إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
خسرت روسيا 315 ألف جندي، وثلثي دباباتها، وستتحوّل إلى دولة تابعة إقتصادياً للصين
وليام بيرنز هو أول مدير لوكالة “السي آي أي” يُقرّر رفعَ السرّية عن معلومات بالغة الخطورة من نوع إستعدادات روسيا لغزو أوكرانيا. وظلت روسيا تنفي المعلومات، بل وتسخر منها، إلى أن بدأ الغزو فعلاً.
اختار الرئيس جو بايدن، الديبلوماسي السابق (تقاعد في 2014)، وليام بيرنز، لشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي أيه”. قبل ذلك، قاد بيرنز الوفد الأمريكي في المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، في عهد الرئيس السابق باراك أوباما التي انتهت باتفاق 2015. وشغل قبلها منصب سفير الولايات المتحدة في روسيا والأردن. وترأس بيرنز “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي”.وهو أول دبلوماسي يشغل منصب مدير “السي آي أي”. ويشكل تعيينه انتقاماُ لوزارة الخارجية الأميركية التي كتب وليام بيرنز عنها، في أكتوبر 2019، مقالاً بعنوان “تدمير الديبلوماسبة الأميركية” في عهد ترامب.ما يلي ترجمة للقسم الخاص بفلاديمير بوتين وحربه في أوكرانيا، من مقال نشرته له فصلية “فورين أفّيرز” بعنوان:
Spycraft and Statecraft: Transforming the CIA for an Age of Competition
(“فن التجسّش وفن” الحكم: تحويل “السي آي أي” في عصر المنافسة”)!
*
وصلت حقبةُ ما بعدَ الحربِ الباردة نهايَتَها الحاسمة لحظةَ غزوِ روسيا لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022. لقد ِأمضيتُ قسمًا كبيرًا من العقدين الماضيين في محاولة فهم المزيج القابل للاشتعال من التَظَلُّم والطموح وانعدام الأمن الذي يُجَسِّدُهُ الرئيسُ الروسي فلاديمير بوتين.
شيء واحد تعلّمته هو أنه من الخطأ دائمًا التقليل من هَوَسُهُ بالسيطرة على أوكرانيا وخياراتها. ومن دونِ هذه السيطرة، يعتقد بوتين بأنه من المستحيل أن تصبحَ روسيا قوّةَ عظمىـ، أو أن يكون هو زعيمًا روسيًا عظيمًا. وهذا الهَوَس المأساوي الوحشي جلب بالفعل العار لروسيا، وكشف ًنقاط ضعفها، من اقتصادها الأحادي البعد إلى قدراتها العسكرية المتضخّمة، إلى نظامها السياسي الفاسد. كما أثار غزو بوتين تصميماً وعزيمة مذهلين لدى الشعب الأوكراني. لقد رأيت شجاعةَ بشكل مباشر في رحلات متكرّرة في زمن الحرب إلى أوكرانيا، تخلّلتها غارات جوية روسية وفي الصور الحيّة للمثابرة والإبداع في ساحة المعركة الأوكرانية.
لقد كانت حرب بوتين بالفعل بمثابة فشل لروسيا على العديد من المستويات. لقد أثبت هدفه الأصلي المتمثّل بالاستيلاء على كييف وإخضاع أوكرانيا حماقته ووهمه. وقد تعرّض جيشه لأضرار جسيمة. فقد قُتل أو جُرح ما لا يقل عن 315 ألف جندي روسي، ودُمِّرَ ثُلثا مخزون الدبابات الروسية قبل الحرب، وتم تَجويفُ برنامج التحديث العسكري الذي تباهى به بوتين، والذي استغرق عقوداً من الزمن. وكل هذا نتيجة مباشرة لشجاعة الجنود الأوكرانيين ومهارتهم، علاوةً على الدعم الغربي.
ومن ناحية أخرى، يعاني الاقتصاد الروسي من انتكاسات طويلة الأمد، وتسير روسيا بدون هوادة نحو مصيرها المحتّم كدولة تابعة إقتصادياً للصين. وقد أدت طموحات بوتين المبالغ فيها إلى نتائج عكسية بطريقة أخرى أيضا: فقد أثّرت على حلفَ شمال الأطلسي الذي انضمّت إليه مزيد من الدول وبات أقوى.
