وحتى لا تغبن القوات الشرعية الوحيدة حقها، يسارع جهابذة المحور، ومن باب رفع العتب، الى الاشادة بجهودها كأنهم قمة المناقبية ويحترمون أصغر ممثل ثانوي شاركهم العمل. لكن عندما يجد الجد، كل يعود الى حجمه الطبيعي من دون تضخيم او مبالغات.
لصرف النظر عن إشارات تؤكد استكمال معاهدة التنسيق والأخوة بين الإرهاب الممانع وإرهاب من ساهم في صناعة الإرهابيين واستجلبهم الى جرودنا، يرمي هذا المحور خصومه بتهمة “الارتهان لقرار خارجي” مع انه سبق واعلن رهن لبنان بكامله لمن يوالي، مستكملاً مسيرة “الحقد” يعمِّر على أساسها مظلوميته ويخترع تفاصيلها ليبرر ما زرعه في بيئته موهماً ناسها بأنهم ضحايا مزمنون لجماعات يفترضون انها سبب المظلومية، لذا فهذه الجماعات مجرمة بالضرورة ويجب ان تصبح مجرمة بالفعل من خلال الصورة التي يجب العمل على تفاصيلها لتخدم المشروع.
الصورة هنا هي الأساس، لذا لا بد من كتابة التاريخ الجديد من خلالها وليس من خلال الوقائع والأرقام والحقيقة التي يطيب لمحور الممانعة تصويرها كذبة ويجد من يصدّقه في ذلك.
هي الصورة التي يتواصل العمل عليها لتحويل الكذبة الى حقيقة، وتعطي أوامر الأيام المقبلة لتصديقها والايمان بها وتكذيب ما عداها.
لكن أصحاب المحور غفلوا عن ان الحقيقة تبقى حقيقة ولو كذبها الجميع. والكذبة تبقى كذبة ولو صدّقها الجميع.
لنعد الى الصورة وأحدث ابداعاتها المعنوية والمادية. أبلغ تعبير عن هذه الابداعات قدّمه الوزير يوسف فنيانوس عندما قال انه سيُحضر معه من دمشق صورة بشار الأسد ليقدمها الى الرئيس سعد الحريري.
نفي الوزير كلامه لا ينفي المطلوب من الرسالة التي وصلت: صورة نظام قاتل يتم من خلالها الاعتداء على إبن القتيل وترويضه ليذعن. قمة الابداع المجرم الذي يجيده النظام الاسدي. وهي ليست الأولى.
حصل الامر مع النائب وليد جنبلاط بعد اغتيال والده، المفكر التاريخي كمال جنبلاط. كما حصل مع النائبة نائلة معوض بعد اغتيال زوجها المسالم الرئيس الراحل رينه معوض. واليوم يحصل مع الرئيس سعد الحريري الذي لا يزال مصراً على الإمساك بعصا التسويات السائدة من نصفها.
على مستوى آخر، ولتكتمل الصورة لا بد من متابعة على الأرض. المستوى مألوف في الأنظمة الديكتاتورية. هناك مسرح آخر معتم قاتم وصوت يقول: “نحن الحق وانتم حثالة الأرض. إما ان تموتوا بغيظكم وإما لدينا أساليب اخراسكم مزروعة في كل مكان. نحكم المؤسسات المنخورة بأزلامنا لتؤدي لنا مهمة التنظيف الدائرة على قدم وساق فلا تترك كلمة او نقطة او فاصلة من دون ملاحقة”.
الصوت لا يوفر لغة الأحذية. مستواه يبدأ من هناك. يجب ان يبقى الجميع تحت الحذاء. كأنه سلاح مرحلة القمع الفاتحة أبوابها على مصاريعها، وبفجور محترف.
