الحور العين للجنة في السماء وعروض الزواج أو الجنس للجنة الارضية
في هذه الحرب العالمية، من الارهاب وعليه، لعبت وسائل الاتصال الاجتماعية والتقنيات الحديثة دوراً مفصلياً وخصوصاً الفايسبوك، سواء في الترويج او التسويق من اجل التجنيد. يستخدمونه لتبادل المعلومات ولتشجيع الفئات المستهدفة على الانضمام اليهم.
يلجؤون الى جميع الوسائل والأساليب للترغيب تساعدهم في ذلك ما تقدمه الدعاية الاسلاموية من متنفس لشعور الشبيبة بالإحباط، اذ تعدهم بشكل من اشكال الصعود الاجتماعي الباهر، ليصبح واحدهم شهيداً وبطلا للإسلام عبر فتاويها الافتراضية والواقعية السهلة! وهم الذين يتخبطون في مأزق هوية. وما يصح في الغرب يصح اكثر في فلسطين وفي العالم العربي والاسلامي. و”لأنني أحب ابني شجعته على ان يموت شهيدا”. يأتي دور الدعاية لإضفاء الشرعية الدينية على هذه العمليات مستخدمين صيغة الاستشهاد وليس الانتحار. وتشكل ال 70 من عذراوات الحور العين في “الجنة الموعودة”، المكافأة الذكورية الفخرية لنضالهم في مجتمع لا يزال يجد فيه من يمجد الذكورة وتطغى عليه البطريركية.
ومن المكافآت الإضافية للجنة الموعودة، الجنة الأرضية الآن وحالاً وليس الجنس المرافق للمغامرة أقلها. تبرع داعش في استخدام الفتيات المسلمات الغربيات الملحقات بها أو المخدوعات كوسيلة إعلامية تسويقية خطيرة لزيادة جاذبيتها وقدرتها على تجنيد المزيد من الشباب المتطوعين. وبحسب خبراء في الارهاب، فإن 50 سيدة وفتاة بريطانية سافرن الى سوريا والعراق للزواج من جهاديين. وتفيد التقارير انهن يقمن بذلك بعد تقديم عروض مغرية للزواج يقوم بها أمراء الحرب لاستدراجهن عبر الفايسبوك. ايضاً للمتدينات منهن ينشر تنظيم داعش رسائل مفتوحة للجمهور باللغتين الإنكليزية والعربية على مواقع التواصل الإجتماعي فيسبوك وتويتر مع أشرطة الفيديو الدعائية. وبحسب مجلة «تايم» فإن النساء تنجذب لداعش من خلال هذا النوع من الحملات التي يشنها التنظيم مرفقاً معها وعود بالزواج من مجاهدين أتقياء في دولة إسلامية حقيقية، وهو ما يعطيهن فرصة لتكريس حياتهن لدينهن وإلههن.
لكن هناك أيضاً تصوير نمط حياة يحقق رغبات وميول البعض بالقيام بمغامرة عاطفية بشكل عام وجنسية بشكل خاص ومنهن من يقمن بذلك بعد قصة حب الكترونية. وهذا ما نقلته «واشنطن بوست» عن الباحثة البريطانية ميلاني سميث، التي تهتم بـ 21 من حالات هؤلاء النساء. إن محادثاتهن على تويتر تكشف الكثير عن الدوافع التي تشجع هاته النسوء ليصبحن «زوجات للمجاهدين.. فهن يذهبن من أجل المغامرة.. مثلهن مثل الشباب». والكثير منهن غربيات ويذكر ان احداهن كانت مغنية في فرقة موسيقية. ولمن يرغبن بمغامرات ذات طابع أمني مختلف فهناك “الشرطة” النسائية الداعشية لذلك. بعض التقارير تفيد ان هذه الدعاية المضللة تستغل الفتيات والفتيان، الذين يجدون انفسهم في مصيدة يصعب الخلاص منها.
