إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
بِصُدورِ مرسومٍ أميري بِحَلِّ مجلسِ الأمة، تَدخُلُ الكويت في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي. وقالت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح أصدر مرسوماً، الخميس، بحلّ المجلس.
وأضافت الوكالة أن المرسوم الأميري استند إلى “ما بدر من مجلس الأمة من تجاوز للثوابت الدستورية في إبراز الاحترام الواجب للمقام السامي وتعمد استخدام العبارات الماسة غير المنضبطة”.
بعبارة أخرى، صدر المرسوم على خلفية أزمة بين الحكومة ومجلس الأمة، أعقبت مداخلة نيابية للنائب عبدالكريم الكندري، اعتُبِرَ أنها تمس الذات الأميرية، وهو أمر يخالف الدستور الكويتي.
ففي جلسة مجلس الأمة في السابع من فبراير، حيث تمت مناقشة الخطاب الأميري، حدث سجال بين رئيس المجلس أحمد السعدون والنائب الكندري، لإصراره على الرد على خطاب أمير البلاد في جلسة أدائه اليمين الدستورية في 20 ديسمبر الماضي، وهو الخطاب الذي تضمّن انتقادات حادة لمجلس الأمة والحكومة السابقة التي كان يترأسها الشيخ أحمد نواف الصباح.
ورفض السعدون موقف الكندري، وطلب منه الالتزام باللائحة والرد حصرا على الخطاب الأميري، الذي يختلف عن خطاب الأمير. حيث الأوّل يمثّل توجهات الحكومة ويسمح الدستور بنقده، فيما الثاني يمثّل توجهات الأمير ولا يسمح الدستور بنقده.
لكن الكندري رفض الالتزام بذلك، وقال في رده على السعدون إن الانتقادات التي وجهها الأمير لمجلس الأمة والحكومة في خطاب أداء اليمين الدستورية، تتعلق باختصاصات السلطة التنفيذية، وهي الحكومة. فما كان من رئيس السعدون سوى حذف كلمة الكندري من محضر الجلسة وحجبها عن العرض التلفزيوني، وهو ما رفضه النائب معتبرا أن مداخلته لا تتضمن أي مخالفة للدستور.
وفي جلسة لاحقة في الثالث عشر من فبراير، تحدث الكندري معترضا على شطب كلمته وتوجّه إلى السعدون قائلا: “إعتَقَد الناس أنني أسأت إلى القيادة السياسية بسبب شطبك لكلامي”، وأضاف: “لا يمكن أن أسيء إلى والدي، لكنني قمت بالدور الذي تخلّيت أنت عنه في الدفاع عن مجلس الأمة”.
وخلال هذه الجلسة صوّت مجلس الأمة بغالبية 44 نائبا على رفض شطب كلام الكندري من محضر الجلسة، وبالتالي تم إلغاء قرار السعدون. ومع ذلك لم يتم تعديل المحضر.
في اليوم التالي، أعلن السعدون أنه تلقى اتصالا من رئيس الحكومة الشيخ محمد صباح السالم، أخطره فيه بعدم حضوره الجلسة، وفُسّر هذا السلوك بأنه اعتراض حكومي على كلمة الكندري. فما كان من مجلس الوزراء، إلا أن ردّ بإقراره مشروع مرسوم حل مجلس الأمة.
وخلال جلسة استثنائية للحكومة عُقِدَت الخميس، صدر مشروع مرسوم بحل المجلس. وبحسب بيان حكومي، جاء القرار بسبب ما صدر في جلسة السابع من فبراير من كلام اعتبرته الحكومة “محل استنكار واستهجان شعبي ورسمي، في المساس بالمقام السامي لأمير البلاد، والتجاوز على الأحكام الدستورية، بأن الأمير رئيس الدولة وذاته مصونة لا تمس”.
يرى كثير من المراقبين أن حل مجلس الأمة هو انعكاس لاستمرار توتّر العلاقة بين الحكومة والمجلس، الأمر الذي جعل البلاد في حال شبه شلل سياسي واجتماعي وقانوني بل وتنموي، إذ من شأن ذلك أن يؤخّر اتخاذ قرارات سياسية واجتماعية، وسن قوانين جديدة تراعي شؤون المواطن الكويتي واحتياجاته، بدءا من ملف الإسكان والصحة مرورا بملف التعليم والتوظيف، وصولا إلى مسألة الفساد وغيرها من الأمور الملحّة.
وعلى الرغم من وصف البعض عدم التوافق بين الحكومة والمجلس بأنه أمر طبيعي في بلد يعتمد الديمقراطية، لكن هذا لا يمنع، حسب هذا البعض، من العمل على تشكيل هيئة مستقلة لتنظيم العلاقة بين السلطتين.
في المقابل، يرفع بعض المرشحين، الذين اعلنوا نيّتهم خوض الانتخابات المقبلة، على الرغم من عدم تحديد الحكومة موعدا للإنتخابات حتى الآن… يرفع هؤلاء شعار “نقدر نغيّر”. غير أن منتقدي الديمقراطية والإنتخابات في الكويت يُصرّون على أن الأزمة بين الحكومة ومجلس الأمة تكمن في تعريف الديمقراطية الكويتية وعلاقتها بماهية الديمقراطية مثلما هي مطروحة حول العالم، حيث يعتقد هؤلاء بأنها لا تتشابه مع أي ديمقراطية أخرى.
وحسب هؤلاء المنتقدين، فإن المرشح الذي يرفع شعار “نقدر نغيّر” ثم يصبح بعد ذلك نائبا ويدخل المجلس ويواجه الحكومة ويخضع للّعبة الديمقراطية الكويتية، نتفاجأ بتبدّل كلامه واعترافه بأن “التغيير مو بيدنا“. أو بعبارة أخرى، أن التغيير تهيمن عليه مواد الدستور التي لا تعطي الأولوية في اتخاذ القرار “للأمة مصدر السلطات”. فيُصبِح الدستور ومواده أقوى من اللعبة الديمقراطية ومن القرار الديمقراطي، وأن هذا الواقع هو الذي يحتاج إلى تغيير. فهل يمكن إحداث هذا التغيير؟!…