إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
يَتَّجِه البحرُ الأحمر إلى ان يكون مسرحاً لعربدة الحرائق، والى أن يصيب وجه العالم بالحمرة الداكنة ويبكيه بلفح نيرانه المتعاظمة الإشتعال لتغطي بأدخنتها السوداء ووهجها الحارق منطقة البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي والقرن الأفريقي، ومنطقة “ألشرخ الأوسط” و… العالم.
في البحر الأحمر تتعالق وتتلاعق اليوم ألسنة النيران الأقليمية والدولية، وتتصادم صراعات النفوذ والقوة والمصالح بصمت عنيف، وليس ثمة من يزعق ويتنطح لإستعراض نفسه كلاعبٍ اقليمي خطير غير قزم طالع من غبار ما قبل التاريخ اسمه: “الحوثي”.
يتدجج هذا الزاعق برهط من البقايا القومجية واليساروية والهتّيفة والبوّاقين في الفضائيات الذين يسوّقونه كقوة خارقة. وقد اصبح الرجل الذي لم يلتحق بالمدرسة النظامية كـ”النبي الأمي” يحظى بتعليقات وتنويعات المحللين والمفسرين والخبراء الإستراتيجيين الأفّاكين، حتى انه لم يعد يتفاجأ بصورته الجديدة، والأدهى انه صار يصدق بأنه كما يصفونه!
الحاصل انه خلف هذا الغبار تقف طهران بكل ثقلها! فهي لم تَرُد على الإذلال الاسرائيلي وعلى الضربة التي استهدفت عمقها المخابراتي لتغتال رئيس “حماس”، اسماعيل هنية، في قلب العاصمة طهران بقدر ما فضّلت إستثمار حادثة الإغتيال الغامض لهنية كورقة للمساومة والتفاوض عبر قنوات خلفية، وقررت ان يكون ردَّها عبر وكلائها وأدواتها الوظيفية. ومن هنا كان التصعيد الكبير للهجمات الحوثية التي استهدفت السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن خلال الأيام الماضية.
الرد من اليمن بأبخس ثمن، هو الخيار الأمثل
ان القائد العسكري الإيراني الذي كان من المقرر ان يلقى مصرعه في صنعاء في ٣ يناير 2020 بالتزامن مع إغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ببغداد لا زال يقوم بدوره كقائد للعمليات الخاصة في اليمن إلى جانب فريق كبير من الخبراء الإيرانيين واللبنانيين التابعين لحزب الله.
المعلوم أن الإدارة الأمريكية كانت قد تسرّعت بتسريب خبر عملية قطع رأس واسعة لقيادة فيلق القدس، تشمل اغتيال قائد فرقة اليمن في فيلق القدس عبد الرضا شهلائي الا انها تراجعت في ١٠ يناير واعترفت بفشل محاولتها مشيرة في بيان خارجيتها إلى ان العملية اسفرت عن مقتل عضو آخر في الحرس الثوري اقل رتبة محمد ميرزا وإلى أن المكافأة المقدرة ب١٥ مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن شهلائي لا زالت قائمة.
فمنذ ان وصل إلى اليمن في العام ٢٠١٥ لا زال شهلائي يمارس مهام القائد الأعلى للعمليات الخاصة في اليمن، ويمتلك صلاحيات واسعة في التخطيط الإستراتيجي والتنفيذ العملياتي وتعزيز القدرات الإستخباراتية وإستقدام المزيد من الخبراء الأيرانيين ومستلزمات تطوير البنية التشغيلية والهيكلية، ويذكر ان كل من:الجنرال َمحمود باقري كاظم قائد وحدة صواريخ “غدير” في القوة الجو فضائية للحرس الثوري، والعميد محمد اقا جعفري القائد البارز في وحدة صواريخ”غدير” والعميد جواد بردياشيرامين من قادة القوة الجو فضائية في الحرس ومهدي آذر بيشه عضو فيلق القدس ومحمد علي حداد شهراني عضو منظمة “جهاد الأبحاث والإكتفاء الذاتي” في الحرس الثوري… كل هؤلاء بالإضافة إلى المعاون الجهادي الذي ينتمي لحزب الله “ابوزينب” ضابط الإرتباط بين جماعة الحوثي ومجموعة كبيرة من ضباط الحزب يشرفون على كافة العمليات العسكرية ويحددون اولوياتها ومساراتها. ومنهم من هو مختص بتأمين حماية عبد الملك الحوثي ورسم خطواته، ومن هو مختص بمراجعة خطاباته الأسبوعية المتلفزة ومراجعة بيانات الناطق العسكري للحوثيين، ومن هو مختص بإدارة غرفة عمليات منفصلة تتواصل مع سفن التجسس والمراقبة الإيرانية و… الخ.
وفي السياق، عززت طهران طاقمها في صنعاء بتعيين القيادي في الحرس الثوري والدبلوماسي المخضرم محمد علي مضاني سفيرا بصنعاء لإدارة الجولة التصعيدية الحالية التي تكرس ايران كقوة بحرية اقليمية قادرة على التحكم بالممرات الدولية وإبتزاز وخنق دول الإقليم بأستثمارها في الحدود القصوى للحوثي كـ”بندقية مأجورة” ومخلب قط.
لقد تدفق المزيد من خبراء الحرس الثوري على صنعاء مع رفع الحصار عن مطارها. ولم تنقطع امدادات الإسلحة المهرّبة عبر سلطنة عمان وبحر العرب وسواحل الصومال تحت سمع ونظر الفرقاطات والأساطيل الحربية التي تملأ البحر الأحمر.
إن عملية هندسة وتخليق البطل الحوثي الخارق واللاعب الخطير على حبل التوازنات الإقليمية لن تنطلي على احد! وهي لم تفلح الا في تعزبز امبراطورية الملالي، وتوسيع نفوذها ورفد الماكنة الحربية للمليشيات بالمزيد والجديد من الصواريخ البحرية البالستية والقوارب والطائرات المسيّرة التي تضاعف استخدامها مع ارتفاع وتيرة هجمات الأيام الأخيرة اذا صارت تصيب ما بين سفينتين او او ثلات سفن يوميا.
بالتوازي مع ذلك، تفاقمت نكبة الشعب اليمني! فمع كل فرقعة او خرق او حرق لسفينة تتزايد حملات التنكيل والتقتيل والاختطاف والإغتيال لليمنيين والتفجير لمنازلهم والاعتقال للآلاف، بما في ذلك مئات الموظفين العاملين في الجمعيات الإغاثية والإنسانية والمنظمات الأممية بِزَعم أنهم، كلهم “شبكة َتَجسُّس امريكية، بريطانية، اسرائيلية”!
وبإستخدام مأساة غزة كساتر دخاني كثيف، تعرضت اليمن، ارضا وإنسانا ً، لأكبر عميلة قرصنة واختطاف في تاريخها المعاصر.
وماكان لليمن ان تصل إلى قعر هاوية التلاشي والعدم هذه الا بسبب مباركة السياسات الامريكية والغربية التي اتجهت في الحقبة الاوبامية نحو التطبيع مع صيغة الدولة /المليشيا في صنعاء وبيروت وبغداد دونما تَحَسُّب لواقع ان تلك المليشيات محكومة ببنية حربية عميقة، وطائفية فاشية مدمرة، ويتحكم بها الملالي في طهران .