع الدستوري ونصوص وأحكام القانون، نجد ان الحكومه في الواقع السياسي الاقتصادي تلعب دور الراعي لبعض التجار والشعب.
فهي احيانا تكون “رأسمالية” وتارة “إشتراكية”! ولا أريد ان اتحدث عن الحكومه الرأسمالية ولكن اريد ان اتطرق الي الحكومة الراعية للاقتصاد الحر كما يدعي بعض اصحاب الدماء الزرقاء. ان الحكومة عندما تمارس من خلال وزارة التجارة المفهوم الاشتراكي عن طريق آلية التموين وتثبيت الاسعار من خلال شركة التموين فهي بذلك تهدف لمصلحه عامة، من توفير الاحتياجات الاساسية للمواطن حتي تضمن له قوته الشهري، وبذات الوقت تحقق مخزونا غذائيا استراتيجيا يكون تحت سيطرة الدولة وليس بيد التجار. وبذات الوقت، سمحت بانشاء جمعيات تعاونية واتحاد للجمعيات ذات شخصية اعتباريه اهليه خاصه مستقلة عن شخصية الدولة تدير خدمة اجتماعية للدولة باعتبارها مرفقا عاما يحقق التوازن وليس التنافس مع التجار حتي تتحصل على اقل سعر للسلعة.
هذا جزء من دور الدولة اتجاه المواطن.
وأما دور الحكومة الراعيه لبعض التجار فانه يتمثل في توزيع الاراضي التجارية والصناعية والخدمية لهم باسعار رمزية لا تُذكر مع تقديم دعومات واعفاءات تصل سنويا الي ربع مليار دينار كويتي. وفي المقابل، نجد ان اغلب الاراضي محتكرة من فئة قليلة من التجار اضافه الي انه لا توجد اي قصص نجاح للصناعة في مقابل الدعم الذي يُصرف على تلك الصناعات، الا بعض الشركات التي حققت نجاحاً على الصعيد المحلي والاقليمي وهي قليلة.
فاذا هذا هو واقع حال السياسة الاقتصادية للدولة، فماذا فعل وزير التجارة والصناعة حتى يثير حفيظة التجار؟ في الواقع، من خلال تتبعي لمنهجيته في اداء الوزارة وهيئاتها، أجده لم يخرج عن النسق العام للسياسة العامة للدولة. ولذلك جاء بحزمة من الاصلاحات التشريعيه الجديدة وتعديل على تشريعات وتغيير كثير من اللوائح التي تؤدي لتحسن بيئة الاعمال وتقلص اجراءات وسير المعاملات في الوزارة. ولأول مرة في تاريخ هيئة الصناعة، تصدر لوائح منظمة لتوزيع الاراضي الصناعية والخدمية والتجارية، مما اثار حفيظة بعض التجار. ولاول مرة، يصدر لائحة منظمة للمعارض العقارية بعد انتشار عمليات النصب وغسيل الاموال، ما اثار حفيظة البعض. ولاول مرة، يصدر قرار ترخيص الاعمال المتناهية الصغر التي لا تحتاج لاستئجار محل، ما اثار حفيظة بعض تجار العقار. وكذلك منع شركات المياه من التصدير حفاظا على الثروة المائية، ما اثار حفيظتهم. ومنع تصدير المشتقات الصناعية من الديزل المدعوم حفاظا على المال العام، وهذا ايضا اثار حفيظتهم. حدد اسعار الخدم، فأثار حفيظتهم. رفض زيادة اسعار السلع، فاشتاطوا غضباً.
ماذا يريد هؤلاء من وزير التجارة والصناعة؟ يريدونه ان يكون رأسماليا معهم في مقابل الشعب، وان يكون اشتراكيا معهم في مصالحهم بان ياخذوا الاراضي والدعومات من الدولة!
فأي اقتصاد حر تدعونه، واي حرية منافسة تتباكون عليها؟
نعم سندعو للاقتصاد الحر والمنافسة الحرة عندما تتخلون عما تاخذونه من دعومات الدولة، او على الاقل ان تكون هناك عدالة اقتصادية نزيهة وشفافه نرى من خلاها تقارب الطبقات المجتمعية، وليس طبقتين كما تريدون!
فإلى معالي وزير التجارة والصناعه الشاب خالد الروضان انهم ان استطاعوا ان يكسروا وزير التجارة والصناعة بازاحته
من منصبه، فانهم لن يستطيعوا كسر ذلك المواطن خالد ناصر الروضان.