إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(صورة لأعضاء جمعية المطبخ المركزي العالمي يعملون في غزة)
*
هذا الأسبوع، في غارة على غزة، قتلت الطائرات الإسرائيلية المسيرة بعض موظفي المعونة الغذائية الدوليين التابعين لمنظمة دولية خيرية اسمها (المطبخ المركزي العالمي)، وكان بينهم ٣ بريطانيين واسترالي واحد وأمريكي كندي وواحد بولندي وواحد فلسطيني، وقامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن.
وفجاة تكلم البيت الأبيض الأمريكي ورئيس وزراء إنجلترا ورئيسة الانحاد الأوروبي، وحتى رئيس إسرائيل اعتذر، أما نيتنياهو فلم يعتذر، وقال إن هذه الأشياء تحدث في الحروب!
.وكلهم اسف واستنكار للضحايا السبعة، أما الرئيس بايدن فقد أبدى غضبه الشديد جدا
(والرئيس بايدن لم يبدِ أي غضب سواء شديد أو بسيط ،أو حتى أنه واخد على خاطره من إسرائيل، و“ما كانش العشم” وأشياء من هذا القبيل) ولكن عندما ازداد غضب بعض الأمريكان على موقف بايدن من حرب غزة (ونحن في سنة إنتخابات وكل صوت مهم)، قرر بايدن إلقاء بعض الفتات لأهل غزة بالطائرات بدلا من إجبار إسرائيل على فتح المعابر.
طبعا شيء محزن جدا ومؤسف جدا أن يجي ناس من كل أنحاء الدنيا للمساعدة في إطعام أهل غزة في وقت الحرب ويكون نصيبهم القتل بواسطة غارة إسرائيلية، وحتى اليوم تتوالى الأخبار عن تأثر أهاليهم، وفجأة سمحت إسرئيل بفتح معبر رفح مع مصر لإدخال جثث الضحايا والمصابين الأجانب للعلاج في مصر.
اما الغلابة من اهل غزة والذين بلغ عدد ضحاياهم اكثر من٣٠الف قتيل واكثر من ضعفهم من الجرحى فلم يحزن عليهم احد سوى اهاليهم الاقربون، ويبدو ان العالم الغربي فجاة وبدون أي مقدمات يؤمن بالآية القرانية الكريمة “الاقربون أولى بالمعروف“.
فلم يتحركوا ولم يقلقوا إلا بعد ان راح لهم سبع ضحايا لهم من “مواطنيهم الأقربين“.
ومنذ حوالي ستة اشهر، يطالب العالم الحر، وحتى بعض اليهود طالبوا منذ بداية الحرب بوقف فوري لإطلاق النار، ولا حياة لمن تنادي سواء في تل ابيب او واشنطن او لندن اوباريس او طوكيو او برلين او شبين الكوم.
….
والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على أن لكل البشر حول العالم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. ونظريا، فإن لدى العالم الغربي والعالم المتحضر وحتى غير المتحضر فالانسان تعتبر قيمته واحدة بغض النظر عن دينه او جنسه او لون بشرته او وظيفته او غناه او فقرة. فالناس سواسية كاسنان المشط. وهذا كلام جميل نسمعه في خطب السياسيين والأفلام الرومانسية والكتب المقدسة، وهذا هو سعر الأنسان في السوق الرسمي العالمي بأن للإنسان سعراً واحدً. ولنفرض أن سعر الإنسان العالمي الرسمي مليون دولار حسب سعر البنك المركزي للأمم المتحدة، ولكن الانسان حول العالم له سعر آخر في السوق الموازية وهو اسم مهذب للسوق السوداء، وهذا السعر يتوقف على عوامل كثيرة ممكن أن نلخصها كالتالي:
أولا: جواز السفر الذي يحمله: مواطن يحمل جواز سفر أمريكي أو كندي “سعره” يبلغ أضعاف مضاعفة سعر مواطن يحمل جواز سفر من بوركينا فاسو. والفكرة ليست في ورقة إسمها جواز السفر ولكن في البلد خلف جواز السفر في قوتها وتأثيرها حول العالم، وأيضا هل يهتم نظام الحكم ومجتمع هذه الدولة بسلامة مواطنيه حول العالم. أذكر منذ عدة سنوات أن إبنتي الصغيرة عندما كانت في الجامعة أنضمت إلى جميعة طبية خيرية إسمها (نعالج العالم) وذهبت معهم إلى قرية فقيرة بالقرب من أكرا عاصمة غانا. وفي يوم إجازتها، كانت تسير مع زميلة أمريكية على شاطئ البحر بالقرب من محل عملهم. وفجأة هجم عليهم شاب وحاول الإعتداء عليهن لإختطاف الكاميرا التي كانت بحوزتهن. وبالفعل، سرق الكاميرا وفر هاربا، وكلمتني إبنتي من غانا وكانت في غاية الإنزعاج والخوف، فإتصلت أنا فورا بالسفارة الأمريكية في أكرا، ووجدت إهتماما غير عادي من الموظفة الأمريكية التي ردت على تليفوني. وفي خلال أقل من ساعتين، اتصلت بي الموظفة وأخبرتني بأن ابنتي بخير هي وصديقتها وأن السفارة عرضت عليهن تسفيرهن من غانا على حساب السفارة الأمريكية. ولكن الفتاتين قررتا الإستمرار في المهمة الطبية… حاول يا عزيزي المواطن الإفريقي أن تتصل بسفارتك في لندن لأنه تمت سرقة محفظتك. لا أستغرب لو تم القبض عليك وتعذيبك داخل السفارة حتى تظهر المحفظة!!