أخيراً فيما يتعلق بمسألة التحاق النساء بداعش بهذه السهولة لا يمكن أن نغفل العلاقة المتأزمة بين الجنسين في الغرب بشكل عام وبوادرها في الشرق. هناك خلط للأدوار وارتباك في تنظيم نمط العلاقة بين الجنسين سواء من الناحية العاطفية والمادية او الأدوار الوالدية والعمل المنزلي الخ.. إذن لا يمكن عدم اعتبار انتشار ظاهرة المثلية كمؤشر لهذا التأزم بين الجنسين. من هنا يتشكل في وعي او بالأحرى لاوعي هؤلاء الفتيات الربط بين شباب داعش المنتسبين الى تراث إسلامي مغرق في القدم وبين صورة الرجل الشرقي كممثل للرجولة والذكورة التقليديين التي لم تعد متوفرة كثيراً في هذه الأيام. انهن يبحثن عن وهم “الرجل الرجل” او الفارس الشرقي كما في خيال المراهقات…
خلاصة:
خلفية داعش
صدمتان شكلتا الوعي العربي الراهن، الصدمة الاولى انتجتها ما سمي بالنكبة، أي احتلال فلسطين وقيام الدولة الاسرائيلية. شكلت هذه الصدمة ذريعة لعسكرة المجتمعات العربية عبر الانقلابات العسكرية المموهة باسم “الثورات” وأدّت الى الحكم عبر الأجهزة الامنية وسيادة قوانين الطوارئ فتدهورت التنمية وتم القضاء على جميع أنواع الحريات وضياع الحقوق وتدهور الاوضاع التربوية. أوصل هذا استقرار الاستبداد بمباركة من الغرب، الأمر الذي اعتقد أنه الى الأبد وسمّي بالاستبداد الشرقي.
اما الصدمة الثانية فكانت جراء الثورة الايرانية وما نتج عنها من إحياء لاتجاهات حركات “الاسلام السياسي” وتعميق تأثيراتها في الثمانينيات والتسعينيات وما نتج وينتج عنها من إعادة إحياء للصراع السني – الشيعي بطريقة غير مسبوقة خصوصاً في ظل انكشاف سياسة الهيمنة الايرانية على المنطقة العربية وتجزئتها اذا تعذرت الهيمنة؛ انطلاقاً من لبنان وصولاً الى اليمن مروراً بسوريا والبحرين والعراق.
كان لانطلاق الثورات العربية وقع الصدمة على الغرب عموماً؛ بعد فترة الضياع الاولى تمت مساندة الثورات شكليا لحفظ ماء وجه الشعارات والقيم الانسانية التي ينسبها الغرب الديموقراطي الى نفسه. المساندة الشكلية ظهرت في الاستماتة بمساعدة الاخوان بكل السبل للوصول الى الحكم ففي ذلك استكمال للسيناريو المفترض: دولة شيعية تقابلها دولة سنية ما يعطي الشرعية لدولة يهودية ودويلات متناسلة.. لكن فشل هذا السيناريو في مصر ربما ساعد على تسريع استعادة الخطة التقليدية التي اعتمدت لمواجهة الاتحاد السوفياتي. مع الوقت تم تجميع خلطة الرد بدءاً من تشجيع بقاء الاسد وسياسته في انعاش الارهاب الأصولي الى ان تم الإعداد لإرساء سياسة التفكيك في ظل “حروب” يطلق عليها زرواً “أهلية”. كانت السياسة الاميركية في العراق قد مهدت لذلك بالمجيء بالمالكي وسياسته المذهبية وعمالته الايرانية بالرغم من فوز علاوي. داعش آخر عناقيد الارهاب الذي تفعّل وانتشر تحت مسميات عدة وبمراقبة غربية واميركية “تزعم” محاربته. الآن داعش وحدها هي الشر المطلق ويتم التعامل معها كأنها هبطت فجأة من السماء!!
