- حينما وصل الجيش السوري إلى مداخل اليرزة، وقبل دخوله إلى وزارة الدفاع، توجه أحد الضباط اللبنانيين إلى زنزانة “الشيوعي” فرانسوا، ونصحه بعدم التعريف بنفسه أمام السوريين. غير أن فرانسوا، الذي تعرض لتعذيب شديد على يد “العونيين” بعد إطلاقه النار على ميشال عون ليلة 12 تشرين الأول 1990 لحظة صرخ (عون) من على منصة “قصر الشعب” في بعبدا: “يا شعب لبنان العظيم”، فضل أن يسلم نفسه إلى “الحلفاء” السوريين، على أمل أن يطلقوا سراحه.
وصل العسكر السوري إلى السجن، وكان أول ما سألوه عنه هو فرانسوا، أخذوه سريعاً من المكان، وكان يتوقع أن ينقل إلى مبنى في وطى المصيطبة حيث مقر قيادة الحزب الشيوعي، غير أنّ سيارة المخابرات السورية مرّت في كورنيش المزرعة قرب “الوطى”، ثم اتجهت إلى “البوريفاج” في الرملة البيضاء. هناك، أدخلوه وبدأوا بتعذيبه لمعرفة الجهة التي أرسلته من الحزب الشيوعي للقيام بالعملية. وكان يردّد: “جورج حاوي.. جورج حاوي”، كما فعل من قبل مع عناصر المخابرات اللبنانية الذين عذبوه في قصر بعبدا، ثم في اليرزة، لاستخلاص أسماء المشاركين الآخرين في العملية، ومنهم الذين قرروا عدم إطلاق النار لحظة نطق ميشال عون جملته الشهيرة: “يا شعب لبنان العظيم”.
في زنزانته، التقى فرانسوا بضباط من قيادة عون، أبرزهم العميد لويس خوري، رئيس مكتب قائد الجيش، والنقيب جورج يعقوب، والملازم أول غابي حمصي، والأهم بينهم جميعاً العميد فؤاد عون، العقل المفكر و”وزير خارجيته الفعلي” لدى عراق صدام حسين.
عزلت المخابرات السورية فرانسوا عن العونيين، الذين نقل بعضهم إلى سجن المزة قرب دمشق، وتعرض للتعذيب والتحقيق المطول على يد “النبي يوسف”. حاول الحزب الشيوعي طوال ثلاثة أسابيع استعادة فرانسوا، وانتهت المساعي باتفاق يقضي بإطلاق سراحه بعد أن تُنسب عمليته بشكل مشترك إلى حزبي “البعث” و”الشيوعي”، ويُعلن ذلك في مؤتمر صحافي مشترك يحضره جورج حاوي وعبدالله الأمين، الأمين العام لحزب البعث التابع لسوريا في لبنان.
هذا النص غير وارد في كتاب سقوط الحصن، رغم أنّه يروي فيه القليل عن فرانسوا وزنزانة “البوريفاج”. غير أنّ الكتاب يضم الكثير من المعلومات الموثقة عن سقوط “قائد حرب التحرير” وانتصار حافظ الأسد. الكاتب وقع في الخطأ ذاته الذي ارتكبه “العونيون”، حين اعتبر أن فرانسوا منتم إلى حزب البعث السوري.
الكتاب توثيقي غني بالمعلومات، فهو يروي المجازر التي تعرّض لها جنود الجيش اللبناني بعد أسرهم، خصوصاً على يد عناصر الضابط السوري هاشم المعلا في ضهر الوحش. جيش ومناصرون تُركوا من قائدهم، الذي لم يصدق أن الجميع تخلى عنه حين رفض الانضمام إلى اتفاق الطائف لوقف الحرب الأهلية. اتجه إلى السفارة الفرنسية بعدما تركه الجميع، باستثناء جمهوره الذي كان يريد لجيش البلاد أن يحكم في مواجهة الاحتلال السوري. وقد صدق ذلك الجمهور وعود قائده، الذي تخلى عنهم عند أول هجوم حقيقي
