يقول مصعب الذي تحول عن الإسلام إلى المسيحية، في لقاء تلفزيوني مع «سي إن إن» إنه اكتشف أن «صراعاتنا متشابهة»، و«لقد بدأت أتعرف على ما يحصل من حولي، ورأيت أن المفجر الانتحاري لا يفرق بين أميركي أو إسرائيلي أو مسيحي أو مسلم، فهو لا يهتم بحياته أصلاً، كان يجب إيقاف ما يحصل».
المؤرخ اليهودي الروماني يوسيفوس فلافيوس عاش في القرن الأول للميلاد، واشتهر بكتبه حول تاريخ التمرد اليهودي ضد الإمبراطورية الرومانية والأوضاع في فلسطين خلال تلك الفترة، وقد أشار فلافيوس إلى أن القرون المتأخرة قبل الميلاد والقرنين الأول والثاني ميلادي كانت متوترة في العالم. إذ حكمت روما نطاق العالم المتحضر بقبضة حديدية، وقد توسع نطاقها إلى أقصى الشرق إلى بلاد الشام ومصر. وبات هناك وجود روماني في فلسطين، وخلال وجودهم في المنطقة، قاوم اليهود الوجود الروماني في المنطقة، واعتبروه احتلالاً غير شرعي، سعياً إلى التخلص من الحكم الروماني، وهذا ما دفع مجموعات يهودية لا تتجاوز ألفي يهودي متعصب لمقاومة الرومان، كان من بينها جماعة السيكاري.
تبنى السيكاري استخدام العنف ضد الرومان، وضد الطبقة اليهودية المتعاونة معهم أيضاً. وتمكن السيكاري وجماعة الزيلوت من تحرير القدس تماماً في عام 66م، عندما سيطروا على الهيكل. كما قاموا بإعدام أي شخص، يهودياً كان أم رومانياً، حاول أن يعترض طريقهم، إلا أنَه في ذلك الوقت سرعان ما دبّ الصراع بين الجماعات اليهودية المختلفة.
جماعة السيكاري رفضت التعاون مع الطوائف الأخرى في مقاومة الرومان، رغبةً منها في استئثار السلطة والتفرد بها، هذا ما دفعها إلى إهمال مقاومة الرومان في مرحلة متأخرة في الحرب، وقيامها بإرهاب سكان المنطقة الأصليين ومنافسيها، إذ مارست بحقهم القتل، وحرق وتدمير الممتلكات، وقطع الطرق، والسرقة. لنتذكر جيداً ما الذي تفعله التنظيمات الإرهابية المسلحة اليوم.
ويؤكد المؤرّخ الإسرائيلي «نخمان بن يهودا» في كتابة «أسطورة مسادا» الصادر عام 1995، أنَ الأشخاص الذين احتموا بالقلعة كانوا من اللصوص وقطّاع الطرق، ممن ارتكبوا العديد من المذابح، كان من بينها مذابح ضدّ قرى يهودية. وفي لحظة الغسق بعد عقود من ظهورهم، فرّ من تبقى من أتباع السيكاري، إلى قلعة مسعدة ماسادا، في البحر الميت، التي كانت معقلهم لبقية الحرب. وفي تلك الفترة لم يشترك السيكاري في التمرد ضد الرومان، بل اقتصرت أعمالهم على نهب القرى اليهودية بالقرب من حصنهم. المثير للدهشة أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تشهد إعادة التاريخ نفسه، وفي فلسطين ذاتها، ولكن في صور متعددة.
قصة مصعب حسن يوسف بقيت حتى الآن شبه محرمة في العالم العربي، لكونه تحول عن الإسلام بعد أن أصبح جاسوساً إسرائيليّاً. قد تكون قصة مكثفة من العار! ربما. ولكن هذا التواطؤ على تجاهل قصته، ودوافع ارتداده، وخفايا ما عرفه وهو ابن قيادي في تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي غير مبرر البتة. إن هذه اللامبالاة تعبر عن هشاشة وضعف تخدم التنظيمات المتطرفة. من المهم إثارة هذه القصة، وفتح النقاش حولها، فلن ترتد فئات من المسلمين لأن شاباً ذات يوم من بين مئات الملايين قرر أن يغير ديانته بسبب ما عاشه مع تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي.
* نقلا عن “الاتحاد”