إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
حتى نجيب على هذا السؤال يجب ان نعرف ما هي استراتيجية إسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023:
1- تحقيق النصر المطلق على “حماس”، بمعنى القضاء عليها كقوة عسكرية واستهداف جميع قياداتها التي خططت او شاركت بعملية قتل الاسرائيلين في السابع من أكتوبر 2023 ـ على غرار ما حصل في عملية احتجاز رهائن إسرائيلين أثناء دورة الأولمبياد الصيفية التي أُقيمت في ميونيخ في ألمانيا في 1972، والتي نفذتها “منظمة أيلول الأسود” الفلسطينية. وقامت إسرائيل بملاحقة وقتل جميع من قاموا بالعملية.
2- إرجاع المخطوفين والرهائن.
3- ضمان عدم تكرار ما حصل في 7 اكتوبر 2023
وثمة موضوع هام ينشغل فية الاعلام العربي كثيرًا ويُعّول عليه في انهاء الحرب على غزة وهو وجود خلافات في المشهد السياسي في إسرائيل، والخلاف على شخصية نتنياهو، والمشادات الكلامية الحادة والمتكررة من زعيم المعارضة، “يائير لابيد”، الذي قال إن حكومة نتنياهو “كارثة وطنية”.
من الناحية العملية، لا اعتقد ان هناك مستقبلًا سياسيًا لنتنياهو، ولكن الاهم الذي يجب معرفته هو انه لا يوجد خلاف على خطة الحرب التي طرحها نتنياهو وعلى استراتيجيته العسكرية لتحقيق النصر المطلق على “حماس” حتى مع شركائه في مجلس الحرب. بل يوجد إجماع إسرائيلي بانه اذا لم يتم ازالة خطر “حماس” كليًا، فسيكون هناك تهديد وجودي لها، وستُعيد “حماس” بناء قوتها العسكرية بأسرع وقت وسيتكرر السابع من أكتوبر بوحشية أكبر. وحاليًا، فإن “حماس” لديها شعبية جارفة خطيرة: اكثر من 80 % في الضفة الغربية يؤيدونها! وشعبية داخل غزة وشعبية كاسحة في العالمين العربي والإسلامي. وتستطيع “حماس” أستعادة قوتها العسكرية في عدة شهور، كما أن هنالك حركات إسلامية فلسطينية مسلحة أخرى تتفق مع استراتيجية حماس كسرايا القدس وألوية الناصر صلاح الدين وكتائب الأنصار وكتائب شهداء الأقصى وكتائب أحمد أبو الريش. جميع هذه الفصائل الفلسطينية طالتها الايدولوجية والتطرف الإسلامي ومرتبطة بدرجة او بأخرى بالإمبريالية التوسعية الايرانية وبالتنظيم العالمي للأخوان وتستطيع ان تبني قوة عسكرية أيدولوجية مرة اخرى.
وجدير بالذكر أن اتفاقية اوسلو للسلام في 1993 رفضتها عشر فصائل فلسطينية مسلحة كانت لديها رؤية صفرية تجاه إسرائيل. وكانت “فتح ” هي الجهة الوحيدة التي شاركت ووقّعت على الاتفاقية.
واذا لم يتم تنظيف هذه المنطقة وإعادة تشكيل القيادة الفلسطينية واختيار سلطة فلسطينية قادرة على ضمان الامن وصناعة السلام مع إسرائيل وعلى السيطرة الكاملة على القرار الامني في غزة والضفة الغربية، فإأن الخطر في المنطقة سوف يتفاقم .
وهذا النصر الحاسم على “حماس” لن يتحقق ألا باجتياح رفح.
مصر تعلم جيدًا أن الأنفاق بين رفح ومصر هي شريان الحياة لـ”حماس” من ناحية التسليح والإمدادات اللوجستية التي يتم تهريبها من ايران عبر ليبيا مرورًا بأنفاق رفح إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة. وطبعا، هذا (“بيزنس”) كبير وارقام فلكية من الدولارات لسماسرة مصريين! وللعلم فقط “شركة هلا” السياحية المصرية تتحّصل خمسة الاف دولار من الفرد الغزاوي الكبير والفان وخمسمائة دولار للصغير للسماح لهم بالمرور عبر رفح إلى مصر! جني هذه المبالغ الضخمة ينسف كل الأحاديث عن المنطلقات الانسانية التي تتحدث بها الحكومة المصرية.
