يعلم البطريرك الماروني، الذي وصل الى سدة البطريركية خلفا للبطريرك نصرالله بطرس صفير، ان وصوله ما كان ليتم لولا ادراك الفاتيكان ان المرحلة التي يعيشها لبنان لم يعد الكاردينال صفير ملائما لمتطلباتها من الكنيسة. رحب الكثيرون من الممانعين و”المقاومين” بالبطرك الجديد، ليس حبا به بقدر الابتهاج باستقالة السلف وانكفائه.
انتخاب الراعي كان رسالة بأن الكنيسة التي قادت مرحلة الاستقلال التاني، باتت في مكان آخر. المطارنة الذين ضجّوا بموقف صفير وبنظراته الثابتة، وبصلابته في مواجهة الوصاية السورية وتوابعها اللبنانية، شعروا ان هذا الرجل مكلف للكنيسة في خياره ومواقفه، فكان الراعي، الذي زار دمشق في رسالة معبرة عن التغيير الذي طال موقف الكنيسة المارونية. تلك التي مثلها صفير طيلة ربع قرن.
البطريرك الراعي هو النموذج الذي رأى منتخبوه، كما الفاتيكان، انه الاكثر قدرة على حفظ الكنيسة ورعاياها، والاكثر كفاءة على حماية الخصوصية اللبنانية فيه، والمسيحية تحديدا. تلقف الآخرون من محور المقاومة وتحديدا المحور الايراني في لبنان، هذه الخطوة التي كانوا عملوا على تحقيقها بوسائل غير مباشرة. اي من خلال العمل على ابعاد البطريرك صفير، في سبيل كسر الحلقة التي اسس لها صفير منذ ما قبل اتفاق الطائف وشكلت مصدر حماية “الطائف” لاحقا. حلقات “الطائف” التي احتاجت كل هذا الزمن لتقويضها بدأت منذ ابعاد الرئيس حسين الحسيني، احد المؤسسين لهذا الاتفاق عن السلطة. وشكلت انتخابات 1992 وسيلة سورية لمحاولة تكفير صفير بهذا الاتفاق. لكن الرجل لم يهتز واستمر حلقة دفاع وحيدة عن السيادة اللبنانية. الحلقة الثالثة كانت اغتيال رفيق الحريري في العام 2005 باعتبار ان احدا لا يريد ان يتعلم الدرس المطلوب: لبنان لا يمكن ان يكون سيدا مستقلا. وبقي البطريرك صفير حاملا هذه الشعلة وهو ينتقل بدماء الحريري الى الاستقلال الثاني.
السجال الذي دار ويدور اليوم حول “السلة” دلالاته اكبر من سجال بين بري والراعي او بين عون وبري. هو في جوهره رسالة الى رأس الموارنة، بأن لبنان جديد يتم ترسيخه على الارض، ليس لبنان الصيغة التي حكمته الثنائية السنية – المارونية، ولا لبنان بعد الطائف الذي تراجع فيه المسيحيون، وتقدم الشيعة، بل لبنان الجديد، الذي يصاغ بأنامل ايرانية ورعاية اميركية. ليس لبنان فحسب بل المنطقة بمجملها. وايران اليوم، التي تساهم في تدمير واحتلال اربع دول عربية، هي الاكثر هدوءا تجاه واشنطن واسرائيل. أما السعودية ففي حال يرثى لها، ضمن حساب العلاقة مع اميركا. وتكاد تصبح عدو اميركا الأول في المنطقة.
مهلا ايها البطريرك الراعي، لا تنسى من يحمي المسيحيين. في لبنان الم تسمع الشيخ نعيم قاسم في ذكرى عاشوراء امس وهو يقول: “الاستقرار في لبنان ليس كرم أخلاق، لا، لولا وجود رجال الله في الميدان لما كانت هذه الكرامة والمكانة للبنان”.
كأني بحزب الله يقول من وراء كواليس بري، التالي:
“الكرامة يا سيد بكركي هي “المقاومة” التي حمت لبنان والمسيحيين من التكفيريين، وسوى ذلك من قيود او سلال لا يمكن ادراجها بالمسّ في الكرامة. فكما كان انسحاب اسرائيل من لبنان تعزيزا لدور المقاومة الامني والعسكري والسياسي، فإنّ طرد التكفيريين من لبنان وقتالهم في سورية يتطلب ان تسلموا لمن حفظ وجودكم في لبنان. القوة هي التي تقرر لأنها الاقدر على حماية لبنان، لذا لا تستعجلوا الخطوات، بل انتظروا قليلا، نحتاج بعض الوقت لكي تكتمل خريطة السلطة في لبنان وعهد علينا ان تكونوا في حمايتنا وفي ذمتنا طالما خففتم من مقولات الكرامة وما الى ذلك من مصطلحات تزعج بعض السامعين من اصحاب القرار.
لبنان في المرحلة الايرانية من هنا ابدأوا التفكير”.
اعتقد ان اتصالا من سماحة السيد حسن نصرالله يليّن قلب الرئيس بري، وان لم يستطع، فالأكيد ان اتصالا من نظيره الايراني الدكتور علي لاريجاني يشرح فيه اهمية الجنرال بالنسبة لمحور المقاومة ولدوره في حماية هذا المحور من قبل المسيحيين، كفيل بأن يغير في موقف بري. اما اذا ارفق كل ذلك بدعوات السيد القائد علي خامنئي للرئيس بري بطول العمر في ايام كربلاء المباركة، فذلك بالتأكيد سيكون له مفعول السحر، وسيكتشف الرئيس بري الكيمياء المفقودة بينه وبين شخص العماد عون ومزاجه.
alyalamine@gmail.com
البلد