ورغم أنه من غير المرجّح أن تضعف قبضة بوتين القمعية في أي وقت قريب، فإنّ حربه في أوكرانيا تؤدي بِصَمت إلى تآكل سلطته في الداخل. كان التمرّد الذي لم يدم طويلاً، والذي بدأه زعيم المرتزقة يفغيني بريغوزين في حزيران/ يونيو الماضي، بمثابة لمحة عن بعض الخلل الوظيفي الكامن وراء صورة بوتين البارع في السيطرة المصقولة بعناية.
بالنسبة للزعيم الذي صنع بشق الأنفس سمعته باعتباره حَكَم النظام الروسي، ظهر بوتين منفصلاً عن الوقع وغير حاسم عندما كان متمرّدو بريغوزين يشقّون طريقهم إلى موسكو. بالنسبة للكثيرين من النخبة الروسية، لم يكن السؤال هو ما إذا كان الامبراطور عارياً، بل لماذا كان يستغرق وقتًا طويلاً لارتداء ملابسه. وفي نهاية المطاف، قام بوتين، الذي كان رسول الانتقام، بتسوية حساباته مع بريغوزين، الذي قُتل في حادث تحطّم طائرة مشبوه بعد شهرين من اليوم الذي بدأ فيه تمرّده. ولكن انتقادات بريجوزين اللاذعة للأكاذيب وسوء التقدير العسكري التي كانت في قلب حرب بوتين، وللفساد الكامن في قلب النظام السياسي الروسي، لن تختفي قريباً.
من المرجّح أن يكون هذا العام عاماً صعباً على ساحة المعركة في أوكرانيا، وأن يكون بمثابة اختبار ستكون نتائجة طويلة الأمد، وأبعد بكثير ن النضال البطولي الذي تخوضه البلاد للحفاظ على حرّيّتها واستقلالها. وبينما يعمل بوتين على تجديد الإنتاج الدفاعي الروسي ــ بمكوّنات بالغة الأهمية تأتيه من الصين، فضلًا عن الأسلحة والذخائر من إيران وكوريا الشمالية ــ فإنه يواصل الرهان على أن الوقت في صفّه، وأنه قادرٌ على سحق أوكرانيا وإرهاق مؤيّديها الغربيين.
ويتلخّص التحدّي الذي تواجهه أوكرانيا في تحطيم غطرسة بوتين وإظهار التكلفة الباهظة التي تتحمّلها روسيا نتيجة للصراع المستمر، ليس فقط من خلال إحراز التقدّم على الخطوط الأمامية، ولكن أيضاً من خلال شن ضربات أعمق خلفها وتحقيق مكاسب مطّردة في البحر الأسود. وفي هذه البيئة، قد ينخرط بوتين مرة أخرى في التهديد بالأسلحة النووية، وسيكون من الحماقة استبعاد المخاطر التصعيدية بالكامل. ولكن سيكون من الحماقة بنفس القدر أن يتم تخويف الأوكرانيين من دونِ داعٍ.
ويكمن مفتاح النجاح في الحفاظ على المساعدات الغربية لأوكرانيا، فهي تمثّل أقلّ من 5% من ميزانية الدفاع الأميركية، وهو استثمار متواضع نسبيًا له عوائد جيوسياسية كبيرة للولايات المتحدة، وعوائد ملحوظة للصناعة الأميركية.
إنّ الحفاظ على تدفّق الأسلحة من شأنه أن يضع أوكرانيا في موقف أقوى إذا أتيحت الفرصة لإجراء مفاوضات جادّة. فهو يوفّر فرصة لضمان فوز طويل الأمد لأوكرانيا وخسارة استراتيجية لروسيا؛ وبوسع أوكرانيا أن تحمي سيادتها وتعيد البناء، في حين تُتْرَكُ روسيا للتعامل مع التكاليف الدائمة المترتبة على حماقة بوتين.
إنّ انسحاب الولايات المتحدة من الصراع في هذه اللحظة الحاسمة، وقطع الدعم عن أوكرانيا، سيكون هدفًا في مرمانا ذا أبعاد تاريخية.
عندما يكون الغرور بعيدآ عن قراءة أحداث التاريخ سيكون الفشل كارثيآ .هذا سيكون عند بوتن وكذالك اردوغان