بحسب فرنسوا بورغا داعش لم تأت بجديد على مستوى ممارسة العنف، الجديد الذي يميّز داعش كونها فاعل اقليمي، سياسي وعسكري في نفس الوقت ويمكنها تقديم نفسها كمتخففة من أي ولاء مباشر او بالواسطة، للعرب او للغربيين او لإيران. نضيف على الأقل شكلياً وظاهرياً. ويكمل بورغا ان في هذه الجدة قوة ودعم لها وهو ما يشكل احد أهم اوجه جاذبيتها. السمة الثانية هي انه للمرة الاولى نجد ان مجموعة مسلحة راديكالية تحصل على دعم وثقة جزء على الاقل من المواطنين (العراقيين السنة). وهم بذلك تمكنوا لأول مرة من الحصول على ركيزة على الارض مع وسائل عسكرية وتمويل يمكن مقارنته بما يشبه الدولة.
وهو يتابع ان الدولة الاسلامية لم ترتكب عنفاً، لا على الصعيد الفردي ولا الجماعي، أكبر من العنف الممارس من الآخرين، وخاصة النظام السوري الذي قتل مئات الآلاف وعذب الآلاف. لكنه ينفي هذا العنف وينكره ويحمّله لخصومه. بينما تجاهر داعش بعنفها وتفخر به وتجعله أحد ركائز تواصلها. انها وسيلة تواصل الضعيف. عندما نكون اقوياء لا نحتاج لإخافة العدو.
كما ان قطع الرقاب والذبح لا يعد جديد داعش إذ سبق ان مارسته مدرسة العنف العراقية بإشراف المالكي اذا أمكن القول.
في مقال معبر بعنوان الفيلة آتون بقلم عاموس جلبوع يلخص الكاتب سيرة القوى العظمى مع الارهاب، منذ افتتاح الاتحاد السوفياتي للموضة عند اجتياحه افغانستان في العام 1979 فنتج عنه القاعدة وتلاه اجتياح الفيل الصغير (اسرائيل) للبنان فنتج عنه حزب الله، واجتياح الفيل العملاق(اميركا) للعراق فنتج عنه داعش… وفي جميع الحالات تنسحب الفيلة فتزداد شكيمة الارهاب وتتعمق كراهية الغرب.
وبعيداً عن مقولة المؤامرة العتيدة، فهل يمكن ان يصدق عاقل ان داعش لا تتلقى مساعدة من اجهزة مخابراتية ما؟؟؟ أو انها غير مخترقة من عدد من الجهات أو انها تلقت تدريبات وتتلقى مساعدات لوجستية معينة في كل حركة مناسبة لمن يملك روزنامة ما؟ وهل يمكن فصل مخططات داعش عن مصادر الطاقة في المنطقة؟ وهناك دراسات تبين خط امتداد داعش بما يتلاءم مع خط امتداد الطاقة وخاصة انبوب الغاز المزمع مده من الخليج الى المتوسط
هناك عوامل موضوعية تتعلق بالمنطقة وتاريخها وتراثها تساعد في بروز وانتشار هذا الشكل من الظواهر وفي هذا الوقت وليس غيره او في توقيت آخر.
يمكن أن نجد تفسيراً لخروج الارهاب اقوى واكثر تجذرا بعد كل محطة في نظرية رينيه جيرارد المعروفة بالمحاكاتية mimetisme التي حاول تفسير العنف على اساسها في كتبه؟
في تعليقه على كتاب “في الحرب” لكلاوزفيتس (1780-1831) غير الناجز يدخل قطيعة راديكالية في ادراك العلاقات الانسانية: العنف، في هذه العلاقات لا يرجع الى هذا الفرد او ذاك لكنه يقع بين الافراد. فالأفراد يقضون حياتهم في التبادل، فالمبادلة تلعب دورا جوهرياً في العلاقات البشرية. لكن هذا التبادل لا يحصل بطريقة ميكانيكية كما في كرات البليارد، فهو يتطلب تأويلاً من كل طرف. ولكل منهما تأويله المختلف. وغالباً ما ينزلق سوء الفهم بينهما خلال هذه العملية. ونفس الامر يحصل بين الدول: من هنا تطلب التبادل الى الجهد الدبلوماسي للتغلب على سوء التفاهم. وما يميز علاقات البشر الوصول الى تصعيد المتبادل حدّ التطرف. فكل طرف يعيد انتاج موقف الآخر، انها نسخة طبق الاصل من الطريقة التي يتصرف بها الآخر على المستوى اللاواعي.
