إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
كيف يمكن لـ “التيار” أن يؤدّي دوراً مفيداً في معالجة ملف النزوح السوري، وهو مكبل في ماضيه كما هو معروف بهذه العلاقات الملتبسة مع النظام السوري الذي هو أصل أزمة النزوح منذ 13 عاماً؟
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
ما زال الرئيس السابق ميشال عون لاعباً على المسرح السياسي. ولا تزال الأنباء حوله مستمرة وآخرها ما رواه المحامي فايز قزي. ومن بين الحكايات التي وردت على لسان الأخير في حديث صحافي، أنّ عون طلب مرة “خمسة ملايين دولار من سوريا للإنتخابات”. وبدا واضحاً من سياق الرواية أنّ ما طلبه عون حدث في زمن الرئيس الحالي بشار الأسد.
ما صرح به قزي لـ “نداء الوطن” يوم السبت الماضي لم يؤدِّ إلى صدور تعليق عن مكتب الرئيس السابق. وبعد 48 ساعة على رواية قزي وصمت عون ، هناك هامش للتعامل مع حكايات “الخمس ملايين دولار”. علماً أنّ في تاريخ مؤسس “التيار الوطني الحر” الكثير من الحكايات المماثلة والمشابهة توارت في طيات التاريخ ولم تجد طريقاً إلى التوضيح نفياً أو تأكيداً.
وما قاله قزي حول ما طلبه عون من الأسد: “أتذكر أنه قال لي مرة: نريد خمسة ملايين دولار من سوريا للإنتخابات. قلت له: السوري يقبض ولا يدفع. أصرّ. إلتقيتُ مع أبو وائل (اللواء محمد ناصيف) وهو المرجع الشيعي الأول في سوريا كان على اتصال مباشر مع الأسد ويقصده موسى الصدر ونبيه بري فردّد نفس الجواب: السوري يقبض ولا يدفع لكن، إذا أردتم نأتي بالمال من ليبيا. نزلت إلى لبنان والتقيت عون فوافق. قلت له: هذا إنتحار. أجابني: والعمل؟ قلت له: موسم التفاح قريب فلنبع التفاح إلى ليبيا ولنأخذ على الصندوق الواحد دولارين إضافيين. أعجبته الفكرة فقلت له إن جورج حاوي ومحسن إبراهيم فكرا بها من قبل وهي بمثابة غطاء شرعي”.
كان لافتاً، أن حكاية طلب عون المال من الأسد، أتت عشية الكلمة التي ألقاها رئيس “التيار” النائب جبران باسيل، خلال الإحتفال بتدشين سوق دوما الأثري. فهو قال “أنّ التدشين أتى ثمرة لجهود بدأت في العام 1998 مع رؤساء بلديات دوما ومجموعة مهندسين، وأنه تم تأمين التمويل الأول له من خلال سفراء “الإرادة الحسنة”، ولاحقاً بهبة سخية من دولة قطر وصندوق قطر للتنمية”.
وهكذا، أعلن باسيل بحضور الرئيس عون في الاحتفال عن مصدر الأموال التي أطلقت المشروع. فلماذا لم تصدر ردة الفعل على مال الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي وصل إلى عون ولو مموّهاً ببيع التفاح؟
وهناك أيضاً واقعة حدثت في الـ 48 ساعة الماضية، تمثلت بالتوضيح الذي أصدره مكتب عون ونفى من خلاله خبراً جاء فيه أنّ الأخير “يستشيط غيظًا عند ذكر اسم إلياس بو صعب أمامه، وهو يتناوله بشتى النعوت”. وقال مكتب الرئيس السابق: “هذه كلها إشاعات وهي عارية عن الصحة ولقد تعودنا على هكذا فبركات والرئيس عون يكن كل الاحترام والمحبة لدولة الرئيس الياس بو صعب و يؤكد حتى لو كان هناك اختلاف بوجهة النظر بأي موضوع كان، هذا لا يلغي الاحترام والعلاقة الطيبة بينهما”.
اللجوء إلى الانتقائية في التعامل مع المعلومات التي تتوالى حول ماضي الجنرال وحاضره، يشير إلى أن لدى الرجل ما يخفيه. وفي المقابل، هناك خطورة تتصل بهذه الانتقائية التي تتزامن مع الدور الذي يلعبه “التيار” في مرحلة مصيرية يجتازها لبنان. ومن أهم هذه القضايا في هذه المرحلة ملف النازحين السوريين الذي يثقل كاهل لبنان بمئات الألوف من الوجود السوري غير الشرعي وبات خطراً وجودياً يهدّد الكيان.
كيف يمكن لـ”التيار” أن يؤدّي دوراً مفيداً في معالجة ملف النزوح السوري، وهو مكبّلٌ في ماضيه كما هو معروف بهذه العلاقات الملتبسة مع النظام السوري الذي هو أصل أزمة النزوح منذ 13 عاماً؟
ففي ماضي علاقات عون مع نظام الأسد رواية موثقة حول عودة الجنرال من منفاه الباريسي عام 2005 بعد إبعاد قسري إثر إخراجه من قصر بعبدا عام 1990 على وقع قصف الطيران السوري. وقد أورد المحامي كريم بقرادوني صفحات في كتابه “صدمة وصمود” عام 2009 كاشفًا بالوثائق والتفاصيل الأسباب التي سمحت للجنرال المنفي أن يعود إلى لبنان، وأبرزها التسليم بنفوذ “حزب الله”. ويروي بقرادوني كيف ولدت “مبادرة لعودة الجنرال ميشال عون” في أوائل عام 2005، وقبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من ذلك العام. وما قاله عن هذه المبادرة في الصفحة 373 من الكتاب: “سلمت نصّ المبادرة إلى إميل إميل لحود ابن الرئيس لحود (والأخير كان وقتذاك لا يزال رئيساً للجمهورية) الذي حملها إلى دمشق وعرضها على صديقه ماهر الأسد الذي استوضح الملابسات والخلفيات، واستمهل إلى حين عودة شقيقه من الخارج. وقبل أن يصل لحود إلى بيروت، اتصل به ماهر ليخبره أنّ الرئيس بشار الأسد عاد لتوّه ووافق على المبادرة “شرط أن يكون “حزب الله” شريكاً في العملية، وأن تحصل بإشراف مباشر من الرئيس لحود”.
مرت 15 عاماً على كتاب بقرادوني ولم يصدر عن مكتب عون توضيح. فهل من المستغرب أن تلقى حكاية الخمسة ملايين دولار التي طلبها عون من الأسد وقبضها من القذافي المصير نفسه؟