من السهل جداَ نسب ما يجري في مخيم عين الحلوة من اشتباكات بين جماعات اسلامية على رأسها جماعة بلال بدر من جهة، وحركة فتح من جهة ثانية، الى مؤامرات خارجية وترتيب الغرف السوداء المخابراتية. والسهولة هذه، سببها أن مخيم عين الحلوة بما يضم من مجموعات امنية وعسكرية لا تخفي ارتباطها السياسي او العقيدي بجهات خارجية متعارضة فيما بينها. وبسبب آخر، أن المخيم المذكور يوفر السلاح الفوضوي فيه، منصة لاطلاق رسائل تجاه الداخل اللبناني، او نحو الخارج ودائما على قاعدة التلويح بتفجير المخيم ومحيطه أمنياً.
لكن جانباَ آخر لا يجب تهميشه حين رصد اسباب هذا الاقتتال الأخير، الذي بدا ان جميع الفصائل الفلسطينية التي اجتمعت في السفارة الفلسطينية بعد ظهر اليوم (الأربعاء) لا تريد الذهاب بعيدا في المواجهة التي تغرف من الدم الفلسطيني وتستنزفه، بل دعت الى وقف اطلاق النار وسحب المسلحين، بما يشير الى أن لا نّية فلسطينية رسمية حاسمة الى انهاء الجماعات المتشددة في المخيم، كما تردد في بعض الصحف (الحياة)، من ان هناك تنسيقاً رسمياً فلسطينياً-لبنانياً للقضاء على هذه المجموعات التي يقف في مقدمها مجموعة بلال بدر.
ولكن يبقى السؤال الملح: لماذا انفجرت الاشتباكات الاخيرة وما هي الأسباب التي تقف وراءها؟ المعلومات الامنية من داخل المخيم ومحيطه في مدينة صيدا، لا تضيف جديدا يمكن اعتباره السبب الجوهري وراء ما جرى، سوى القول ان حالة الترهل السياسي والأمني في المخيم، تجعل المخيم وابناءه عرضة لمغامرات طالما كان رموزها ما يمكن ان يطلق عليهم بعض الصبية، ذلك ان ثمة حقيقة يعرفها ابناء المخيم، ان حركة فتح التي شكلت منذ تأسيسها عصب الفلسطينيين في الشتات وفي الداخل الفلسطيني، هي الى مزيد من الترهل التنظيمي الذي زاد من الحالة الشللية داخلها، فيما المجموعات الاسلامية على اختلافها هي في حالة استقرار تنظيمي ان لم تكن في مرحلة الصعود والنفوذ والقوة.
داخل “فتح” يبرز حضور جماعة القيادي الفتحاوي محمد دحلان الذي تمت اقالته من الحركة، واضحا في المخيم من خلال جماعات تتبع له، وعبر المساعدات المالية والعينية التي يقدمها بين الحين والآخر داخل مخيم عين الحلوة. والى هذه الحالة الانشقاقية تبرز خصوصيات لبعض المسؤولين في الحركة في لبنان، كاللواء منير المقدح، او اللواء سلطان ابوالعينين الذي يبقى له دوره وتأثيره رغم اقامته في رام الله.
يبقى ان الجماعات الاسلامية التي تتنازع اطرافها اتجاهات قريبة من حزب الله كجماعة انصار الله او القريبة من افكار القاعدة كمجموعة بلال بدر وفي الوسط تبرز عصبة الأنصار التي شكلت في السنين الماضية عنصر ضبط للجماعات الاسلامية، لكنه يتراجع في الآونة الأخيرة. بينما تبقى حركة حماس الطرف الذي يشكل مظلة معنوية للقوى الاسلامية وعنصر تماسك لها حينما يطال الخطر احد المجموعات الاسلامية من قبل حركة فتح، من دون ان تكون حماس بالضرورة قادرة على الزام هذه المجموعات بخياراتها السياسية او الايديولوجية، هي باختصار تتوحد اذا كان الخصم حركة فتح، ولا تتفق بالضرورة فيما بينها اذا كان الخصم حزب الله او غيره.
الجديد الذي برز في الاشتباكات الاخيرة هو موقف عصبة الأنصار، التي اتهمت على لسان الناطق باسمها ابوشريف السعدي، “المتأسلمين الجدد بالوقوف وراء الاشتباكات الاخيرة” وهي اشارة الى جماعة بلال بدر، ويمكن الاستدلال من هذا الموقف غير المسبوق للعصبة ضد بلال بدر، بأن الأجهزة اللبنانية الأمنية والعسكرية، جدّية في دعم خيار حركة فتح في هذه المرحلة داخل المخيم.
يبقى ان حركة فتح اما بسبب الترهل التنظيمي الذي تعيشه، او بسبب تحسس القيادة الفلسطينية الرسمية من خطر استخدام فتح والفلسطينيين في صراعات لا يراد لها ان تحسم الصراع لصالح الشرعية الفلسطينية، ليست في وارد الدخول في مواجهة قد تؤدي الى تدمير المخيم واعادة تشريد الفلسطينيين اللاجئين فيه.
ما جرى اليوم هو نتاج غياب القرار اللبناني الموحد في النظرة الى المخيمات الفلسطينية ودور السلاح وأصل وجوده، وانعكاس هذا الغياب على اللاجئين الفلسطينيين الذين تتجاذبهم خيارات اقليمية ولبنانية ويوفر البؤس الاجتماعي والاقتصادي ارضية ملائمة لانتاج ظواهر التطرف والعنف ضد الذات قبل الآخر.
alyalamine@gmail.com