إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
القضية الفلسطينية تشكل صداعا إقليميا بل وعالميا (أحيانا) منذ ما يزيد عن قرن من الزمان حتى قبل صدور وعد بلفور (وزير خارجية بريطانيا) في عام 1917.
وهذا هو نص وعد بلفور الصادر عن حكومة جلالة ملك بريطانيا:
تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.»
ومن تعليقات جمال عبد الناصر القليلة التي اعجبتني واصفا وعد بلفور بانه:
“أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق“!
حقاً، لماذا لم تعط بريطانيا لليهود جزءا من الجزر البريطانية لإقامة وطن قومي لهم؟
والحقيقة ان حكومة إسرائيل منذ نشاتها قد قامت بتنفيذ الجزء الأول فقط من وعد بلفور على ما يرام وهو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وتجاهلت النصف الثاني من الوعد :
“مع عدم الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين“.
وكثير من قادة إسرائيل وفي مقدمتهم نتنياهو يدعون انه قبل دولة إسرائيل لم يكن هناك ما يسمى “فلسطين”، بالرغم من ان وعد بلفور ذكر كلمة “فلسطين” مرتين.
والعرب لم ياخذوا وعد بلفور مأخذ الجد كما لم ياخذوا من قبل “مؤتمر بازل” في سويسرا عام 1897 والذي ذكر السطر الأول من بيانه ما يلي:
“تأسيس وطن للشعب اليهوديّ في فلسطين مضمون تحت القانون العام“.
حتى اليهودي هرتزل شخصيا ذكر كلمة “فلسطين“.
وكانت هناك تحركات كثيرة منذ منتصف القرن التاسع عشر في أوروبا وخاصة أوروبا الشرقية لتهجير اليهود إلى ارض فلسطين، إما بدافع العنصرية للتخلص منهم، أو بدافع الشفقة لما عانوه من اضطهاد.
ولم تكن تحركات اليهود لإقامة دولة لهم خافيةً على احد ولكنها كانت في العلن. وبالرغم من هذا، لم نشاهد أي تحركات تٌذكَر في الجهة المقابلة لإقامة دولة فلسطين سواء أيام الدولة العثمانية او حتى بعد نهاية الدولة العثمانية واستيلاء بريطانيا على فلسطين.
واستمر التخبط الفلسطيني/ العربي حتى يومنا هذا، لم يكن لنا هدف سوى رفض الكيان الصهيوني. ماشي، نرفض الكيان الصهيوني وماذا عن الكيان الفلسطيني؟ هل له نصيب؟ بالطبع الرفض والشجب والصمود وكل هذا الكلام “القرع” سهل ولا يستلزم سوى (شوية خطب وأناشيد وشعارات حماسية) وطالما غنت فيروز (يا قدسُ يا مدينة المدائن) وغنينا أيضا (عائدون) خلاص المشكلة الفلسطينية تم حلها. ولكن العمل الجاد لإنشاء دولة فلسطينية حقيقية هو عمل صعب يتطلب مجهوداً وتخطيطاً والعمل الجاد بروح الفريق. وهذا للأسف غير موجود في الثقافة العربية الإسلامية، التي تكتفي ليس فقط بالخطب والأناشيد ولكن بالدعاء في المساجد ان يقضي الله على “الكيان الصهيوني“. ولم يتم الدعاء أبدا ان يساعدنا الله لبناء “الكيان الفلسطيني“.
…
والان تدخل حرب غزة شهرها الخامس، وهي أطول الحروب العربية الإسرائيلية وأكثرها تدميرا لشعب فلسطين. ولست ادري لماذا اختارت “حماس” الانتحار في هذا الوقت بالذات؟ كل الناس لم يتوقعوا ان ينجح هجوم حماس المفاجيء بهذا الشكل بالرغم من استخدامهم لأسلحة وأدوات بدائية. ومعظم الناس لم يتوقعوا ان يكون رد إسرائيل بهذا العنف والتدمير الذي لم ينجُ منه طفل ولا شيخ ولا امرأة بل كان هولاء هم الأغلبية الساحقة من الضحايا. ولم يتوقع معظم الناس أيضا ان تستمر “حماس” في المقاومة حتى الان.
