في مقدمة الكتاب، بعنوان “لماذا هذا الكتاب”، يقول مؤلفه كليم إنما خيل له ان الإبادات الجماعية والجرائم الحربية تستحق مزيدا من الدراسات في عمقها. كان ذلك لما قرأ عن المحامي المغامر من قارة اوربا رافائيل ليمكين (Rafeal Lemkin 1900 – 1959).
اذاً، من هو هذا المحامي المغامر “رافائيل ليمكين”؟
الكاتب يلقي عليه الضوء في الفصل الأول. هو الذي لفت نظر العالم الى جريمة الإبادة الجماعية الذي وصفها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل “جريمة ليس لها اسم”. ينسب اليه مصطلح Genocide الذي يعني « الإبادة الجماعية ». هذا اليهودي البولندي سعى في عام 1944 الى وضع وصف للسياسات النازية للقتل المنظم بما في ذلك ابادة الشعب اليهودي الأوروبي، فقام بتشكيل مصطلح ” Genocide “، وذلك عن طريق الجمع بين الكلمة اليونانية Geno “ ” التي تعني سلالة او عرق او قبيلة مع الكلمة اللاتينية “ Cide“ التي تعني القتل. كان يعاني طول حياته من الفقر المدقع ، حضر مؤتمر الأمم المتحدة الذي انعقد للبحث عن تعريف الإبادة الجماعية لابسا سترة ذات ثقوب وقال اثناء خطابه: ” I am here with a holey coat for a holy cause “ (انني حاضر هنا لابسا سترة ذات ثقوب لقضية مقدسة). ولما مات كان عدد الحاضرين في جنازته سبعة رجال فقط.
ونظرا للجهود المتواصلة على نطاق واسع التي قام بها رافائيل ليمكين بنفسه في أعقاب « الهولوكوست”، اقرت الأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1948 اتفاقية تقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها. واعتبرت هذه الإتفاقية الإبادة الجماعية جريمة دولية ضد الإنسانية، تتعهد الدول التي وقعت عليها بمنعها والمعاقبة عليها. والإبادة الجماعية تُعرف على انها القتل المتعمد الجماعي لمجموعة كاملة من الأشخاص تقوم بها حكومة معينة ضد شعب على اساس ديني او عرقي او قومي او سياسي. ووفقا للمادة الثالثة من تلك الإتفاقية لا يقتصر التجريم على الإبادة الجماعية فقط بل نطاقها شامل يحتوي على التآمر على ارتكابها والتحريض المباشر والعلني عليها ومحاولة ارتكابها والإشتراك فيها. وبموجب استشارة قانونية لمحكمة العدل الدولي في 28 مايو 1951 تسري احكام هذه الإتفاقية حتى على الدول التي لم تصادق عليها. وقد تعزز ذلك بتقرير من الأمين العام للأمم المتحدة في مايو 1953 كما صادق عليها مجلس الأمن باعتبارها جزءا من القانون العرفي. الإبادات الجماعية انما وجدت طريقها الى الدفاتر القانونية بعد الحرب العالمية الثانية فقط. ومحكمة “نيورامبرج” لم تعتبرها جريمة حرب. وقد تغيرت الآن هذه الحالة، الإبادات الجماعية والتطهير العرقي فقد اصبحت اليوم من جرائم ضد الإنسانية، وجدير بالذكر ان المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قد حكمت عقوبة على المجرمين من هذا النوع من يوغوسلوفيا السابقة وافريقيا. تركز التطور الدولي والقانوني للمصطلح حول فترتين تاريخيتين: الفترة الأولى (1944- 1948) بدأت منذ صياغة المصطلح وحتى قبوله كقانون دولي. واما الفترة الثانية (1991 – 1998) فهي فترة تفعيله في ظل تأسيس المحاكم العسكرية الدولية للبت في جرائم الإبادة الجماعية. غير أن الالتزام بالإتفاقية يظل التحدي الذي تواجهه الدول والأفراد.
وقد حدث عدد كبير من القتل الجماعي في الهند، وان لم يتسم بهذه المسميات. والهند بلد قابل لاندلاع اضطرابات مفاجئة في اي وقت، كما أشار كثير من المحللين. وفي نظام ديموقراطي توجد أشكال كثيرة من السياسات الهندوسية اليمينية ظاهرة وباطنة في كل مكان فيه تتحول حوادث بسيطة بسرعة الى قتل جماعي. وفي ظل القومية العرقية والأمن الوطني المتضاجعان يتسنى لمن يتولى كبر الجرائم ان ينسلوا من المقاضاة والعقوبة. هكذا نستطيع ان نجد في سدة الحكم حتى في الوقت الراهن من يدر ارباح آلآف الألوف من القتلى في “نيلي” في ولاية ” أسام “. وكذلك لم يعاقب الا شرذمة قليلة ممن ترأس الإبادات الجماعية في “غوجرات” و “دلهي”.