ثانيا: حتى داخل البلد المتقدم الواحد هناك أكثر من سعر، ففي أمريكا مثلا المواطن الأبيض الأشقر من أصول بريطانية أو ألمانية أو اسكندنافية ممكن سعره يصل 10 مليون دولار. أما المواطن الأبيض الأشقر من أصول ايطالية أو بولندية أو شرق أوروبية فيبلغ 5 مليون دولار. أما المواطن من أصول شرقية (فهذا يتوقف على مدى تعليمه وثرائه)، فمن أن يبلغ سعره مليون دولار. أما المواطن الأفريقي (لأن جدوده كانوا عبيداً تم شراؤهم من أفريقيا بمائة دولار للراس الواحدة)، فقد يبلغ سعره ربع مليون دولار، إلا أذا كان من نجوم الرياضة أو الفن، فقد يتجاوز سعره 100 مليون دولار.
ثالثا: متوسط الدخل القومي للمواطن يتدخل في سعر هذا المواطن إلى حد كبير. فمثلا، متوسط دخل المواطن النرويجي يبلغ 65 ألف دولار سنويا ويبلغ متوسط دخل المواطن الصومالي 1500 دولار سنويا. لذلك، فإن سعر المواطن النرويجي لا بد أن يكون أكثر من أربعين مرة من سعر المواطن الصومالي. حتى داخل البلد الواحد، سعر المواطن يتوقف إلى حد كبير على دخله السنوي وثرائه.
رابعا: قانون الندرة وقانون العرض والطلب قانون يمكن تطبيقه أيضا على أسعار الإنسان في السوق السوداء. فالإنسان الذي لديه مهنة أو حرفة نادرة فلا شك أن سعره في السوق السوداء أكثر كثيرا من أعداد هائلة من البشر ليس لديهم أي مهنة أو حرفة وأنما يعيشون عالة على من حولهم.
خامسا: مثلما نعرف أن الدعاية هامة جدا في تسويق المنتجات حول العالم، أيضا الدعاية لها أهمية كبيرة في زيادة أو تخفيض الأسعار سواء أسعار الأسهم أو أسعار الإنسان في السوق السوداء. فعلى سبيل كلنا نعرف أن ضحايا هتلر في الحرب العالمية الثانية من اليهود كانوا ستة ملايين يهودي (ضحايا الهولوكوست) ولكن القليل منا يعلم أنه عبر التاريخ الحديث وفي نفس الحرب العالمية الثانية والتي تسببت فيها أطماع هتلر بلغ إجمالي عدد الضحايا ما بين 70 إلى 80 مليون شخصا حول العالم. وما بين عام 1922 و1950، كان عدد ضحايا جوزيف ستالين حوالي 20 مليون مواطن في الإتحاد السوفيتي. وقلما نتذكر هؤلاء، ولكننا دائما نتذكر الستة ملايين يهودي ضحايا الهولوكوست، لأن الدعاية إستطاعت أن ترفع سعر الإنسان اليهودي ضحية الهولوكوست إلى قيمة أعلى كثيرا من باقي ملايين الضحايا.
وهناك عناصر كثيرة تحدد أسعار الإنسان في السوق السوداء حول العالم.
وأختم بالمثل المصري الشهير “معاك قرش… تسوى قرش، ما فيش معاك حاجة… ما تسواش ولا حاجة”