لعمري كيف يتقن الفاجر لغته، وبكلام يشبهه طالع من فجوره يهاجم المستهدَف. في اغلب الأحيان لا يهتم المستهدَف بسيل السباب والشتائم لأن لا علاقة له بها. بنظرة او صمت يردها الى صاحبها. ينزلق عنه الكلام الذي لا يعنيه. لكن مردود الافتراءات والمواقف الفاجرة السائدة يتم جنيه في أكثر من مكان وتحديدا في البيئة التي يفترض ان تكون كلها حاضنة. كلها يعني كلها. ذات لون واحد وصوت واحد. ممنوع النشاز. لذا يستهدف أيقونة حرية ونضال يسعى من خلال اتهامها بالعمالة ثم تحطيمها واذلالها الى تدجين الآخرين وتخويفهم وتهديدهم بمصير مشابه إن هم تجاوزوا حدودهم المفترض بهم التقيد بها.
الفاجر عندما ينقض على مَن وضعه في مرماه، لا يرمي اليه فقط ليزيحه ويرتاح في فجوره. بل يرمي بترويضه او كسره والغائه الى ان يُحكم سيطرته على أرضه.
كلما كان المستهدَف صاحب قضية مشرفة وله تاريخه النظيف وله هالته، منسوج من قماشة حرة لا ارتباط لديها الا بأخلاقها وقيمها وضميرها بعيدا عن حسابات الربح والخسارة الرائجة، كان المردود لبسط القمع أقوى وأفعل. كسر هالة المستهدَف هو المطلوب لأن لا مقدس الا الطغاة. في هذا المعنى يصبح الفجور الديكتاتوري افضل طريق لتحقيق المبتغى، ولا سيما عندما يصمت المحايدون او الراغبون بالابتعاد عن المتاعب وامساك العصا من نصفها، فهم بذلك يدجنون انفسهم ويقمعونها بإرادتهم ويمنحون الفاجر مزيداً من السطوة عليهم قبل غيرهم.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية لا بأس برفع المجرم الى مرتبة التقديس. تنظيف الصورة وتنظيف الأرض يكمل أحدهما الآخر. وجميل ان نرى جزءاً من حكومتنا في دمشق ينتقد الجزء الآخر وينصحه بأخوية صافية وغير مغرضة الا يعارض مسيرة التاريخ او يعترضها، ويدعو الله ان يهديه الى صراط الممانعة المستقيم. ويلوح بالصورة هدية لمَن لا يعجبه الامر.
يا الهي، صورة القاتل لابن القتيل. يعني انتصرنا عليكم.
هو الفجور يا سادة. هو الفجور الذي يوظف صوراً حوله ليستكمل المشهد المسرحي، فيستعير شخصيات زائفة. تارة لحكيم غيور على المصلحة العليا واقتصاد المواطنين. وطوراً الحنون المعطاء او القديس المثالي المحشو ملفه بأبشع الصفات. ولا ننسى صورة المتطرف المجرم على الضفة الأخرى. عملية توزيع الأدوار ضرورية لتحقيق المشروع.
وكلما تحققت خطوة في اتجاه تدجين العامة والخاصة من خلال توزيع الأدوار التي لم توفر مَن فتح الطريق للمقاومة الوطنية الحقيقية، ارتفع منسوب النشوة في الأداء، ولا سيما بعد تحقيق المبتغى بوصفة التجانس التي بدأت بانتزاع حنجرة مغنّي الثورة السورية إبرهيم قاشوش وتتابعت فصولها بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية واختراع تنظيمي “داعش” و”النصرة” وقد اديا دوريهما بحرفية تدل على براعة مدربيهما، والصور التي تظهر مدى التنسيق لا يمكن دحض محتواها. ولم تفسدها طبخة ميشال سماحة وعلي المملوك المحترقة.
نجاح وصفة التجانس شجع على استيرادها عبر حدودنا المنتهكة قبل “داعش” و”النصرة” وبعدهما. وأكبر رأس ثمنه رصاصة او عبوة ناسفة ستزرعها حتماً بقايا الإرهاب التي ستُستخدَم “مسمار جحا” و”قميص عثمان”.
وصوِّر يا مصوِّر!
sanaa.aljack@gmail.com