وفي هذا السياق يبحث الكاتب عن الإبادات الجماعية.
ويتناول هذا الكتاب موضوع ثلاث عمليات من القتل الجماعي التي يمكن ان تضم الى تعريف الإبادات الجماعية والتي وقعت في ولاية “أسام” و”دلهي” و ” غوجرات ” في الهند. وقد ورد ذكر هذه الحوادث الفظيعة في عنوان الكتاب ذاته مما يدل على ان الكاتب يريد تسليط الضوء على تفاصيل هذه الأحداث المأساوية. وتمهيدا لتحليل هذا الموضوع يأتي بحث مفصل عن الإبادات الجماعية التي جرت على خشبة المسرح العالمي قديما وحديثا وعن الدوافع الاجتماعية والثقافية التي تعمل وراء هذه المماراسات الوحشية.
يقسم الكتاب جزئين. والجزء الأول الذي يحتوي على ثلاثة عشر فصلا بمثابة مدخل الى المآسي في الهند من “نيلي” الى “غوجرات”. يبدأ هذا الجزء بأول ابادة جماعية حدثت في التاريخ، كان ذلك قبل 30000 عام تقريبا حين قام “الإنسان” الذي يحمل الإسم العلمي “الهوموسابيين” بإستئصال النسل الإنسان البدائي “النياندرتالي” للإستيلاء على كرة الأرض كما يزعم العلماء الحفريون. وقبل زهاء مائتي وخمسين الف سنة كانت كرة الأرض يسودها الإنسان النياندرتالي، وكانوا لا يختلفون عن نوع الإنسان الهوموسابيين جسديا الا اختلافات بسيطة. وتوجد وثائق حجرية تثبت تنقلاتهم من اوربا الى الشرق الأوسط. وكانوا يعجبون من الحلي ويدفنون جثمان موتاهم. كان “شان شان هبلان” الأستاذ في جامعة “بوردو” اول من تقدم بنظرية قيام “الإنسان الهوموسابيين” بإبادة النسل « لنياندارتالي » جماعيا. وهذا يصدق الاستنتاج بأن الفوارق العرقية البسيطة قد تقود الى ابادة جماعية. وصحيح ما يقول المؤلف ان الإنسان هو النوع الوحيد في عالم الحيوانات الذي يمارس قتل اخوانه بشكل جماعي يستهدف الى الهيمنة عليهم. وراء جميع الإبادات الجماعية يمكننا ان نرى شعور الهيمنة القبائلية او العرقية. وفي غابر الزمان كانت هناك قبائل ينسبون جذور اصلهم الى الشمس الإله او الإله الإغريقي “سيوس” او تورس” او غيرها. كان اليهود يعتقدون أنهم شعب مختار من الرب “يهووا”، ولذلك ينظرون الى عرب الجزيرة بنظر دوني بدون ان يراعوا التزاماتهم المالية نحوهم، لأن العرب في نظرهم اميون اي قوم بدائيون بلا كتاب مقدس لذا يجوز لهم ان يتعاملوا مع العرب كيف يشاؤون. وقد انتقدهم القرآن انتقاذا لاذعا في هذا الشأن. وهذه الذهنية التاريخية هي التي تسودهم حتى الآن ضد الشعب العربي في الفلسطين.
وفي هذا الفصل ينقل الكاتب امثلة كثيرة للإبادات الجماعية من التاريخ القديم. فمثلا حين نقرأ ملحمة “الياد” لـ “هومار” نسمع اشارات الى الإبادات الجماعية في امر الملك “آجامنان” لتدمير مدينة “تروي” دون ان يبقى فيها اثر حياة احد. وتوابع هذه الظاهرة نراها تتكرر في الثورة الفرنسية التي قامت في عام 1789 » برفع شعار الحرية والمساواة والإخاء »، حيث اصبح اصحاب الثورة المضادة في نظر الثوار ممن يستحق الإبادة الجماعية. فضموا في قائمة اعدائهم ليس رؤساء الإقطاعيين فقط بل الفلاحين العاديين ايضا حتى الأطفال والنسوان. ورأت لجنة الثورة ان الأطفال يمكن ان يتحولوا الى نهابين فيما بعد. الدوافع وراء عملية الإبادات قد تكون عقدة الاستعلاء العرقي او الديني بينما تكون في حين آخر التهديد الناجم ضد مجموعة هيمنت على المجتمع منذ فترة. وعلى سبيل المثال يشير الكاتب الى تدمير الروم مدينة ” قرطاجة” التي كانت تحت سيطرة الفينيقيين.
