إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
ِكانت الضرباتُ التي نفَّذتها قواتُ التحالف البريطاني – الأمريكي فجر الجمعة 12 يناير على المواقع والأهدافِ العسكرية الإيرانية في اليمن دخانية وصوتية إلى حد بعيد، برغم التهويل وكل ما قيلَ من انها اسفرت عن تدمير خُمس او رُبع الترسانة “الحوثية”.
ِوجاءت تلك الضربات بعد أن تَقصَّدت إدارةُ بايدن إبلاغَ المركز المستهدف،”طهران”، برسالةٍ خاصة عن الضربات، وتسريب ،تفاصيلها لتُنشَر صبيحة الخميس11 يناير في ابرز الصحف اللندنية والامريكية التي تحدثت عن ضربة مؤكدة في الليل. وقبل ذلك كانت اصابعُ طهران اليمنية قد تحسَّسَت كلَّ ما يدورُ في البحر الأحمر وتّمكَّنت من إخفاءِ منصاتِ الصواريخ المتحركة وتخزينها في مناطقَ متفرقة، وتمويهِ مخازن الأسلحة والطائرات المسَيَّرة وكلِ المواقع المرشحة للإستهداف.
لقد كانت أكذوبة مسلّحة كبرى ألحقت ضررا كبيرا باليمن واليمنيين بتلميعِها لصورة الميليشيات الإلهية البشعة التي اختطفت بلادهم، وتسويقها للحوثي كـ”بطلٍ” ينازلُ “الشيطانَ الأكبر” وجهاً لوجه في البحر، وذلك ما كان يتمناه بكل شغف، بحسب السفير الأمريكي السابق جيرالد فايرستاين، الذي قال: لقد اعطينا الحوثي ما كان يتمنّاه ويريدُهُ تماما.
..
نعم، ضربة خفيفة، فاتحة للشهية، ولا تندرج في إطار إستراتيجية تهدف إلى ضرب مركز القرار وقطع رأس الأذية.
وعلاوة على تسويق الحوثي كـ”بطل” في محور “المقاومة”، وهو محور شبكات الحرس الثوري الإيراني الطائفية المُسَلَّحة، فقد ارتفع منسوبُ الغطرسة والنشوة العربيدة والنَزَق لدى قياداتِ وعناصر الصدارة في الشبكة اليمنية للحرس الثوري، وصارت تتباهى بمنازلة جيوش ومدمرات وفرقاطات واساطيل العالم وقواه الكبرى َمع انها لا تجيد السباحة وكانت ولا زالت تكره البحر وتَستَدبِرُهُ في موروثها وطوالَ تاريخها وتاريخِ اسلافها لأنه يأتي بـ”الأجنبي”.
ولئن جرى استخدام شعار “التضامن مع غزة” وتوظيفُ “القضية الفلسطينية”، فإن الوقائع تنطق بغير ذلك لتقول: إيران هنا والآن… وقد قامت بتفعيل شبكتها في كل من العراق واليمن ولبنان، وضاعفت من تفعيلِ الشبكة اليمنية للتعويض عن خيبة وحراجة وضع بعبع لبنان”حزب الله”،ولتدوير الأنظار إلى البحر الأحمر للتخفيف عن شبكة “حماس” في غزة.
وبالمناسبة، فأن”القضية الفلسطينية” ليست حاضرة في خطاب الحوثي الا في مستواها الشَكلاني والشِعاراتي، وحتى عندما تعلن “الجماعة” عن فتحِ بابِ التبرُّع لغزة فإنها تفتح بابَ نهبِ اليمنيين الَمنكوبين لتضخيم ارصدتها.
من المفيد الإشارة هنا الى أنه حتى لو توقفت الحرب في غزة فلن تتوقف في الأحمر. فقد خرج القُمقم من المارد، وجميع المعطيات والمؤشرات تقطع بأن طهران تخوض مباراة حافة الهاوية للفوز بجائزة كبرى إسمها “باب الدموع”: بابُ المندب هو ما تريده إيران، وذلك أَخشى ما تُخشاهُ دولُ الخليج والسعودية بخاصة، وما ينبغي ان ترتعدُ منه فرائصُ العالم.
