في 12 نيسان/أبريل، فاجأ محمود أحمدي نجاد المراقبين عندما أعلن ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، على الرغم من تصريحه عكس ذلك سابقاً ومعارضة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي لمثل هذه الخطوة. وبعد أن خسر دعم المتشددين بشكلٍ تدريجي، يقدّم الرئيس الإيراني السابق نفسه اليوم كشخصٍ مستعد لتحدّي خامنئي لدرجةٍ أكبر من الإصلاحيين.
وفي عام 2013، حاول أحمدي نجاد أن يحافظ على نفوذه من خلال دعم ترشيح مدير مكتبه السابق اسفنديار رحيم مشائي للانتخابات الرئاسية، إلّا أنّ خطّته أتت بنتائج عكسية عندما استبعد “مجلس صیانة الدستور” مشائي. وبعد مرور بضعة أشهر، أعلن أحمدي نجاد تأييده لترشيح نائبه السابق حميد رضا بقائي. ومن خلال ترشيح نفسه يسعى أحمدي نجاد على الأرجح إلى الاستفادة من ترشّح بقائي في حال تقرير عدم أهلية أحمدي نجاد. وفي عام 2013، اتخذ الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني خطوةٍ مماثلة بهدف تأمين ترشّح الرئيس الحالي حسن روحاني.
وإذا انتهى الأمر بطرح إسم أحمدي نجاد أو بقائي في بطاقات الاقتراع في نهاية المطاف، فقد يرتفع الإقبال على التصويت إلى حد كبير لصالحهما وضدّهما في آن واحد. وقد تكون الأصوات سلبيةً من جهة الناخبين، ومن بينهم بعض المتشددين، الذين لديهم ذكرياتٍ سيئة من رئاسة أحمدي نجاد، وإيجابيةً من قبل الإيرانيين من الطبقة العاملة الذين يتذكّرون بحماس شعبوية أحمدي نجاد على الرغم من سجله السابق من الفساد.
توقعات غير مؤكدة بشأن “رئيسي”
يواجه خصوم روحاني المتشددون والمحافظون حظوظاً صعبة بشكلٍ عام، ومن بينها الانقسامات في صفوف القيادة العليا وقلة التنظيم على مستوى القاعدة الشعبية. ومن المرجّح أن يكون قد تم استنتاج هذا السيناريو من قبل عضو “مجلس خبراء القيادة”، السيد ابراهيم رئيسي، عندما أعلن هو أيضاً في 9 نيسان/أبريل عن خوضه المعركة الرئاسية كمرشحٍ مستقل. وفي آذار/مارس المنصرم، تم تعيين رئيسي خادماً لحرم الإمام الرضا، وهو الوقف الإسلامي الأكبر في العالم، ويقال أنه المؤسسة الأكثر نفوذاً في إيران. بيد أنّه لم يخلف خادم الحرم السابق الراحل عباس واعظ طبسي في منصبيه الآخرين كممثل المرشد الأعلى في محافظة خراسان ومدير الحوزة العلمية في خراسان.
وُلد رئيسي في مشهد عام 1960، ودرس في الحوزات العلمية في مشهد وقُم قبل انضمامه إلى القضاء مباشرة بعد ثورة 1979 عندما كان لا يزال مراهقاً. وبعد أن تولّى مناصب مختلفة في الحوزة العلمية على مر السنين، ما زال يشغل منصب النائب العام في “المحكمة الخاصة برجال الدين” بتعيينٍ من خامنئي. وإلى جانب ضعف قدراته الإدارية، قد يواجه رئيسي تمحيصاً دقيقاً في دوره السابق في إعدام المعارضين السياسيين، لاسيما خلال القتل الجماعي للسجناء السياسيين عام 1988 عندما كان أحد الأعضاء الثلاثة في “لجنة الموت” التي شكّلها آية الله روح الله الخميني.