وهذا ما تفسره الفكرة الأساسية من نظريته حول المحاكاة. البشر تحركهم رغبة المحاكاة مما يؤدي الى تصاعد العنف. ولقد قام بتنظيره للعنف في عمله الاول. البشر يقلدون نماذج لكي يتشبهون بها، باحثين عن اكتساب الشيء الاساسي عند الشخص المرغوب. وبما ان هذا الغرض غير قابل للمشاركة، يصبح واحدهما عقبة للآخر: ان المنافسة المحاكاتية تنتشر في الجماعات وتتحلل لتغرق في دوامة العنف.
واذا كان ما تم عرضه هنا دقيقا تصبح داعش هي قمة جبل الجليد المتراكم، والذي حاولت كسره الثورات وفشلت حتى الآن. إنها ردة الفعل المركبة على ردود فعل متعددة الاتجاهات ومتراكمة. الصهيونية انتعشت وعرفت مجدها انطلاقاً من الدينامية التي أطلقتها النازية وما نتج عن ذلك وكيف تمت مجابهتها. وأنظمة الاستبداد كانت الاستجابة الاولى للتحدي الصهيوني والاستعماري. الحركات الاسلامية هي ردة الفعل على تلك الاستجابة وعلى الثورة الايرانية لاحقاً والتي في جزء منها رد على الوهابية وهكذا.. وداعش هي في جزء منها ردة فعل على الصهيونية التي اتت كرد على النازية وعلى ما تبعها من سلسلة الاستجابات. أنها نتاج الرد الذي أسميته “توحش التوحش”. فهي ترد عبر “المحاكاة” او mimetisme على النازية والفاشية وعلى الصهيونية وعلى الملالي وعلى الاسلام السياسي وعلى الوهابية…
انهم الاستجابة العصرية المعولمة المحاكاتية للعنف المتسلسل منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن.
محاربتهم لا تكون في قصفهم الاستنسابي المتقطع الحاصل ولا على المستوى العسكري فقط وحصرياً. علينا أن نسأل انفسنا ما الذي يمكن يجعل حياة الشاب العربي والمسلم جديرة بأن تعاش قبل ان يرمي بنفسه في أحضان داعش ومثيلاتها؟
هل يمكن ان نتخيل أن شخصاً سعيداً محفوظ الكرامة والحقوق يمكن ان يقتل نفسه انتقاما او لكي يزهق ارواح البشر؟ يجب ان نجعل الحياة تستحق ان تعاش كي نقضي على جذور الارهاب.
اليست المساعدة على التنمية هي البديل بدل حصرية الحلول العسكرية التي تستنزف شعوب العالم النامية؟ لوان التحالف الذي يرمي أطنان الصواريخ والأسلحة المتفجرة على رؤوس البشر قد خصص جزءا بسيطا ربما لا يتجاوز العشرة بالمئة من قيمتها لتحسين حياتهم لكان ساهم بمواجهة الارهاب بطريقة اكثر فعالية، ولكن من يشغل مصانع السلاح الامبريالي حينها؟
اعتقد ان مشكلتنا تكمن في أن البعض لا يزال يرى في أشعار نزار قباني لسان حاله، مع إضافة التحدي الايراني الى التحدي الاسرائيلي، فلنتأمل بها قليلاً:
لم يبق من يقول (لا) …
في وجه من تنازلوا
عن بيتنا .. وخبزنا .. وزيتنا …
وحولوا تاريخنا الزاهي…
إلى دكان !!
متهمون نحن بالإرهاب …
أذا رفضنا موتنا …
بجرافات إسرائيل …
تنكش في ترابنا …
تنكش في تاريخنا …
تنكش في إنجيلنا …
تنكش في قرآننا …
تنكش في تراب أنبيائنا …
إن كان هذا ذنبنا
ما أجمل الإرهاب ….
هل الإرهاب ظاهرة معولمة (5/4)