والحال إن شهية إمبراطورية الملالي -وهي أكثر الإمبرياليات الفِرعية توحُّشاُ وافتراسيّة– ما كان لها ان تنفتح على هذا النحو الشَرِه إلا على خلفية إدراكِها لِرخاوة وترنُّح عالم اليوم، ومن واقع خبرتها في التعامل معه في الأروقة والميادين و”الساحات”.
قبل ضربات 12 و13 يناير، كانت كل البيانات والتصريحات الصادرة عن واشنطن ولندن والدول الـ13 وغيرها تتوسل الحوثي ومن ورائه طهران عدمَ الإندفاع إلى ضرب السفن التجارية مُحَذِّرة من ان ذلك “لا يخدم المصالح الحيوية للحوثي”. ولم ينفع التوسُّلُ، كما لم تنفع تصريحات التهديد والوعيد في الحيلولة دون تدشينِهِ لعمليات خطف وقصف السفن واحتجاز البحارة من 19 ديسمبر، وتصعيد الضربات وتوسيع نطاقها في البحرين: الأحمر والعربي، واطلاق الصواريخ البالستية والطائرات المُسَيَّرة بالعشرات إلى أن غَدا البحرُ الأحمر أحمراً على نحو مهووول.
لقد صارت عمليةُ رشقِ السفن التجارية رياضةً يومية بالنسبة لأصابع إيران اليمنية. واتّضحَ أن المخزونَ كبير وكثير، وان عملية الإعداد للمنازلة البحرية قد بدأت من عشيَّةِ انقلاب الحوثي وسيطرته على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، حيث حرِصَ خبراءُ “الحرس الثوري” و”حزب الله” على التحكُّمِ بمطارِ صنعاء وميناءِ الحديدة من اول وهلة.
إنَّ أصلَ البلاء والحرائق التي تضطرم في البحر الأحمر يرجعُ إلى خِفَّةِ الدولةِ العظمى في التعاملِ مع مصيرِ البلد الذي صار يُهدِّد اقتصادَ العالم وينذرُ بأشعالِ العالم.
لقد اصرت واشنطن على ان تتربع عرش الخفة في هذا العالم. وليس ثمة من ينافس امريكا الا امريكا في هذا المضمار، خاصةً في مستوى تعاطيها َمع حالة اليمن والحالة الحوثية…. ففي 11 يناير 2021، اعلن “مايك بومبيو”، وزير الخارجية الأمريكي السابق، إِدراجَ الحوثيين على لوائح الارهاب. وبعد مضي 31 يوما اعلن وزير الخارجية الحالي “توني بلينكن” إِخراجَ “الجماعة” من لوائح الإرهاب. ومساء امس الأربعاء 17 يناير، عاد “بلينكن” ليعلنَ ادراجَ الجماعة في اللوائح إياها. فأيُّ خفة يا ترى بعد هذه الخفة التي لا تحتملها بحارُ ومحيطات الدنيا، ما بالكم بالبحرِ الأحمر.
إزاء ذلك كانت ولا زالت اصابع ايران تنتشي وتسكر، وتقابل الخفة بالمزيد من النزق والحرائق.
….ولنا مواصلة.
انفصال بنغلادش عن باكستان يثبت على نحو ساطع ان القومية اقوى من الدين والمحاور والاصطفافات والتحالفات السياسية .. فغالبية اكراد وعرب ايران “الاحواز” شيعة؛ ابان الغزو الأمريكي للعراق اجتمع الزعيم الكردي جلال الطالباني على الحدود بقاسم سليماني واسفر اللقاء عن تحالف إستراتيجي مثمر؛ ففي ظل العقوبات على ايران فاءن حجم تهريب السلع الغربية من سيارات والكترونيات من كردستان لإيران يصل الى ١٢$ مليار سنويا؛ كما ان اربيل – وليس إسرائيل او العراق او قطر او الإمارات – من يستضيف القاعدة الأمريكية التي تشرف على امن وتجارة الشرق الأوسط؛ عن اجتماعه بسليماني قال طالباني “انها دكتاتورية الجغرافيا؛ فلا تستطيع كردستان الانتقال… قراءة المزيد ..