باتت النقطة الحرجة الآن في مفاوضات فيينا تدور حول مسألة سياسية بامتياز: إلى أي حدّ يمكن الثقة بجمهورية إيران الإسلامية إذا باتت أقوى مما هي عليه حاليا!
التحليل التالي، الدقيق، لمراسل “جريدة الأحد” الفرنسية “فرنسوا كليمنصو” يكشف بعض من خلفيّات خلافات اللحظة الأخيرة في المفاوضات الغربية-الإيرانية في فيينا: ارتفاع أسعار النفط، ورغبة إيران في اعتبارها حليفاً للغرب ولـ”الشيطان الأكير” الأميركي ضد “داعش”، ولكن ضد السعودية أيضاً. ومن هنا إصرارها على رفع الحظر المفروض عليها منذ تسعينات القرن الماضي والذي حال دون تجديد أسلحة جيشها منذ ربع قرن.
*
إيران: الخوف من التوقيع
لم يعد باستطاعتنا، سياسياً، أن نمدّد هذه المفاوضات”! وتعبّر هذه الملاحظة التي أدلى بها أحد المفاوضين الأوروبيين في فيينا (الأرجح أنه أحد المفاوضين الفرنسيين) عن حرب الأعصاب التي تدور في العاصمة النمساوية منذ مساء يوم الجمعة. فالديبلوماسيون والوزراء الذين يفاوضون منذ ١٥ يوماً بدون توقّف باتوا مرهقين. وتم إنجاز الوثيقة النهائية بنسبة ٩٥ بالمئة ولم يبقَ، بالتالي، سوى بضعة أمتار قبل اجتياز خط الوصول.
وهذه الخمسة بالمئة الباقية هي الأصعب، لأنها هي التي تفرض التزامات حقيقية: “لقد حانت إذاً ساعة الخيارات النهائية”، حسب ما قال المصدر الديبلوماسي نفسه لـ”جريدة الأحد” الفرنسية.
لكن، ما هو موضوع الخلاف؟ الموضوع بالطبع، وكما كان دائماً، هو سرعة رفع العقوبات في حال التوصّل إلى اتفاق. ويُعتَقَد أن هنالك إجماعاً حول الرفع الفوري للعقوبات الإقتصادية والمالية. بالمقابل، ليس هنالك إجماع حول رفع العقوبات التي تتعلّق مباشرةً بما يسمّى “الإنتشار النووي”.
الملف الشائك للحظر على الأسلحة التقليدية
وهنالك ملف آخر شائك، كان اتُّفِقَ على التطرِّق إليه في آخر المفاوضات لأن الجميع يدركون حساسيته. وهو يتعلق بالحظر على الأسلحة التقليدية. وقد طالب الإيرانيون دائماً برفع ذلك الحظر لكي يتمكنوا من شراء وتصدير الأسلحة الهجومية. وتعتبر الدول الغربية أن السماح بإعادة تسليح إيران في حين يغرق الشرق الأوسط كله، من العراق إلى اليمن، في حالة فوضى، هو مسألة “حسّاسة”. بالمقابل، يؤيد الروس والصينيون موقف إيران لأنهما يمثّلان المورّد الأول للأسلحة الإيرانية.
ويقول “بيار رازو”، الأستاذ في كلية العلوم السياسية ومؤلف كتاب “الحرب الإيرانية-العراقية” أنه “لقد صوّرنا إيران كشيطان خلال سنوات طويلة، إلى حد أننا نسينا أننا كنا قد ضخّمنا قدراتها العسكرية. والحقيقة هي أن جيش إيران وصل إلى درجة كبيرة من الإنهاك وأن أحدث المعدات التي يملكها تعود إلى سنوات التسعينات من القرن الماضي”! وإذا ما تم رفع الحظر غداً، فسيكون بوسع إيران أن تحدّث معدات جيشهان خصوصاً أن إنهاء العقوبات الإقتصادية سيوفّر لها ما يكفي من الموارد المالية.
حلف إيراني-غربي ضد “داعش” و.. السعودية؟
لكن بأي هدف؟ وفي أية بيئة استراتيجية؟ إن ما ستفضي إليه مفاوضات فيينا هو رسمُ معالِم إيران المستقبل. فالواقع أن انتصارات “داعش” في العراق وفي سوريا في العام الماضي قد غيّرت المعطيات بطريقة جذرية. ويوم الجمعة الماضي، لمناسبة “يوم القدس” في طهران، لم تكن الشعارات التي رفعها الإيرانيون مناوئة لـ”العدو الصهيوني” وحده، بل أضيفت إليها شعارات مناوئة لـ”الأصولية”. فإيران تطالب باعتبارها دولة مقاتلة في الصف الأول ضد بربرية “داعش” ولكن أيضاً ضد المملكة العربية السعودية ، المُتّهَمة في نظرها بـ”اضطهاد” الشيعة الحوثيين في اليمن.