وفي الفصول التالية، في الجزء الأول، تأتي شريحة من إبادات جماعية التي حدثت في التاريخ المعاصر. وكانت رواندا اول دولة تعرضت للإدانة ضد جريمة الإبادة الجماعية. وفي عام 1998 حكمت المحكمة الدولية على مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا بالسجن مدى الحياة، وكان من بينهم ” جان كمباندا ” الذي كان في منصب رئيس الوزراء في بداية عملية الإبادة والذي اعترف بمسؤوليته عن إبادة المدنيين “التوتسيين”. ويرى ناشطو الحقوق الإنسانية ان ما تقوم به اسرائيل اليوم من الاعتداءات الهمجية على سكان غزة وما قامت به العصابات الإرهابية الصهيونية المسلحة مثل “هاجانا” تاريخيا في دير ياسين وما تلاها كمجازر صبرا وشاتيلا وغير ذلك هي من صميم الإبادة الجماعية.
التطهير العرقي جزء من الإبادة الجماعية. وقد تكون عمليات التطهير في حالات عديدة مرافقة لمجازر ترتكب ضد الأقلية المستهدفة ، يذكر ان هذا المصطلح قد درج استخدامه بعد سنة 1990 خلال عمليات التطهير العرقي في يوغوسلافيا السابقة ومذابح رواندا. وبموجب قرار رقم 780 من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تم انشاء لجنة لتعريف التطهير العرقي. وحسب صياغة اللجنة يعرف التطهير العرقي بأنه ” مخطط للتخلص المتعمد من سكان اقليم معين لأشخاص من مجموعة عرقية معينة ، وذلك باستخدام القوة او التخويف حتى تكون تلك المنطقة متجانسا عرقيا ، وقد اعتمد التعريف على ” العديد من التقارير التي تصف السياسات التي تم تنفيذها في يوغوسلوفيا السابقة ” علميات التطهير العرقي ” باستخدام وسائل القتل والتعذيب والاعتقال التعسفي والاحتجاز والإعدام خارج نطاق القضاء والاغتصاب والاعتداءات الجنسية وترحيل السكان المدنيين بشكل قسري. كانت يوغوسلوفيا ” في عهد مارشل تيتو توصف جنة الشيوعية التي أتت في حيز الوجود نتيجة من الصراع الطبقي. ولكن التطورات اللاحقة اثبتت بطلان تلك النظرية حيث احتلت مكانها الصراع العرقي بين القوميات المختلفة. وجدير بالذكر أن الدكتور علي عزة بيجوفيتش المفكر الإسلامي الكبير الذي انتخب فيما بعد رئيس البوسنا كان يذكر ” الصرب ” العصر الذهبي الذي عاش فيه المسلمون البوسناك والمسيحيون الصرب متسامحين بينما كان قادة الصرب المسيحيين الأورتودوكسيين امثال رادوفان كاراديتش يبثون سم الكراهية نحو البوسناك والكروات. ويعود سبب هذا الفارق الى التصور الاسلامي الواسع عن الوطنية الذي يتبناه بيجوفيبش خلافا عن فكرة الدولة القومية ( Nation State ) الضيقة الرافضة للتعددية التي كانت تسيطر على عقلية كاراديتش. وقد رأينا الروس في ذاك الوقت تؤيد الصرب لأنهم كانوا ينتمون لنفس الكنيسة الأورتودوكسية التي ينتمي لها الصرب.
