إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
كأبناء بطريركية أنطاكيّة، وكأشخاص ملتزمين بالعَمل المسيحيّ الّذي ينحاز دومًا للحقّ والحريّة، لا يمكنّنا بعد إسقاط الطّغيان أن نغفل الدّور المصيري الّذي لعبه لبنان، بشعبه وإعلامه ونخبته، في مقاومة آلة القمع البعثيّة. لقد كان لبنان ملجأً وفضاءً حرًا حمل مشاعل الفكر الحرّ إلى سوريا عندما ساد الظّلام. لولا شجاعة لبنان وتضحياته، لما استطاع الأحرار السّوريون أن يرفعوا صوتهم ولا أن يواجهوا قمع الطّغاة.
كيف ننسى شهداءه الّذين سقطوا على مذبح الحريّة: بشير الجميل، رينيه معوض، كمال جنبلاط، داني شمعون، حسن خالد، رفيق الحريري، سمير قصير، باسل فليحان، فرانسوا الحاج، وسام الحسن، جبران تويني، بيار الجميل، جورج حاوي، لقمان سليم، وغيرهم ممن اغتيلوا أو عذبوا حتّى الموت في سجون طغاة دمشق.
هؤلاء لم يكونوا مجرد أسماء، بل كانوا مشاعل تنير لنا درب الحريّة. ومن نجا من الاغتيال، كمَي شدياق ومروان حمادة، جسّدوا الإصرار على الحياة والمقاومة رغم كلّ الألم.
لقد كان للإعلام اللّبناني، المرئي والمكتوب، دور تاريخيّ لا يضاهى في كسر جدران القمع. بفضل “النّهار” وقائدها غسان تويني، و”المستقبل”، و”L’Orient-Le Jour”، و”Mtv”، و”الجديد”، و”LBCI”، وصل صوت الحريّة إلى العالم، ووجدت الكلمة الحرّة نافذةً وسط الحصار المفروض.
كيف ننسى الأستاذ بيار عقل، الّذي فتح موقعه “شفاف الشرق الأوسط” للمعارضين السّوريين منذ انتفاضة الأرز دون أيّ مقابل؟ وكيف نغفل دور البروفسور أنطوان قربان ومعه نخبة من الكوادر الجامعيّة الّتي صانت الضّمير المسيحيّ الرافض للطّغيان؟
أمّا في الرئاسات الكنسيّة، فقد ارتفع صوت الحقّ جليًا في مواقف المتروبوليت إلياس عودة، الّذي رفض أيّة مساومة أو تعاون مع نظام الطّغيان. ولن تمحى من ذاكرتنا الوطنيّة مواقف البطريرك العظيم مار نصرالله بطرس صفير، الّذي وقف في وجه الاستبداد قائلاً بثبات: “لقد قلنا ما قلناه”.
ورغم أنّ مستقبل سوريا ما زال غامضًا والطّريق نحو الخلاص طويلًا وصعبًا، إلاّ أننّا على يقين بأنّ بناء بلدين شقيقَين، حرّين ومستقلّين، لا يزال هدفًا يستحقّ العمل والنّضال.
معًا سنواصل حمل رسالة الحريّة والكرامة، من أجل شعوب ترفض الطّغيان وتؤمن بالتّعددية والمستقبل المشترك.
“وتعرفون الحقّ والحقّ يحررّكم” (إنجيل يوحنا، 8: 32).