اما فيما يتعلق بالاضرار الجانبية والخسائر في الأرواح الذي سينتج من أقتحام رفح، فلن يتكرّر ما حصل في خان يونس وشمال ووسط غزة، خاصةً اذا كان هناك ترحيل آمن للمدنيين من رفح الى شمال غرب غزة قبل الاجتياح كما تعهدت إسرائيل امام المجتمع الدولي. ربما لن يتحقق امل إسرائيل في القضاء على قادة “حماس” لانهم سوف يهربون، ولكنها تستطيع ان تقضي على كثير من مقاتليها، والأهم القضاء على الأنفاق التي تشكل شريان الحياة لحماس.
العرب دائماً هم الذين يستدعون ويسعون للحرب، ثم يَتَوَرَطون بها وينهزمون، وبعدها يتباكون ويطلبون من القوى العظمي والمجتمع الدولي ايقافها بذريعة المآسي الانسانية مع انهم بالأساس هم الذين يبدأون الحرب. في 1948، رفضوا قرار التقسيم واختاروا الحرب على إسرائيل ثم تباكوا على الهزيمة والنتائج وسموها “النكبة”.. وفي 1967، كرروا الغباء، وأعلنوا الحرب على إسرائيل وهُزموا شر هزيمة ومن ثم تباكوا بأنهم ظُلموا وطُردوا من ديارهم وسكنوا المخيمات وسموها “النكسة”. حرب 1973 كانت استثناءً. فكانت غير حاسمة على الجبهة المصرية، وانتصاراً اسرائيلياً على الجبهة السورية.. ولكن هذه النتيجة استثمرها السادات بحِكمة ودهاء وأعاد الاراضي المصرية المحتلة بالسلام. وصولًا الى 7 أكتوبر الذي سموه “الفتح المبينّ”، والذي صاحبته احتفالات بالصحافة والأعلام وباشكال مختلفة وغريبة. ولكن، بعد الهجوم الاسرائيلي الكاسح وما نتج عنه من دمار شامل صاروا يتهمون العالم بأنه منحاز لإسرائيل وغير مبالٍ بالضحايا والدمار والوضع الانساني في غزة. واتهموا الغرب بانه يتآمر على الإسلام والمسلمين بالرغم من إن هذا الهجوم كان نتيجة الفتح المبين في 7 اكتوبر الذي انتشوا به طربًا واستقبلوه بعاصفة من التهليل أضعاف أضعاف التهليل الذي حصل في 11 سبتمبر 2001. ونُذكّر ما قاله شيخ الأزهر بأن “ما حدث في ٧ أكتوبر اعاد لنا الحياة بعد ان طننّا اننا كنا أمواتا” (انظر التصريح في “اليوم السابع” هنا). وشيخ أزهري أخر قال أنها “أعادت لنا الشرف”، بمعنى انهم كانوا امواتاً وعديمي الشرف و7 أكتوبر، التي كانت عالميًا مصنفة كعملية ارهابية، اعادت لهم الشرف والحياة!! وهذا اقرار منهم بأن الارهاب سوف يُعيد لهم الشرف، وأن الارهاب سوف يُعيد لهم الحياة! عكس منطق الإنسانية تماماً . وما حصل في الأسبوع الاول بعد “طوفان الاقصى” كان رداً معبرًا عن فرحة عارمة في منطقة الشرق الاوسط. وبعدما قامت الحرب على غزة و تفاقمت إلى “مأساة غزة” صاروا يتحدثون عن تعاطفهم وإنسانيتهم أزاء ضحايا القصف.
وانا، كمراقب، اقيس واحكم علي ردود افعال العرب بجميع اطيافهم في الأسبوع الأول لاني رأيت انسانيتهم الحقيقية في الأسبوع الاول بعد 7 أكتوبر 2023.
اذا فعلاً شيخ الأزهر قال ان ٧ اكتوبر اعاد لنا الحياة والشرف فهذا يعني إن الثقافة الإسلامية معادية للإنسانية والحياة.
المقال جارح وفي الصميم!