نحاول دائماً إسقاط صفاتنا السلبية على الحيوانات، فنقول: ماكر كالثعلب، غبي كالحمار، عنيد كالتيس، يأكل كالجحش، يتصرّف كالحيوان. وعندما نريد أن نشتم أحدا نستعمل الكلب وأمه وأباه لتعزيز الشتيمة. أما إذا استفزنا فعل بشع فنقول: فعل «وحشي».
لا أدري ما الذي جعل الحيوان «شمّاعة» خاصة بنا نعلق عليها كل ما هو بشع فينا؟! الحيوان بريء من كل اتهاماتنا، فالوحشية سلوك خاص بالإنسان؛ إذ يقول إيريك فروم «إن الإنسان يختلف عن الحيوان في حقيقة كونه قاتلا؛ لأنه (الإنسان) هو الحيوان الوحيد الذي يقتل أفرادا من بني جنسه ويعذبهم دونما سبب بيولوجي أو اقتصادي، ويحس بالرضا التام من فعل هذا».
الحيوان لا يقتل أخاه الحيوان من أجل المتعة، ولا يعذب ويتلذذ بأفعاله، الوحوش لا تملك أدوات تعذيب وغرف غاز وأسلحة كيماوية وزنازين تحت الأرض، الوحوش لا تقتل على الهوية، ولا على الدين ولا على المذهب، الوحوش تقتل لتأكل فقط. وحده الإنسان الذي فكّر وفعل هذه البشاعة. فالعدوانية الحيوانية ترتبط بالحاجات فقط، كالغذاء والأمان والتزاوج، أما العدوانية الإنسانية فيمكنها أن تظهر بلا سبب سوى لذة القتل والتدمير.
لا حدود لتوحش البشر، فحروب الإنسان ضد أخيه الإنسان لا تحصل إلا عند الجنس البشري. نحن نتغنّى بإنسانية لا وجود لها، فبين الحروب التي تعج بها منطقتنا وحفلات الإرهاب والتفجير والقتل والذبح، لا بد أن نتساءل: أين هي الإنسانية؟ رجل يدخل كنيسة أو مسجدا ليفجّر نفسه بأبرياء بلا سبب سوى اختلاف دينهم أو عقيدتهم، خادمة تتعلق على حافة نافذة الطابق السابع وتطلب النجدة من سيدتها التي لا تمد يدها لتساعدها، بل «تصورها» إلى أن تسقط. رجل راشد بالغ يتلذذ بتعذيب حيوان أليف للمتعة فقط، أطفال ينتظرون الإعانات يُفَجّرون إلى أشلاء أو يُبادون بالكيماوي، هذا عدا عن حفلات التعذيب التي يقوم بها الأشاوس ضد مستضعفين ليس بيدهم الدفاع عن أنفسهم!
الكارثة التي نعيشها كل يوم، هي كوننا تعوّدنا؛ تعودنا على رؤية القتل والذبح والتفجير، لم تعد تهزنا صورة طفل مدمى، لم تعد تحزننا أخبار التفجيرات، لم نعد نفاجأ بالدم، لم نعد نصدم بآثار التعذيب على جسد بريء.. وهكذا، فقدنا كثيراً من كرامتنا، أخلاقنا وضميرنا الإنساني عندما أصبحنا لا مبالين، متعودين، نقلب صفحة الجريدة أو نغيّر قناة التلفزيون.
يقول ممدوح عدوان «نحن لا نتعود يا أبي إلا إذا مات شيء فينا. وتصوّر حجم ما مات فينا، حتى تعوّدنا على كل ما حولنا».
لقد مات فينا الكثير إلى أن أصبحنا بقايا بشر، نتشبّه بالحيوان، وهو لا يفعل ما نفعله، فـ«الحيونة» لم تعد سبّة ولا هي تهمة، بل أصبحت «الأنسنة» هي الشتيمة. فبدل أن نقول إن إنسانا «يتحيّون»، علينا أن نقول إن حيوانا «يتأنسن».
عزيزي الحيوان، لا تقتل كالإنسان، لا تدمّر كالإنسان، لا تعذّب كالإنسان. دعونا «نتحيون»، ربما نصبح كائنات أفضل لنا ولباقي كائنات الأرض.
دلع المفتي
D.moufti@gmail.com
dalaaalmoufti@
رائعة دوما سيدتي الفاضلة: ننتظر مقلاتك بفارغ الصبر