ولست إدري إلى متى سوف تستمر تلك الحرب. ولكن ما أدركه تماما ان نتنياهو من اجل القضاء على “حماس” سوف يغامر بارواح الرهائن المتبقية، لانه وحكومته سوف يكونون من السذاجة بمكان ان يعتقدوا ان “حماس” سوف تلقي السلاح, بل إنني اعتقد ان “حماس”، قبل التدمير الشامل لقواتها (وهذا هو هدف نيتنياهو المعلَن صراحةً)، سوف تقضي معها على الرهائن على طريقة “علي وعلى اعدائي“
ويبدو ان الهجوم الحالي هو المرحلة الأخيرة من الحرب، وهو يبدو هجوما كاسحا على رفح (وهي من المفروض المنطقة الآمنة التي طلبت القوات الإسرائيلية من اهل غزة اللجوء اليها ) وبها ما يزيد عن مليون لاجئ إضافي. والله وحده يعلم عدد الضحايا المتوقع في الأيام القليلة القادمة،
…
واذكر انه يوم 7 أكتوبر ارسل لي شخص عربي (وكله سعادة ونشوة لنجاح هجوم “حماس”) قصيدة أبو القاسم الشابي بكاملها ومطلعها:
إذاالشعب يوما أراد الحياة
فلا بد ان يستجيب القدر
فقمت بالرد عليه فورا بعبارة واحدة هي (العبرة بالخواتيم)!
وكما يبدو فلا اعتقد بان الخواتيم هي في صالح الشعب الفلسطيني الذي عانى في هذه الحرب اكثر من كل الحروب السابقة مجتمعة.
وبالرغم من كل الضحايا من اهل غزة المساكين وبالرغم من كل الدمار الشامل في مدن وقرى غزة وبالرغم من ان نتنياهو استغل وسوف يستغل هجوم “حماس” يوم 7 أكتوبر اسوا استغلال للقضاء على حلم الدولة الفلسطينية، فان كثيرا من العرب يعتقدون ان “حماس” قد انتصرت في هذه الحرب (التي لم تنتهِ بعد) مثلها في ذلك مثل “النصر الإلهي” لحزب الله في عام 2006، ومرة أخرى أقول: “ان كان هذا هو النصر فكيف تكون الهزيمة“!!
وأتمنى ان تنتهي تلك الحرب البشعة والتي بدأتها “حماس” وأنتهزها نيتنياهو فرصة لتنفيذ مخططه وهو القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية. وبدا بالفعل في بناء مزيد من المستوطنات في الضفة الغربية وخلق شريحة عرضها كيلومتر تطوق قطاع غزة وقام بهدم وتدمير كل شيء في هذه الشريحة، والله اعلم ان كان ينوي بناء مستوطنات داخل هذا الكيلومتر الذي يحيط بقطاع غزة ام لا؟
…
والان ما هي الخيارات المتاحة للشعب الفلسطيني:
أولا: يبقى الوضع على ماهو عليه، وعلى المتضرر اللجوء الى الأمم المتحدة، ونستمر في رفض “الكيان الصهيوني“.
ثانيا: الاحتكام إلى العقل والمنطق، ورؤية المكتوب على الحائط منذ عام 1948 وهو ان إسرائيل وجدت لتبقى لانه:
أولا: يحميها أقوى جيوش المنطقة
وثانيا: تحميها وتسلحها وتمولها أمريكا
وثالثا: تحميها معظم دول أوروبا والعالم،
واذا تم هذا (وهو ما اشك فيه) فعلى الفلسطينيين ان يعملوا كفريق واحد ويشكلوا ائتلاف يطالب بسرعة انشاء الدولة الفلسطينية على البقية الباقية من فلسطين قبل ان تتآكل كل فلسطين ويلقى الفلسطينيون مصير الهنود الحمر، في أمريكا.
وهذا هو ما يسمى “حل الدولتين”.
…
أما حل الدولة الواحدة وهو ان يعيش اليهود والعرب تحت دولة واحدة، وهذا ما اشك فيه لأن نتنياهو يتبنى مفهوم الدولة “اليهودية“. لذلك، فان هذا الحل مستبعد تماما لانه لو تمت الدولة الواحدة فان اليهود سوف يصبحون أقلية في خلال سنوات بسيطة وينتهي بذلك حلم الدولة “اليهودية“.
اما نتنياهو فهو لا يؤمن بحل الدولة الواحدة ولا يريد حل الدولتين ولا يريد ان يسمع كلمة فلسطين مرة أخرى لانها تسبب له حساسية وإنما يريد:
“حل الثلآث ورقات” وهو كما يلي:
سوف يقضي على حماس كما يريد حتى لو خسر الرهائن, فسوف يعتبرهم أبطال فداء إسرائيل وان “حماس” المجرمة هي السبب.
بعد القضاء على حماس سوف يعمل على خطة طويلة الأجل وهي ان يعطي قطاع غزة إلى مصروان يعطي ما تبقى من الضفة إلى الأردن وبذلك يتحقق له حلم الدولة اليهودية وربما يستطيع التخلص أيضا من الإسرائيليين من عرب 48 من مسلمين ومسيحيين لكي تبقى له الدولة اليهودية خالصة تماما.
فهل ينجح نتنياهو؟
نعم سينجح لو استمر العرب يغنون “عائدون” ويصفون إسرائيل بـ“الكيان الصهيوني“.