وبالإضافة إلى العقبات التي يواجهها رئيسي، فإن خلفيته القضائية والاستخبارية لم تخدم مصلحة المرشحين الرئاسيين من الناحية التاريخية. ومن الأمثلة على ذلك محمد محمدى رى شهرى الذي حصل على أقل عدد من الأصوات بين جميع المرشحين عام 1997 بعد أن شغل منصب وزير الاستخبارات ونائباً عاماً سابقاً في المحكمة الخاصة برجال الدين. كما أن مصير وزير الاستخبارات السابق علي فلاحيان كان مماثلاً في محاولته [الرئاسية] عام 2001. وفي عام 2013، انسحب مصطفى بور محمدي، وهو عضو آخر في “لجنة الموت” ونائب وزير الاستخبارات فلاحيان، من السباق الرئاسي بعد أن أظهرت الاستطلاعات احتمالات ضئيلة لفوزه.
ومنذ إعلان رئيسي ترشحه للانتخابات الرئاسية، نال ردوداً عنيفة من وسائل الإعلام الفارسية خارج إيران وعلى مواقع التواصل الاجتماعي الفارسية حول سجلّه في حقوق الإنسان. وقد يترتّب عن هذه الحملة الإعلامية أصوات إضافية لروحاني، حتى من منتقديه، باعتباره أهون الشرين بين المرشحَين. وستكون النتيجة المريرة على رئيسي هي تراجع فرصه في المساعدة على تقرير خلف خامنئي. ومما لا شك فيه أنّ خسارته في الانتخابات سوف تلغي حظوظ رئيسي في تولي منصب المرشد الأعلى المقبل. وسيشير انسحاب رئيسي من السباق الرئاسي إلى تردده في الإقدام على هذه المخاطرة.
الرئيس لا يزال المرشح الأوفر حظاً
من المرجح أن يحافظ روحاني على منصبه، إلّا أنّ طريقه لا يخلو من الصعوبات. فعلى الرغم من دبلوماسيته الناجحة في المجال النووي، كان روحاني قد فاز في الانتخابات السابقة بنسبة 50.88 في المائة فقط من الأصوات. وقد يؤدّي فشله في الوفاء بتعهداته الاقتصادية والسياسية إلى تردّد بعض مؤيديه المحتملين. وبالفعل، كان يوم 15 نيسان/أبريل الموعد النهائي لتسجيل المرشحين الجدد. وفي اللحظة الأخيرة، وفي محاولةٍ واضحة من روحاني للتحوط من [عدم ترشيحه] في حال قيام “مجلس صيانة الدستور” باستبعاده، دخل نائب الرئيس إسحاق جهانغيري المنافسة الرئاسية. ومع ذلك، توفر الحالات السابقة حظوظاً جيدة لروحاني للفوز في الانتخابات. فمنذ تأسيس الجمهوية الإسلامية، فاز جميع الرؤساء الإيرانيين بالانتخابات لفترة ولاية ثانية باستثناء رئيسين فقط.
وللمرشد الأعلى أسبابه الخاصة لدعم فترة ولاية ثانية لروحاني بشكلٍ ضمني. ويتمثّل الدافع الأول بأنّ الرؤساء الإيرانيين يميلون إلى أن يصبحوا أكثر ضعفاً بكثير في فترة ولايتهم الثانية، ويعود السبب الرئيسي لذلك إلى زيادة سيطرة المرشد الأعلى ومؤسساته عليهم. ويساعد ذلك على تفسير احتمال امتناع خامنئي عن دعم المرشحين المتشددين بشكلٍ فعال. ومن جهةٍ أخرى، ساعد خامنئي في حملة روحاني الانتخابية عام 2013، بما في ذلك من خلال دعوته غير العادية لمعارضي النظام للتصويت “من أجل بلادهم”. ومن الواضح أنّ مثل هذه المواقف مبنيةٌ على القلق من أن يؤدّي الاستقطاب إلى حشد المواطنين بطريقة تؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث اضطرابات، كما حصل في انتخابات عام 2009. ومن خلال معارضة خامنئي لترشح أحمدي نجاد هذه المرة، اعتبر المرشد الأعلى أنّ ذلك قد “يؤدّي إلى استقطاب البلاد ويلحق الضرر بها”.
