لم يكن ما يجرى من تجريح وتشويه للشخصيات الوطنية المرموقة، إلا مُقدمة لاغتيالها ومُحاولة إخراجها من المجال العام
فن الأجهزة الأمنية فى تفجير أحزاب المُعارضة السياسية انطبق ذلك على الفريق أحمد شفيق والفريق سامى عنان من المؤسسة العسكرية، ثم على د. محمد البرادعى، ود. أيمن نور، المُرشحين الرئاسيين السابقين، وأخيراً على توفيق عُكاشة ومحمد أنور السادات من المؤسسة البرلمانية، وإبراهيم عيسى ويُسرى فودة، وليليان داوود من المؤسسة الإعلامية.
ولا يعنى ذلك إلا أحد ثلاثة أشياء: إما أن النظام مذعور من أي أصوات مُختلفة أو مُخالفة، أو أنها النزعة الفرعونية الدفينة للاستبداد وتأليه الحاكم، أو ربما هما معاً.
أما الاحتمال الثالث، فهو استمرار الدولة العميقة في الهيمنة والسيطرة على مقاليد الأمور، وخداع الشعب في الداخل، وإيهام العالم في الخارج بأن مصر تتمتع بنظام حُكم ديمقراطى! وتشتد الحاجة إلى هذا الخداع، لمواجهة أزمات اقتصادية أو أمنية في الداخل أو مآزق دبلوماسية ودولية في الخارج.
من ذلك أنه لم يعد يخفى أن المواطن المصرى العادى يُعانى من ضائقة معيشية خانقة ومُتصاعدة، نتيجة تخفيض سعر الجنيه في مواجهة الدولار والعُملات الصعبة الأخرى، وهو ما أدى إلى ارتفاع جنونى في أسعار السلع والخدمات، دون زيادة مُماثلة في الأجور والرواتب. وأصبح المُراقبون في الداخل والخارج يتساءلون، لا عن إمكانية حدوث انفجار شعبى، على غِرار ما حدث في 25 يناير 2011، ولكن أصبح السؤال متى يحدث هذا الانفجار؟
إن الرئيس السيسى هو الذي أطلق على الكيان السياسى الذي نعيش في ظله شبه دولة. ونحن من جانبنا نقول إنه اتساقاً مع ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى، فإن بقية مؤسسات ذلك الكيان قد شُبّهت لنا أو علينا، ومنها البرلمان. فهو ليس برلمانا حقيقيا، ولكنه شبه برلمان.
وجدير بالمُلاحظة أن أصحاب الأصوات الأعلى في شبه البرلمان هم الأقل شعبية، وأصحاب السُمعة السيئة من عُملاء الأجهزة الأمنية.
وكانت قمة المساخر هو ما صدر ومازال يصدر من الدكتور على عبدالعال رئيس شبه البرلمان، سواء تجاه الأصوات القليلة التي جرأت أو تجرؤ على المُعارضة، أو تجاه الصحافة عموماً وصحفيى أعرق الصُحف المصرية والعربية، وهى الأهرام خصوصاً، في مُحاولة استرضاء رخيص لزُملائه بأنهم، أي البرلمان، يدفعون لأولئك الصحفيين أجورهم!
فمن الواضح أن هذا الرجل، الذي جاء لموقعه بالتعيين من السُلطة، أي لم ينتخبه أحد، ولا نعرف له قاعدة شعبية، لا يعرف أن مؤسسة الأهرام بالذات، تُحقق إيرادات سنوية طائلة من إصداراتها العديدة، ومن بقية استثماراتها الاقتصادية. ويتمتع العاملون فيها بمزايا شتى، جعلت المؤسسة، من المؤسسات العامة المرموقة، شأنها في ذلك شأن قناة السويس، والسد العالى، وشركات البترول، تُسهم في الموارد السيادية للدولة المصرية. أي أن واقع الحال هو عكس على ما تُفوّه به د.على عبدالعال. أي أن مؤسسة الأهرام تُساهم بطُرق غير مُباشرة في توفير مُكافآت أعضاء البرلمان، بمن فيهم هو نفسه. فالدولة المصرية اختار القائمون عليها أن تكون دولة أبوية، تُعطى وتمنع لكل مؤسساتها.
وأخيراً، وهو الأهم أن الشرعية الحقيقية للبرلمان الحالى مشكوك فيها. ولا أقصد هنا الشرعية الشكلية. فمعظم أعضاء البرلمان المحسوبين على ما يُسمى بتحالف دعم مصر هم في اعتقاد كثير من المُراقبين تم ترشيحهم ودعمهم بواسطة أجهزة أمن النظام، وفى مقدمتها جهاز الأمن الوطنى، أي مباحث أمن الدولة، سابقاً. ولذلك يُطلق العامة على ذلك المجلس تعبير برلمان ملاّكى، أي مثل سيارات تاكسى الأجرة، يتم استدعاؤها واستخدامها حسب الطلب. بل يمكن تجاهلها تماماً بواسطة السُلطة الحقيقية في البلاد، وهى السُلطة التنفيذية، وتحديداً سُلطة رئيس الجمهورية.
ربما لا يعرف د.على عبدالعال كيف تتعامل البرلمانات في البُلدان ذات الديمقراطيات الحقيقية ـ مثل الهند والكويت وبريطانيا والولايات المتحدة، فلا أحد فوق المُساءلة والنقد، بما في ذلك البرلمان والرئيس والأمير والملك نفسه. فملك بريطانيا (أو الملكة) تم تجريده من أي سُلطة تنفيذية، ولم تبقَ له (أو لها)، إلا سُلطة رمزية شكلية. بل ها هو رئيس أكبر وأقوى دول العالم، دونالد ترامب في الولايات المتحدة يُقاتل منذ توليه السُلطة منذ شهرين لتنفيذ قرار رئاسى واحد، وهو منع المُهاجرين من بُلدان إسلامية دون أن ينجح في ذلك، حيث عارضته الصحافة والمحاكم العُليا في سبع ولايات (من الولايات الخمسين التي تتكون منها الولايات المتحدة).
ربما كان د.على عبدالعال فقيهاً دستورياً. ولكن من الواضح أنه مُبتدئ سياسياً، وإلا ما ارتكب وما زال يرتكب كل تلك الحماقات السياسية، والتى تُهدد القلة القليلة من الشرعية التي بقيت للبرلمان، بسبب ثلث الأعضاء المُنتخبين انتخاباً فردياً مُباشراً.
إن المُعينين والمصنوعين من الأجهزة الأمنية يضيقون ذرعاً بأى أصوات مُستقلة، وخاصة تلك التي تم انتخابها بشعبية ساحقة في دوائرهم ـ مثل توفيق عُكاشة في دائرة نبروه وطلخا بمحافظة الدقهلية، ومحمد أنور السادات، في دائرة تلا والشهداء بمُحافظة المنوفية. ويقينى أن هذين العضوين اللذين تم فصلهما أخيراً بواسطة أغلبية البرلمان الملاّكى، يستطيعان الفوز مرة أخرى في دائرتيهما، إذا فكرا أو أقدما على الترشح مرة أخرى، وهو ما أرجوهما أن يفعلا. لا نكاية في د.على عبدالعال والبرلمان الملاّكى، حالياً، ولكن تأكيداً لجوهر الديمقراطية، أي الاختيار الحُر والمُستقل لنواب الشعب بواسطة الشعب ومن أجل الشعب.
أقول قولى هذا، وأستغفر الله لتوفيق عُكاشة ومحمد أنور السادات وللدكتور على عبدالعال ولكن ليس للبرلمان الملاّكى.
وعلى الله قصد السبيل