أثار مقال د. حامد الحمود في “القبس” 9/ 3/ 2017 من جديد قضية العلاقة بين حركة الإخوان المسلمين والإرهاب، وحذر في مقال بعنوان (الرئيس ترامب و”الإخوان المسلمين”)، من الانعاكاسات السلبية على الكويت وتركيا والعديد من الدول العربية، لتصنيف هذه الجماعة من قبل الإدارة الأميركية الجديدة، ضمن الجماعات الإرهابية، وقال إن صدور قرار أميركي باعتبار نظام الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا ستكون له “آثار كارثية” على طريقة تعامل الولايات المتحدة مع دول منطقة الشرق الأوسط والمنطقة الخليجية والعربية، كما “سيعطل أي مصالحة قادمة لنظام السيسي مع حركة الإخوان”.
وقد تكون للولايات المتحدة في عهد الرئيس “دونالد ترامب” أولويات وتعريفات معينة للجماعات الإرهابية، ولكن “ظلم أميركا” للإخوان إن وقع، لا يوجد للإخوان وتنظيمه بالضرورة “مسيرة وطنية وتاريخية غنية بالتجارب”، ولا يزيل ما تقدم من ذنبها وما تأخر، كما أن مشكلتنا في العالم العربي ودول أخرى في العالم الإسلامي ليست فقط في تاريخهم، بل إن المشكلة الكبرى في أن مصالح نهضة العالم العربي وانتشار الديمقراطية وترسخ حقوق الإنسان لا تلتقي وسياسات هذا الحزب، فهي جماعة لا تصلح لإدارة أي مجتمع حديث في القرن الحادي والعشرين، لعدة أسباب: منها فكرها الديني المؤدلج وأهدافها التوسعية التسلطية، وعدم شفافيتها في البناء والعضوية والتمويل والتحرك، وعداؤها الراسخ للتعددية الثقافية والحرية الدينية والمذهبية وللديمقراطية الدستورية، ولقيم المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، وبين المرأة والرجل، والكثير من الأسباب الأخرى.
وقد تتظاهر الجماعة بقبول كل هذا إذا وجدت في هذا القبول سبيلاً للهيمنة وإلغاء الآخر، كما أن لجماعاتها وأحزابها عبر دول العالم الإسلامي ودول الغرب مواقف مختلفة، مما يطول شرحه في هذا المقام.
هل جماعة الإخوان تنظيم إرهابي عنيف مثل “القاعدة” و”داعش” والجماعات الجهادية الأخرى؟ كلا بالطبع، ولكن السبب ليس إدانة الإخوان المسلمين لمبدأ التغيير بالعنف، لأن الجماعة لم تكتب أو تخطب كثيرا في هذا المجال، ولم أقرأ حتى الآن كلاما لأي جماعة من الإخوان، ترد على ما صرح به الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة، الذي وضع قاعدة واضحة وصريحة لاستخدام العنف، عندما خاطب الإخوان قبل ثمانين سنة، وقال في رسالة المؤتمر الخامس للجماعة “إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها“.
ولا شك أن الزميل الفاضل د. الحمود دقيق التحليل، إذ يقول “إن تجربة الإخوان وصراعهم مع القوى السياسية في مصر فترة، ومشاركتها الحكم فترات أخرى منذ عام 1928 يجعلها أكثر التنظيمات السياسية خبرة في إدراك أن العنف هو أقل الوسائل نجاعة في إقناعٍ أو للفوز بعقول وقلوب المواطنين”، ولكن هل درس الإخوان التجربة العربية؟ وهل وقف د.حسن الترابي والإخوان عموماً ضد انقلاب عمر البشير في السودان ونظامه “الإسلامي”، ومن قبله الجنرال جعفر النميري؟ وهل الإخوان، حتى في وقتنا الراهن وبعد كل ما شهدوا من أحداث، بمثابة حزب سياسي عصري ديمقراطي متزن وشفاف، يستحيل أن ينزلق من جديد في أي تجربة تتعارض مع الديمقراطية؟
لن أذهب أخى الفاضل بعيداً، لنسأل ما موقف الإخوان مثلا من الأحداث المتوالية في تركيا والإجراءات التعسفية هناك منذ ما سمي بانقلاب تموز 2016، واعتقال آلاف القضاة والضباط والمدرسين والأطباء والمهندسين والموظفين بتهمة الاشتراك في “الانقلاب” أو مناصرة “فتح الله غولن”، ثم محاولة تغيير الدستور وإعلان الرئيس التركي نفسه شخصاً له سلطات واسعة أثارت غضب وسخرية كل الأوساط الديمقراطية الدولية، ولكن ماذا كان موقف الإخوان مثلا؟
جاء في صحيفة العرب اللندنية يوم 19/ 3/ 2017 ما يلي: “أثارت الفتوى التي أصدرها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه يوسف القرضاوي بأن النظام الرئاسي هو الذي يتواءم مع الشريعة الإسلامية، في سياق دعمه لحملة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في تجميع السلطات بيده، موجة من النقد الحاد والسخرية بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وبين مفكرين وشخصيات إسلامية بعضها معارض للاتحاد والبعض الآخر مقرب منه.
وأصدر الاتحاد بياناً داعما لتركيا في الخلاف القائم بينها وبين هولندا على خلفية رفض أمستردام حملات دعائية تركية على أراضيها.
وجاء في البيان أن الاتحاد يدعو “للوقوف مع تركيا والتضامن التام معها في حق مواطنيها في اللقاء بساستهم والتعبير عن رأيهم في الدول التي يقيمون بها، وبخاصة أن النظام الذي يدعو إليه إردوغان هو النظام الذي يتفق مع التعاليم الإسلامية التي تجعل أمير المؤمنين أو الرئيس الأعلى هو رقم (1) في السلطة”.
وينبغي أن نميز بالطبع بين حزب الإخوان وبعض أعضائه في هذه الدولة أو تلك، أو بعض قياداته هنا وهناك.
ولا أحد يعرف بالطبع دخائل نفوس هؤلاء، ولكن جماعة الإخوان تقوم فكريا وعقائدياً على أيديولوجية لا ترى بأساً في العنف، وإن لم تعتمد عليه، ولا تزال كتب بعض مثقفي الإخوان مراجع ومداخل وزاد للجماعات الإرهابية، وبخاصة مؤلفات سيد قطب ومحمد قطب وفتحي يكن والمودودي ومن تأثر بها من كتّاب وشباب العالم العربي والإسلامي شيعة وسنّة.
ولا تختلف الأهداف الاستراتيجية للجماعات الإرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” عن أهداف الإخوان المسلمين إلا في التعجل و”البدء بالكي”، ولو هيمنت “القاعدة” أو “داعش” على أي دولة إسلامية لكان الإخوان المسلمون آخر من يشعر بالكارثة السياسية!
وربما الأخطر أن الإخوان لم يعمدوا حتى الآن إلى نقد أي نص أو الاعتراض علنا على أي كتاب مثل “معالم في الطريق” لسيد قطب، أو ما هو أخطر منه تفسيره “في ظلال القرآن” أو كتاب مثل “جاهلية القرن العشرين” أو عشرات ومئات الكتب الأخرى.