حجم العداء الذي يتعاظم بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية مرشح الى المزيد في المرحلة المقبلة. ويمكن القول ان حرب اليمن لم تكن لتنفجر كما هي الحال اليوم لو لم تستشعر المملكة خطراً إيرانيا مباشراً على اراضيها. إذ تبنت إيران صراحة انقلاب الحوثيين واحتفت قيادات في الحرس الثوري بأن صنعاء تحت سيطرتها، وربط خط طيران مباشر طهران بصنعاء. ولنتذكر أن التدخل المصري في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم يدفع القيادة السعودية الى ردّ فعل عسكري كما اليوم.
إذا التحرك السعودي بهذا الزخم السياسي والعسكري غير المسبوق يعكس في جوهره تلمس الحكومة السعودية ان الخطر بات يتجاوز موضوع الحكم والنظام في اليمن، الى ما هو ابعد من ذلك، ايّ أن ثمة خطراً جدّياً على المملكة. الدعم الايراني للانقلاب وتباهي القيادات الايرانية العلني بدورها في ضرب المبادرة الخليجية هو ما ادى الى هذا الغضب السعودي، ووفّر الذريعة لتجاوب ابرز تسع دول عربية واسلامية.
وما يفسر عنصر المفاجأة في ضربات “عاصفة الحزم” هو ان ايران (وغيرها) في قراءتها للسلوك السياسي والعسكري السعودي تاريخياً، تتجنب بل تحاذر الخوض في حروب عسكرية مباشرة. وكان بعض الايرانيين يرددون مقولات مثل: “اصحاب الدشاديش ليس لهم شأن في القتال“. فكيف في قيادة الطائرت وادارة اكبر غرفة عمليات عسكرية جويّة في العالم.
الحرب لم تزل في بداياتها، انطلاقا من انّ اليمن هو ساحة من ساحات القتال بين ايران والسعودية. وهي أمنت غطاء دوليا بقرار مجلس الأمن الذي وضع القيادة الحوثية والرئيس المخلوع في خانة الخارجين على الشرعية اليمنية والدولية. وبعد الغطاء العربي والاقليمي الذي وفرته لعاصفة الحزم، تتجه نحو مواجهة واسعة ومفتوحة مرشحة الى مزيد من مظاهر العداء. ويشير متابعون لحيثيات القرار السعودي الى ان المواجهة مع “الحرس الثوري” في المنطقة العربية لن تتوقف حتى اقتناع ايران بأن سياساتها في المنطقة العربية كانت وبالاً عليها كما هي على الدول العربية.
الخيار العسكري السعودي في مواجهة ايران ليس مرفوضاً اميركياً، ولا الوجود الايراني ونفوذه في سورية والعراق ولبنان. فالساحة العربية متروكة اميركياً الى حدّ بعيد لتتوازن على شروط القوة الاقليمية. من هنا فخطورة القرار السعودي في مواجهة نفوذ ايران أنه لن يتوقف الاّ بهزيمة سعودية. وهو احتمال ضئيل في ظل الالتفاف الاقليمي والدولي والشعبي حول “عاصفة الحزم”… او بانتصار سعودي يلبي مطلبا شعبياً سنّيا بتحقيق غلبة على ايران في الميدان العربي. فالرياض تدرك أنّ المعركة وجودية بالنسبة اليها، كما هي بالنسبة الى النظام الاقليمي العربي الذي تطمح الرياض لتكون من وضع قواعده الجديدة لعقود آتية.
وقرقعة السلاح ستدفع نحو مزيد من استخدام العنصر المذهبي بالمواجهة. فكما نجحت ايران في دمج معظم الشيعة العرب بمشروعها السياسي والاقليمي، فإن السعودية قادرة في المقابل على استثمار الغضب السني في العراق وسورية ضمن المواجهة. ويعتقد كثيرون، منهم قريبون من بعض دوائر القرار الاميركي، أن حجم النفوذ الايراني الحالي في المنطقة العربية غير قابل للصرف سياسياً.
في الخلاصة ستشهد المرحلة المقبلة مزيداً من النفور المذهبي، والمزيد من المواجهة التي ستدفع الشيعة بالدول العربية الى المزيد من الانخراط في القتال الايراني. علما ان الحرس الثوري نجح في اعداد قوى عسكرية وميليشياوية شيعية في اكثر من دولة تأتمر بإمرته. ونجح قاسم سليماني في ترسيخ الايديولوجيا المذهبية فيها، الى حدّ يمكن ان يجلس في طهران من دون ان يشعر بقلق ما دامت الحرب خارج حدود بلاده، وما دام الضحايا مستعدين للقتال باسم المذهب.
هكذا آل النفوذ الايراني في المنطقة العربية من مشروع التبشير بالثورة الاسلامية ومن “نصرة المستضعفين على المستكبرين” الى مشروع لا يستطيع ان يستقطب مناصرين الا على اساس العصب المذهبي في سبيل قضية حماية الشيعة من السنّة او من “الارهاب التكفيري والوهابي”. يمكن لقادة الحرس الثوري في ايران اليوم ولقاسم سليماني ان يفتخروا بإنهاء حلم الامام الخميني بمشروع الوحدة الاسلامية، بعدما صار قصارى طموح الحرس الثوري ولاء الشيعة العرب له وتحويلهم الى طائفة، ولو على حساب تفتيت المجتمعات العربية وتمزيقها.. رحم الله الامام محمد مهدي شمس الدين.
alyalamine@gmail.com
البلد