ماذا يعني ذلك من زاوية الدول الغربية؟ يعني تغييراً للأولويات. أي توحيد قوى كل الفرقاء ضد “داعش”. ولكن، ليس بأي ثمن. وهذا ما يفسّر التطمينات التي قدّمتها فرنسا لأصدقائها في منطقة الخليج.
“الكل يملك مصلحة في هذا الإتفاق”
من جهة أخرى، يسود قلق من “قوة الإزعاج” التي يمثّلها الفرقاء الإيرانيون الراغبون في نسفِ أي اتفاق يتم التوصّل إليه في فيينا بحجة أنه سيُعتَبَر استسلاماً يمكن أن يعرّض للخطر “مكاسب الثورة الإسلامية”. وذلك ما دفع الفريق الإيراني المفاوض في فيينا إلى تقديم كل الضمانات الضرورية لكي يثبت لمعارضي الإتفاق داخل إيران أنه “قاتل حتى النهاية”!
ارتفاع سعر النفط مجدّداً يدفع إيران للمماطلة؟
ويعتقد خبير في الشؤون الإيرانية مطّلع على ملفّ المفاوضات أن الإيرانيين “سيتخلّون عن تصلّبهم في آخر دقيقة. أي أن حالهم مثل حالنا لأن الجميع يملك مصلحة في هذا الإتفاق ولأن الولايات المتحدة و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” باتا الضامنين الجدّيين لهذا الإتفاق”. ومع ذلك، فقد حذّر الوفد الإيراني في فيينا أمس السبت من أن إيران “لم تعد ملزمة بموعد نهائي” للتوصل إلى اتفاق.
هل يمثّل هذا التصريح ضغطاً نهائياً لإجبار الدول الأخرى على التوقيع؟ أم أنه نابع من مراعاة عامل آخر كان موضوع نقاشات واسعة منذ أسابيع، وهو ارتفاع أسعار النفط مجدداً؟
فإيران الخاضعة للعقوبات تكافح من أجل بيعِ ما يسمَح لها بتصديره من النفط، ولكن بأسعار أدنى من أن تكفي لتعزيز اقتصادها. أما إذا ما ارتفعت أسعار النفط في السوق العالمي، فسيكون باستطاعة إيران أن تلتقط أنفاسها وأن تماطل في المفاوضات مع الدول الغربية. ويقول المحلّل “بيار رازو” أن “السعوديين باتوا الآن يملكون مصلحة في رفع أسعار النفط”. وهو يعتقد أن السعودية بحاجة إلى “تهدئة الأوصاع” نظراً للتوتّرات داخل السعودية وفي إطار الحرب الدائرة في اليمن التي يبدو أنها ستطول.
ضغط إقتصادي وتجاري
وتبقى الضغوط الإقتصادية والتجارية التي تمارسها إيران على المفاوضين في فيينا. فرع العقوبات ضد بلد يضم ٨٠ مليون مستهلكاً يثير شهية دول العالم كلها. وتستعد الشركات الإوروبية المتخصصة بقطاع النفط وبقطاع التجهيزات للإستفادة من السوق الإيراني. ويُقال أن وزير الإقتصاد الألماني، “سيغمار غابرييل” ينوي أن يكون أول وزير أوروبي يزور طهران فور توقيع الإتفاق. وبالنسبة للصينيين، والروس، والهنود، والأتراك، ناهيك بالأميركيين، فالجميع يملكون مصلاحة تجارية واستراتيجية في تحديث قطاع النفط- وتحديث قطاع الغاز، بصورة خاصة- في إيران.
يقول أحد المطّلعين على ملّف المفاوضات: “لم يعد بوسعنا العودة إلى الوراء، لقد فات الأوان”. وبعد ١٠ سنوات من المحادثات حول الذرة الإيرانية و٣ سنوات من الإتصالات المباشرة بين الإيرانيين والأميركيين، فقد تم اجتياز مسافة أطول من أن تسمح بالتراجع إلى مرحلة إبقاء الوضع على حاله.
وربما كان أحد المؤشرات أن واشنطن سمحت مؤخراً لـ”قسم المصالح الإيرانية” بالإنتقال من سفارة باكستان إلى مبنى خاص به.. يقع على مسافة أمتار من مبنى الخارجية الأميركية.
Iran: La peur de Signer
François Clemenceau – Le Journal du Dimanche