في ظل هذه المعادلة أين سيصرف رئيس الحكومة سعد الحريري بيان العودة عن الاستقالة وشروطه المتضمنة مبدأ النأي بالنفس وتطبيق اتفاق الطائف وما الى ذلك من أسس السيادة الوطنية، ومعه اجتماع “مجموعة الدعم الدولي” التي انعقدت في #باريس والبيان الصادر عنها لجهة ضرورة تنفيذ القرارين 1559 و1701؟
جواب الممانعة جاهز: لا نأي بالنفس عن الإرهاب وإسرائيل.
هذا في الظاهر، اما في الباطن فالجواب هو: كل ما جرى ويجري، وظيفته الوحيدة تبقى “التمهيد لدولة العدل الإلهي دولة صاحب الزمان”.
لتحقيق هذا الهدف، يمكن اللعب أينما كان، كيفما كان، وبمساعدة أيٍّ كان، وفتح لبنان للاذرع الإيرانية، سواء أكانت “عصائب أهل الحق” أم “سرايا السلام” أم “الشيعة الأفغان”…
لذا من البديهي لدى هذه الأذرع، التنديد بخطيئة الحريري الذي اعتبر الخزعلي مسؤول ميليشيات عراقية، وأيضاً عندما استنكر جولته في قرى حدودية جنوبية بالزي العسكري.
لم تتسامح هذه الاذرع مطلقاً حيال إمعان الحريري في خطيئته عندما أجرى اتصالات مع القيادات العسكرية والأمنية المعنية للقيام بالتحقيقات اللازمة واتخاذ الاجراءات التي تحول دون قيام اي جهة او شخص بأي أنشطة ذات طابع عسكري على الاراضي اللبنانية، ودون حصول أعمال غير شرعية، والمطالبة بمنع الشخص المذكور من دخول لبنان.
مكمن الخطايا هو في تجاهل رئيس الحكومة مصادرة إيران لبنان وسيادته واستفرادها بتقرير مصيره، ما يسمح لذراع من أذرعها بتوجيه الرسائل الى لبنان وحكومته النائية بنفسها، عبر مخاطبة إسرائيل من الجنوب وتحذيرها من شنّ أيّ حرب حمقاء واعلان الاستعداد والجهوزية للدفاع عنه، كأنه اذا حضر الأصيل لا لزوم للوكيل، وبالتالي لا لزوم لرئيس قوي او جيش وطني او وزير دفاع او وزير خارجية.
أكثر من ذلك. المتحدث الإعلامي لـ”عصائب أهل الحق” نعيم العبودي، أصر على أن الزيارة هي رسمية وليست خرقاً للقانون اللبناني ولا العراقي. لا عجب، اذ ربما يكون صاحب الزيارة قد استوفى الإجراءات المرعية وحصل على تأشيرة دخول. الامر بسيط اذا ما تذكّرنا بأن “حزب الله” يقبض على لبنان ومؤسساته ولا صعوبة لديه في الحصول على جوازات سفر شرعية بأسماء مزوّرة كما حصل في حالة يوسف منصور الذي دخل مصر بجواز سفر لبناني شرعي غير مزوّر، باسم سامي شهاب، فكيف بتأشيرة دخول روتينية!
بمعنى آخر: فالج ولا تعالج. واقع الحال ان الدويلة لا تزال اقوى من الدولة. والقانون الوحيد على الأرض اللبنانية هو قانونها بمقاومتها وشعبها وليس بجيشها وحكومتها.
والا لما تجرأ بيان “عصائب أهل الحق” على اعتبار زيارة الخزعلي موجهة ضد العدو الإسرائيلي وليس للداخل اللبناني، على أساس ان هذا الداخل جزيرة معزولة عن الدويلة ما لم يكن من بيئتها الحاضنة. بالتالي لا يحق له ان ينزعج او يستاء اذا ما شاهد عسكريين غير لبنانيين يصولون ويجولون ويتحدثون عن “دولة صاحب الزمان” ويهدددون إسرائيل من جنوبنا ويتوعدون، وكأن الدار دارهم، واللبنانيين ضيوف، وعلى هؤلاء الضيوف ان يلتزموا أدب الضيافة وعدم تجاوز حدودهم وغلق أبوابهم حتى لا يزعجوا الخزعلي في جولته.
اما اعتراض الحريري وتنبيهه الجهات المختصة في الأجهزة الأمنية لضرورة القيام بواجباتها فهو خيانة موصوفة ولا سيما عندما وصف “الشيخ” بالميليشيوي لتتناغم مواقفه “مع وسائل اعلام صهيونية وأخرى تابعة لأنظمة عربية طالما تخادمت مع الصهاينة والمشروع الأميركي”.
في المختصر المفيد: يصعب ان يتغير شيء في المعادلات التي يفرضها “حزب الله” على لبنان خدمة لمشاريعه في المنطقة، وإن حرص في المرحلة الأولى على بعض السلوكيات التي تهدف الى استيعاب تحفظات الرئيس سعد الحريري.
لذا يقتصر الإلتزام على السلوكيات الظاهرة، اما في المضمون فالحزب ينقلب دائماً على كل التزاماته وفق مصالح محرّكه الإيراني.
تذكّرنا سياسة الترغيب التي استخدمت لإقناع الرئيس سعد الحريري بعودته عن الاستقالة، بأعمال شبيهة شهدتها السفارة الدانماركية في الاشرفية قبل حوالى عشر سنين. فمَن يحضنه في لبنان ويحافظ عليه ولا يفرط به ويؤمّن له اجماعاً وطنياً وتأييداً شعبياً، هو ذاته مَن يرسل إليه رسائل على لسان نائب الأمين العام للحزب او زعيم من زعماء “الحشد الشعبي العراقي” او يحرك أعمال شغب قرب السفارة الأميركية في عوكر.
لذا تسهيل عودة الحريري الى رئاسة مجلس الوزراء ودوران عجلة العمل الحكومي، هدفه الوحيد ضمان الاستقرار الذي يحتاجه الحزب في “بيته الداخلي” ليستند اليه كما يشاء وينسفه متى يشاء.
فالمحور الإيراني لا حليف له، فالارهاب والتطرف والقضية الفلسطينية وقدسها ليست سوى أوراق مستخدمة وممهدة لـ”دولة صاحب الزمان”.
sanaa.aljack@gmail.com