تعرفت على صادر يونس خلال موجة الاضرابات التي اطلقها اساتذة الجامعة اللبنانية في اواخر الثمانينيات واوائل التسعينيات عبر لجان متابعة شكلها الاساتذة في بيروت وبعض الفروع ومنها لجنة المتابعة الشمالية التي اطلقناها من خلال مجلس تنسيق قطاعات التعليم في الشمال.
كان صادر آنذاك نائب رئيس الهيئة التنفيذية الاولى التي انتخبت قبيل الحرب الاهلية التي ادت لقرارات التفريع الامنية/السياسية والتي شطرت الجامعة تماشيا مع تقسيم العاصمة وبقية المناطق، مع ما نتج عن ذلك من تفكيك لوحدة الجامعة وسيطرة قوى الامر الواقع الميليشياوية على الفروع تبعا لسيطرتها الامنية والسياسية. وقد تعمقت هذه العملية مع استكمال السيطرة السورية على البلد رسميا في اعقاب الطائف، وتمدد مفاعيل هذه السيطرة الى مفاصل الدولة ومؤسساتها، ومنها الجامعة اللبنانية.
كان صادر استاذا في العلوم الاجتماعية، وكان احد اعمدة المرحلة الاكاديمية والتربوية الرومانسية التي صعدت فيها الجامعة اللبنانية على اكتاف الاساتذة والطلاب والمجتمع ضمن حراك ديمقراطي واسعن اخترق النسيج اللبناني المتنوع وادى الى تغييرات في بنية القوى السياسية جميعها، حيث نشأت حركة الوعي مخترقة “الاحزاب المسيحية التقليدية” وملتقية، بالاهداف الجامعية على الاقل، مع قوى ديمقراطية يسارية متنوعة قديمة وناشئة ومتجددة.
وكان الراحل احد المناضلين الاساسيين في سبيل قانون التفرغ احد اهم مداميك النهوض الاكاديمي انذاك، علما ان المناخ السياسي الشهابي ساهم عموما في دفع هذه الحراكات، ضمن سياسة توسيع الطبقة الوسطى عبر التربية والتعليم وبعض المشاريع المناطقية الكبيرة.
شكل صادر يونس مرتكزا اساسيا في ثلاثيتين؛
-ثلاثية اكاديمية مع د.حسن مشرفية (باني كلية العلوم والذي اصبح علما اكاديميا في لبنان والخارج) والراحل د.جيلبير عاقل في مجلس الجامعة، حيث شكل الثلاثي المتقدم حاجزا اكاديميا بوجه محاولات التسييس والتطييف واللبننة.
-ثلاثية نقابية مع الراحلين الكبيرين نزار الزين رئيس اول هيئة تنفيذية للرابطة وجيلبير عاقل امين سر هذه الهيئة.
واذ شلت هذه الهيئة عمليا مع انفجار الحرب الاهلية وصدور قرارات التفريع لاحقا، فان هذا الثلاثي الرائع عاد ليطل من جديد قائدا عمليا لحراكات الاساتذة السالفة الذكر بالتعاضد مع قادة الحراكات الناشئة من بيروت وبقية المناطق.
لم تشكل هذه العودة رصيدا معنويا وخزينا اكاديميا ونضاليا وبقايا شرعية نقابية فقط ( اقول بقايا بسبب من اشكالية التفريع وتداعياتها) بل شكلت درعا كبيرا بمواجهة التقوقع الطائفي والمذهبي والمناطقي الذي بدأ يتدحرج نحوه الاساتذة واهل الجامعة عموما، نتيجة تمادي الانقسامات السياسية والجنوح نحو المحاصصة والزبائنية والتوظيف العشوائي وغير ذلك في ظل مركزية شديدة و في غياب مجلس للجامعة، ما ادخل الهدر والفساد وامراض القطاع العام في “الجامعة الجديدة”.
شكل الثلاثي النقابي مظلة لصياغة نظام داخلي جديد للرابطة يلحظ التفريع وقاد هذا الثلاثي مع النقابيين الجدد انتخابات الرابطة المتجددة، متعهدا بعدم الترشح وترك القيادة للجيل الاكاديمي والنقابي الجديد، الا ان ضغط اساتذة العلوم الاجتماعية “اثمر تمردا” من صادر يونس على قرار الثلاثي، ما ادى تلقائيا لترؤسه اللائحة المستقلة والتي فازت باكثرية اعضائها بمعركة ديمقراطية حامية على اللائحة التي ترأسها الراحل حافظ قبيسي.
