إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
إفتتاحية “الشفاف”
1ـ هنالك لحظات حاسمة في حياة الشعوب والمجتمعات تفرض اتخاذ قرارات غير مألوفة، قرارات يمكن اعتبارها “ثورية”، دفاعاً عن وجودها ومستقبلها. مثل قوانين مكافحة النازية، كعقيدة وتنظيم، في نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب ما ألحقته بشعوب العالم، من مآسٍ وفظائع، بحق الشعب اليهودي وكل شعوب أوروبا، بما فيهم الشعب الألماني نفسه.
ومثلَ إنشاء “محكمة جرائم الحرب بطوكيو” في أبريل/نيسان 1946 التي حكمت بإعدام سبعة من كبار قادة الجيش والمخابرات ورئيس وزراء سابق، ومراجعة ملفات ما يقرب من 750 ألف موظف ومسؤول ياباني متهمين بالمشاركة في الحرب أو تأييدها. وفرض الحلفاء على اليابانيين اعتبار الإمبراطور “إنساناً” وليس “إلهاً” كما كان أباطرة اليابان منذ قرون
أو مثل قرار “حل الإتحاد السوفياتي” وحظر الحزب الشيوعي بعد محاولة الإنقلاب ضد الرئيس غورباتشوف في العام 1991.
2ـ شهد لبنان، ما يشبه ذلك بعد “الإنقلاب العسكري” الذي قام به الحزب القومي السوري الإجتماعي. فقد تمّ حلّ” الحزب واعتقال الألوف من أعضائه الحزب، وللأسف فقد تمت إساءة معاملتهم في السجون العسكرية.
3ـ للمرة الثانية منذ العام 2006، يتسبّب قادة حزب الله التابع لنظام أجنبي بتدمير ضاحية بيروت، وأجزاء واسعة من جنوب لبنان وبقاعه. وما زالت عمليات التدمير متواصلة، ويمكن أن تكون نتائجها أسوأ من حرب 2006. وفي الحالتين، قامت ميليشيا تعتنق عقيدة دينية متشددة لا تنتمي إلى الحضارة الحديثة بإقحام بلدها في الحرب بدون استئذان سلطاته الرسمية، أو شعبه، وذلك تحت شعار “شاء اللبنانيون أم أبوا”، الذي أعلنه زعيمها على الملأ من التلفزيون.
4ـ قام الحزب التابع لإيران نفسه، ابتداءً من العام 2012 بخوض حربٍ عدوانية ضد الشعب السوري الشقيق دفاعاً عن ديكتاتور دموي “ورثَ” السلطة عن والده، وتسبب بمقتل عشرات الألوف من السوريين، في حين سقط ألوف من الشُبّان اللبنانيين من أعضاء الحزب من البقاع والجنوب قتلى وجرحى في حرب لا مبرّر لها ضد جيرانهم السوريين الثائرين.
5ـ حوّل حزب الله مئات من الشبان اللبنانيين إلى مرتزقة لقمع شباب العراق الثائرين ضد الإحتلال الإيراني لبلادهم، كما أرسل مئات أو عشرات منهم لتدريب “الحوثيين” التابعين لإيران على قطع خطوط الملاحة البحرية الدولية.
6ـ يعرف شعب إيران أن عناصر من حزب الله ومن حركة “حماس” قاموا في العام 2009 بالمشاركة في قمع مظاهرات الشعب الإيراني الثائر بعد تزوير انتخابات الرئاسة لإنجاح أحمدي نجاد بالعنف. وقد نشر “الشفاف” في حينه صوراً لعناصر “الحزب” و”حماس” وهم يقمعون الإيرانيين في عاصمة بلادهم.
.7ـ قبل ذلك، وابتداءً من العام 2004، قام حزب الله بعمليات اغتيال لم يتم حصرها ضد شخصيات لبنانية معروفة، أولها رئيس الحكومة السابق الشهيد رفيق الحريري. وكان هدف الإغتيالات هو “إرهاب الشعب والمؤسسات اللبنانية الشرعية” والإنقلاب عليها لممارسة سلطة غير شرعية لا تستند سوى إلى الخوف.
8ـ. نجح حزب الله،ـ في عملية “إرهابية” معروفة في 7 أيار 2008، باحتلال عاصمة البلد الذي نشأ فيه، بفضل تخاذل السلطات العسكرية والأمنية، وقام بالإخضاع التدريجي للبنان ومؤسساته إلى حد تنصيب عميله ميشال عون رئيساً للبلاد. ومنعَ البرلمان الشرعي من انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنتين.