في ظل التطهير “الإتني” الواسع النطاق الذي رافق الحرب في البوسنة والهرسك ابان 1992 – 1995 اضطرت أعداد كبيرة من مسلمي البوسنة والكروات البوسنيين الى الفرار من منازلهم وتم طردهم على يد صرب البوسنة ، وقد شملت الأساليب المستخدمة خلال حملات التطهيرالعرقي في البوسنة اساليب العنف ووسائل مستلهمة من الارهاب ضد السكان المدنيين من مجموعة عرقية او دينية مختلفة من مناطق جغرافية معينة.. ومن أمثلة التطهير العرقي حرب الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني عام 1947 – 1948 وما جرت في افريقيا الوسطى وما تجري الآن في ميانمار ضد السكان المسلمين في منطقة ” أراكان “
” الهولوكوست ” و” اوشفيتز ” والمحرقة كلمات مشهورة ترتبط بمجازر اليهود سمعناها كثيرا. ولكن قلما سمعنا كلمة ” بورامايس ” ( Porajmas ( و ” ساموداريبين ” (( Samudaripen؟ هما مصطلاحان تصفان إبادة الغجريين الرحالة التي تمت في اوربا من قبل النازيين. لما احتل النازيون شرق اوربا اقاموا فيها معسكرات لإبادة الغجريين جماعيا. وفي الفصول المتبقية من هذا الجزء نقرأ الحكايات المرهبة عن ابادات جماعية جرت في كامبوديا في عهد بول بوت الشيوعي المتطرف وما قامت به اليابان في ” نانجينغ ” في الصين ومجازر سونجور المنغوليين من قبل ملوك” كوينغ ” في الصين ومجازر السكان الأوائل التي قام بها البيض في امريكا وهلم جرا.
وانطلاقا من هذا المدخل يخوض الكاتب الى مشهد الهند من إبادات القرن التي حدثت في “نيلي” في ولاية أسام و”دلهي” عاصمة الهند، و ولاية “غوجرات” في عهد حكومة مودي رئيس الوزراء الحالي. و السيخ هم كانوا ضحية الإبادة في دلهي، بينما المسلمون هم كانوا ضحية الإبادة في “نيلي” و “غوجرات”. حين قام احد الحراس من السيخ باغتيال رئيسة الوزراء إنديرا الغاندي انتقاما من اقتحام شرطتها معبدهم المقدس لإخضاع “بيندران والا” رئيس منشقي ولاية “بانجاب” ثار غضب اتباعها في دلهي. الإضطرابات التي تفجرت اثر هذا الواقع والمجازر التي تبعتها في عام 1984 كلها كانت تحت قيادة بعض الشخصيات الهامة في حزب المؤتمر الحاكم آنذاك. وملاحظات الكاتب بنقل المحللين السياسيين أمثال “نانديتا هاكسار” و”تشاران سينغ” و”جارنايل سينغ” عن مجازر جالية السيخ التي قام بها الأحزاب العلمانية ذاتها لها وزن خاص في الهند المعاصر. قد ورد في كتاب “مانيشا سيتهى” الذي تم استعراضه في عدد يناير من ملحق مراجعات ما قام رئيس شرطة ولاية “بانجاب” بالممارسات الوحشية ضد السيخ. اما مجازر « نيلي”، فقد مضت 34 سنة بعد حدوثها، وكان ذلك في يوم الجمعة الثامن عشر عام 1983. ربما لا يذكرها أحد الآن. القوات الهندوسيون المتطرفون احرقوا جميع بيوت المسلمين بعد ان حاصروا القرى في منطقة نيلي لكي لا يكون لهم ملجأ ينقذهم، ثم قتلوا اكثر من 3000 شخص. تقرير “قمسيون تيفاري” الذي قام بالتحقيق عن قتل نيلي الجماعي لم تكشف عنه الحكومة حتى الآن.
القتل الجماعي في غوجرات اثار ولا يزال يثير جدلا كبيرا في داخل الهند وخارجها. وفي قضية رفعتها امرأة تسمى بلقيس راني ضد من اغتصبها جماعة ثم قتل جميع اعضاء اسرتها اثناء اضطرابات غوجرات، حكمت المحكمة في الشهر الماضي السجن مدى الحياة على هؤلاء المتهمين. كما عوقبت “مايا كودواني »، الوزيرة في مجلس وزراء مودي، لمشاركتها في المجازر. ولا تزال في المحاكم قضايا رفعها ناشطوا حقوق الإنسان تنتطر اصدار حكم المحكمة.
وقد جعل المؤلف كتابه موثوقا بمراجع معتمدة ومزدانا بصور فوتوغرافيا ومذيلا بقائمة من الكتب للقراءة الإضافية. وليس له سابق في الموضوع في لغة مالايالام.
اسم الكتاب : إبادات جماعية
اسم المؤلف : كليم
عدد الصفحات : 228
لغة الكتاب : مالايالام
االناشر :Thejas Books,Nallalam,
Kozhikode,Keral, India