فى هذا الكون الذى يمتد لمئات البلايين من السنين لا نملك نحن البشر إلا فرصة سنوات قليلة لنعيشها ولن تتكرر مرة أخري ويكون من الخير أن نستمتع بها وألا نفرط فيها فهذه فرصتنا الوحيدة فى الوجود
الامام الحسن بن علي
الموت هو الحقيقة الوحيدة فى هذا الكون أما الحياة فليست كذلك فالجنين فى الرحم ليس كائنا حيا ومن يصيبه الزهايمر يكون فى مراحله المتأخرة مفرغا من الذاكرة مفرغا من الانا غير واعي بذاته، لا يمكن أن تصفه بالكائن الحي قد يكون حيا وقد لا يكون هو كتلة من اللحم والعظم والدم تمشي وتأكل لكنه ليس حيا والمصاب بالغيبوبة لا يعيش ولا يفكر قد لا يكون ميتا فما زال جسده ينبت الشعر ويفرز العرق وقد تتحرك عيناه وقد تطول أظافره لكنه ليس حيا
وفى يقين كل منا أنه خالد وأن والموت شئ يصيب الاخرين و لن يصيبنا فنحن نراه يغيب الاصدقاء والاعداءـ الطيبين والخبثاء ونظل نعتقد أنه قانون ينطبق على الاخرين ولا ينطبق علينا أو أننا بمعزل منه بل قد تشعر بشيء من النصر أنك عشت بعد الاخر, لكنه يقين لا شك فيه وقادم لا محالة،
وحين يحين الحين، يتوقف القلب عن الخفقان تنبسط العضلات ويتوقف جهاز المناعة عن العمل
ويبدأ التحلل بعد دقائق قليلة فى عملية اسمها هضم الذات يتحول الجسد الميت ليكون مليئا بكل صور الحياة ولولا تحلل الاجسام الميتة لما بقى على الارض موضع قدم لكائن حي.
يتوقف سريان الدم ويخترق الاوعية ويتجه إلى أسفل وتحرم الخلايا من الاكسجين فترتفع نسبة الحموضة بسبب التفاعلات الكيميائية التي تخلف نسبة مرتفعة من السموم وتبدأ الانزيمات التي تفرزها البنكرياس فى هضم جدار الخلية ثم تتحرك من بعدها لهضم الخلية نفسها وتنتشر فى كل أعضاء الجسد ويبدأ الهدم فى الكبد الغني بالأنزيمات ثم فى الدماغ المليء بالسوائل ويفقد الجسد أولا كل السوائل فتجحظ العينان ويجف الفم وتمتلئ تجاويف الجمجمة بالسوائل المتخلفة, وتنخفض درجة حرارة الجسد تدريجيا إلى حرارة الغرفة
وحيث أن الجسد لا يتحرك فإن البروتينات لا تستهلك وتتكاثف فى المفاصل فتفقد مرونتها وقدرتها على الحركة ويتخشب الجسد
وحين يكف جهاز المناعة عن العمل تنتشر البكتريا بكل انواعها فى مختلف الاماكن دون رادع وتبدأ
عند مكان التقاء الامعاء الغليظة بالدقيقة فتستهلك المصارين ثم الأغشية الملاصقة لها ثم تسعى نحو الكبد والطحال، القلب والدماغ
يغسل الجسد بالماء الحار ثم يترك عرضة لتيارات هوائية باردة يؤدي الانخفاض المفاجئ فى درجات الحرارة إلى انكماش الشفتين وظهور الاسنان وترسم على الوجه ابتسامة وكأنه يرى ما لا عين رأت لكنه فى واقع الحال لا يسمع ولا يري, كما أن الجسد المبلل بالماء يكون اسرع فى التحلل بضعف سرعة الجسد الجاف وهذه ظاهرة يمكن أن تلاحظها فى سرعة فساد الفواكه والخضر المغسولة مقارنة بتلك الجافة.
عندما يوضع تحت التراب سينتظر هذا الجسد ما ينتظره غيره فهنا تظهر البكتريا غير الهوائية أي التي تعيش بدون هواء وتطلق نتيجة تفاعلاتها كميات متنوعة وكبيرة من الغازات كالميثان والهيدروجين واكاسيد الكبريت والأمونيا وينتفخ الجسد وتظهر فقاعات الهواء تحت الجلد ثم سرعان ما ينفصل عن الجسد بفعل ضغط الغاز
وهذه الروائح النفاذة المقززة تبدو مغرية فى نظر كائنات اخري كذباب الجثث التى تجذبها الرائحة فتتزاوج نتضع بيضها فى الجروح والفتحات وحول العظام. وأولها فتحات الانف والفم،و تنتج كل ذبابة 250 بيضة تفقس فى خلال يوم واحد ديدانا صغيرة تتحول بفعل استهلاكها الانسجة إلى ديدان كبيرة ثم إلى ذبابة كاملة تضع بيضا جديدا وتزيد عدد الضيوف تعيد دورة الحياة وهذه الديدان قوية ونهمة جدا وثلاث منها تستطيع أن تلتهم حصانا فى نفس الزمن الذى يلتهمه اسد
و تجذب كائنات نهمة جديدة إلى الجسد تستهلك ما تستطيع من البيض أو الديدان الصغيرة بل قد تجذب كل الكائنات التي تعيش على تناول اللحوم وتبحث عن طعام وفى خلال ثمانية أيام تكون هذه الديدان وضيوفها قد التهمت ستين بالمئة من الجسد الانساني لتبعت من جديد فى حياة جديدة ومن حق من يتدافعون الأن إلى ساحات الوغي ليقتلون ويقتلون أن يكونوا على بصيرة بما ينتظرهم والذين يزورون أحبائهم فى القبور إنما يزورون الكائنات التي تلتهم جسده فهو قد تفكك وتحلل.
فإن كنت ترفض هذا المصير فبإمكانك أن توصي بحرق جسدك فلا يبقى فيه إلا الرماد أو تطلب من ذويك وضعك بلا أحشاء فى صندوق مليء بالفورمالين أو تتلجأ لفن التحنيط وتبحث عن متحف تستقر فيه.
وهكذا يستمر الموت يلاحق الحياة وهدف كل كائن حي هو قهر الموت واستمرار الوجود وانتشار النوع لذا تستخدم الحياة ظاهرة الموت لإعادة الوجود، والطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم بمعنى أن الكائن الحي لا يخلق من العدم إنما بالموت يتحول الجسد إلى غذاء ضروري لإنتاج حياة اخري ويتجدد فعل الموت لإحداث الحياة واستمرارها وما نحن ألا بعض من كان من قبلنا وسنكون جزء مكونا لمن يجئ من بعدنا.
وفى هذا الكون الذى يمتد لمئات البلايين من السنين لا نملك نحن البشر إلا فرصة سنوات قليلة لنعيشها ولن تتكرر مرة أخري ويكون من الخير أن نستمتع بها وألا نفرط فيها فهذه فرصتنا الوحيدة فى الوجود.
magedswehli @gmail.com
طرابلس- ليبيا