9ـ تسبّب حزب الله، خدمة لنظام إيران الديكتاتوري الديني بتدمير مرفأ بيروت في أكبر انفحار غير نووي عرفه التاريخ، وأنكر زعيمه معرفته بأن في بيروت “مرفأ” أصلاً. ولم يخطر ببال الحزب وقادته “الإعتذار” من شعب لبنان على ما ألحقوه به من دمار ومهانة. بل، وقام “شرطي الحزب”، المدعو “وفيق صفا” بمنع التحقيق في انفحار المرفأ حتى يومنا.
10ـ تعاون حزب الله منذ سنوات مع كارتلات المخدرات الكولومبية وغيرها، وتحوّل في السنوات الأخيرة مع شريكه النظام السوري إلى أكبر مُنتِج وموزّع لـ”الكبتاغون” في الشرق الأوسط.
11ـ سقط حتى الآن في الحرب العدوانية التي بادر إليها حزب الله، بدون استفزاز من إسرائيل، في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ما يزيد على 3000 شاب لبناني معظمهم من أعضاء الحزب ولكنهم مواطنون لبنانيون اياً كان انتماؤهم العقائدي. كما تسبّب بنزوح ما قد يصل إلى نصف مليون لبناني وإلى تدمير ما يزيد على 10 آلاف منزل في الجنوب وحده، عدا ضاحية بيروت والبقاع. ويُخشى أن تصل أعداد القتلى اللبنانيين إلى عشرات الألوف إذا ما استمرّ القتال الحالي.
12ـ دمّر حزب الله التآلف والوحدة الوطنية بين اللبنانيين، ودمّر صورة لبنان كبلد متنوّع وجميل اشتهر بثقافة أبنائه، ومدارسه، وجامعاته ومستشفياته، وبنوكه، ولعب دوراً أساسياً في سقوط النظام المصرفي في لبنان، وفي حماية أصحاب المصارف الذين سرقوا ودائع اللبنانيين. كما تسبّب الحزب في انتشار حالة من التشاؤم بين اللبنانيين دفعتهم إلى الهجرة المتسارعة وأقنعتهم بأن “”لبنان انتهى”.
13ـ باتت هنالك حاجة لإصدار قرارات حازمة تعيد الأمل والثقة إلى اللبنانيين وتقنعهم بأن دولتهم قادرة على حمايتهم ورعايتهم جميعاً. وليس صحيحاً أن هنالك حالة “إحباط” بين اللبنانيين الشيعة وحدهم، فالإحباط يشمل جميع اللبنانيين. وسيكون صدور قرارات حازمة عن السلطات اللبنانية إيذاناً بعودة لبنان، والشيعة جزء لا يتجزأ منه.
14ـ بناءً على ما سبق، يقترح”الشفاف” فتح نقاش واسع، والمطالبة بإصدار قانون يمنع الأحزاب الدينية والفاشية في لبنان، وفي مقدمتها ما يسمى حزب الله الذي يمارس نشاطه أصلاً بدون ترخيص قانوني.
قانون يحظر الدعوات إلى حروب مدمّرة تحت شعارات قومية مزيّفة (مثل محارية إسرائيل وتدميرها) أو شعارات دينية اسطورية لا تهدف، في الحقيقة، سوى إلى السيطرة على لبنان وتحويله إلى مستعمرة للملات الإيرانيين.
إن اللحظة التي يعيشها لبنان لحظة حاسمة، وتفرض اتخاذ قرارات حاسمة تنقذ لبنان، وتنقذ جنوبه بشكل خاص، وعاصمته، من الدمار الكامل. وقد أدرك اللبنانيون في الآونة الأخيرة أن خلاصهم لن يكون عبر التدخلات الأممية، أو عبر بعض المقترحات الفرنسية والأميركية، التي ترمي لإبقاء السيطرة الإيرانية والفاشية على لبنان، بل عبر استعادة “سيادتهم”: وقرارهم الوطني الحر.
وكما نجحت الكويت الصغيرة في استعادة استقلالها من الغزو الصدّامي في العام 1991، فسيكون لبنان الصغير قادراً أيضاً على تحقيق استقلاله الثالث الناجز.
إن صدور قانون حظر حزب الله والأحزاب الدينية والفاشية والعدوانية سيقنع الاشقاء العرب بدعم إعمار لبنان، وسيقنع المغتربين اللبنانيين بدعم إعمار بلادهم. وسيكون إيذاناً بعودة لبنان “منارة الشرق”، وواحة السلام، وسقوط لبنان الإرهاب والمخدرات والتعصّب الديني.
أخيراً، تعبّر هذه المطالعة ليس فقط عن رأي “الشفاف” كموقع “علماني” و”ليبرالي”، بل وعن وجهات نظرِ نُخَب عربية متنوعة، في دول الخليج العربي، وفي سوريا والعراق واليمن، مع تنويهٍ خاص بأنها تحظى بدعم نُخب فلسطينية مرموقة في لبنان والضفة الغربية. وعن وجهة نظر لبنانيين ينتمون لمختلف التوجهات السياسية والدينية.