لقد شكت رئاسة “شيخ الشباب” لهيئتين تنفيذيتين متتاليتين مكسبا ديمقراطيا مهما، خصوصا انه امتاز بعمق علماني وديمقراطي واكاديمي ونقابي، حافظ عليه من سيرته الاولى التي غرفت من الخلطة اللبنانية والثقافية المتنوعة، سواء من معهد العلوم الاجتماعية، سواء من الجامعة اللبنانية وحتما من النسيج المجتمعي المتقدم الذي صاحب صادر في صعوده الاكاديمي والنضالي.
لذا كان البرنامج الذي صاغته الهيئات التنفيذية التي ترأسها شاملا لجهة المجالس التمثيلية واستقلالية الجامعة والابنية الجامعية، فضلا عن موقفه الصلب من مصالح الاساتذة في الرواتب وصندوق التعاضد (الذي اقر في عهده) والامان الوظيفي ي التفرغ والملاك، بالتوازي مع ضرورة الابحاث والتعليم الجيد وحقوق الجامعة والطلاب عموما.
وقد امتاز صادر بالصلابة التي واجه بها محاولات الاحتواء التي تصاعدت مع نشوء النظام الامني السوري اللبناني، لذا شكلت الرابطة الركن الرئيسي في هيئة التتسيق النقابية والتي شكلت هاجسا جديا لقوى السلطة والتي واجهت الهيئة بازدواجية القمع والاحتواء، حيث فرخت النقابات الوهمية التي مكنت اخيرا من السيطرة على الاتحاد العمالي وكسر هيئة التنسيق بعد عدة مواجهات في التسعينيات.
وبالاضافة لصلابته، كان صادر يونس حسن المعشر وامتاز بظرافة نادرة، شكلت لنا مخارج مهمة في كثير من اختلافاتنا، وقد كان صديقا للجميع داخل الهيئة وخارجها، كما كان عمليا وديناميكيا ولطالما جال على جميع الفروع وشارك في معظم النشاطات الثقافية والاكاديمية والنقابية، خصوصا تلك التي تصب في تطوير الجامعة وتعزيز ادوارها الوطنية والثقافية والعلمية، وقد تعامل مع تطلعاتنا داخل الهيئة باحتضان واستيعاب وطول اناة، وبصفتي امين العلاقات العامة في الهيئات التي رأسها الراحل، حاولت ممارسة نوعا من الهيمنة وتكبير الدور عبر ابتداع مظلة العلاقات العامة التي ابتدعت الخلوات السنوية، فكان يتعامل مع بدعي بالتسهيل من جهة وبالتخفيف من ردود فعل الآخرين من جهة أخرىن مع كبح جماحي بظرافة ولطافة ايضا، وبالاجمال فقد شكلت شخصيته رافعة المرحلة الانتقالية التي واجهت تداعيات التفريع والتسييس والهيمنة، ومع ان تقاعده عن الجامعة وغيابه عن قيادة الرابطة لم يوقفا نضاله بشتى السبل، إلا أن جنوح كثير من الأساتذة وأهل الجامعة نحو الطائفية والمذهبية والمناطقية آلمت صادر كما آلمت غيره من الرومانسيين الأكاديميين ، فقد أدى هذا الجنوح إلى إضعاف قوى المواجهة المتنوعة رغم المقاومة التي ابدوها في ظروف بالغة الصعوبة.
لم يكن صادر ورفاقه ضد التفريع عموما، ولكنه كان ضد التفريع الطائفي والسياسي،فقد تألم لقرارات التشعيب ودعم إنشاء المجمعات الأكاديمية ، وحتما تألم من القرارات الاخيرة التي تبدو وكانها توزع الجامعة حصصا في جميع المناطق، ما قد يحول التعليم الاكاديمي الى تعليم مدرسي.
برحيل هذا العملاق الودود الصغير القامة يفقد خزاننا الاكاديمي والنقابي جزءا مهما من
رصيده وذاكرته، ما يضعف مناعتنا ومقاومتنا وما يجعل مهمة بعض “الفدائيين” اكثر انكشافا.
فوداعا صادر وعهدا باننا سنستمر بالمقاومة من اجل ما امنت به انت وجميع الرومانسيين.
talalkhawaja8@gmail.com
طرابلس- لبنان