ويلقى روحاني أيضاً الدعم من عددٍ كبير من الإصلاحيين، ومنهم الرئيس السابق محمد خاتمي والكثيرين غيره، الذين منحوه دعمهم الكامل قبل البدء الرسمي للحملة الانتخابية، المعدة لفترة عشرين يوماً قبل موعد التصويت في 19 أيار/مايو.
عامل ترامب
من أجل المساعدة على تسهيل فوز روحاني، من المرجح أن يأخذ خامنئي في عين الاعتبار الديناميات الدولية والمحلية على حدٍ سواء. وعلى وجه الخصوص، في ظلّ الغموض الذي يلفّ سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه إيران وسوريا والمنطقة الأوسع، قد يرى خامنئي في فترة رئاسة ثانية لروحاني وسيلةً لمنع تصاعد [التوترات] بين طهران وواشنطن. وفي الآونة الأخيرة، تمّ تأجيل [مناقشة] وثيقة أمريكية في مجلس الشيوخ تقضي بفرض عقوباتٍ جديدة على إيران، بدعوى أن ذلك حدث لأسبابٍ متعلقة بالانتخابات. ومن ثم، فإن تخفيف العقبات أمام الانتعاش الاقتصاي في إيران يمكن أن يقدّم سبباً آخر لكي يسهّل المرشد الأعلى الطريق أمام إعادة انتخاب روحاني.
عواقب أكبر
مهما كانت أهمية الانتخابات الرئاسية الإيرانية، إلا أن خلافة منصب المرشد الأعلى التي تلوح في الأفق هي أكثر أهميةً لكل من إيران والروابط بين إيران والولايات المتحدة. لكن، يمكن للواحدة أن تؤثّر على الأخرى. فإذا توفّي آية الله خامنئي، الذي يبلغ من العمر ثمانية وسبعين عاماً، في السنوات القليلة القادمة، فسوف يسعى “مجلس خبراء القيادة”، الذي يضمّ روحاني عضواً فيه، إلى تسمية المرشد الأعلى الجديد. إلا أنه في حال فشل “المجلس” في اتخاذ هذا القرار سريعاً، سيتم تشكيل مجلس قيادة مؤقت يتألف من رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية وعضو في “مجلس صيانة الدستور” (يختاره “مجلس تشخيص مصلحة النظام”) إلى حين تسمية مرشد أعلى جديد. وهنا، يُعتبر خامنئي نفسه بمثابة دليلٍ على أنّ الرئيس يمكن أن يصبح نفسه المرشد الأعلى. فقد كان ثالث رئيس للجمهورية الإسلامية قبل ان يقرر “مجلس خبراء القيادة” تعيينه خلفاً للخميني عام 1989. ويفسّر ذلك سبب إمكانية قيام الفائز في الانتخابات القادمة بلعب دور أكبر من أسلافه الثلاثة.
بالإضافة إلى ذلك، تركّزت الحملة الرئاسية الإيرانية حتى الآن على القضايا الاقتصادية، وليس على السياسة الخارجية. وليس هناك دليلٍ يدعم الادعاءات الغربية المتكررة بأنّ موقفاً أمريكياً أكثر صلابةً يضر روحاني ويساعد المتشددين. وسوف تحدد أفعال روحاني أكثر من باقي [القضايا المثارة في] الحملة الانتخابية ما إذا كان هذا الافتراض صحيحاً.
وعلى الرغم من أنّ النظام الانتخابي للجمهورية الإسلامية يعمل في ظل نظامٍ استبدادي، إلّا أنّه يصعب التنبّؤ بالنتائج الانتخابية. وبغض النظر عن الفائز، لا يتمتّع الرئيس بالسلطة التي يتوقّعها الكثيرون، بما في ذلك في المجال التنفيذي. ولن يملك الرئيس المقبل السلطة التي تخوّله تغيير عمليات صنع القرار في البلاد. والأهمّ من ذلك أنه سيكون له تأثير ضئيل نسبياً على سياسات الحكومة الخارجية والنووية والعسكرية – وهي السياسات الأهم بالنسبة للعالم الخارجي.
مهدي خلجي هو زميل “ليبيتزكي فاميلي” في معهد واشنطن، ومؤلف دراسته الأخيرة “مستقبل القيادة في الطائفة الشيعية”.