لدى داعش من المهارة والفطنة ما يجعلها تستغل ميل الإنسانية العام نحو رفض العنف وإدانته كي تستخدمه سلاحها المفضل، فترمي الخوف والرعب مع الاشمئزاز في القلوب من أجل إضعاف “العدو ومقاومته” ومن أجل ممارسة دعاية مجانية كي تنتشر عالمياً.
لقد أثبتت داعش مهارة فائقة على الصعيد الاعلامي؛ فقدرتها على استخدام التقنيات الحديثة وتطبيقها على أفضل وجه لطرائق الحرب النفسية والبروباغندا فاقت قدرة النظام السوري ومن خلفه حليفيه الروسي والايراني. تقدم خلطة متوازنة شديدة التأثير لجذب انتباه الرأي العام العالمي وللقيام بالدعاية لنفسها من ناحية وللتأثير على الشبيبة وجلبها الى حظيرتها المليئة بالمفاجآت وجميع أنواع المغامرات وكل ما يجذب الشباب الضائع المحبط أو ذلك الذي لديه مشاكل مع مجتمعه او الباحث فقط عن مغامرة.
لقد نجحت داعش في استقطاب أكثر من 12 ألفاً (يتراوح تقديرهم من 12الى 15) من المقاتلين الأجانب بحسب الخبير البريطاني ريتشارد باريت، وهو رقم يتجاوز عدد الذين وفدوا الى افغانستان طوال فترة احتلالها من قبل الاتحاد السوفياتي. وينتمي هؤلاء الى 80 دولة حول العالم. وهم يمثلون نسبة مهمة من تركيبة التنظيم. انه أكثر التنظيمات عولمة حتى الآن. والكثير منهم من المتحولين الى الاسلام، أي مقاتلين أجانب لعبت المراكز الاسلامية في الغرب دوراً في استقطابهم، ومنهم مجرمون سابقون او قريبون من مركز الجريمة. فلقد ساعد الفايسبوك المقاتلين الاجانب عبر تبادل المعلومات وسرد خبراتهم القتالية على تشجيع شباب في نفس الوضعية للانضمام اليهم.
السلطات الغربية قلقة بسبب استخدامهم للتقنيات الحديثة. وتشير كيف ان الناشطين الاوروبيين يقدمون قتالهم في صفوف داعش وكأنه الجنة؛ فالصور التي توزع على الانترنت تظهر المقاتلين مبتسمين يتشاركون الصور على الهواتف النقالة او يتقاسمون البيتزا في أحد البيوت الفخمة المصادرة دون الاشارة الى ايديولوجيتهم الصارمة.
في تقرير لصحيفة التايمز يتبين ان “الجهاديين البريطانيين الأكثر غنى وتعليماً من نظرائهم الأوروبيين، إضافة الى أن سجلهم الاجرامي يقتصر على قضايا تتعلق بالمخدرات أو جرائم بسيطة”. ويشير التقرير اعتماداً على نتائج دراسة أشرف عليها شيراز ماهر أن “المقاتل البريطاني يتراوح عمره بين 18 – 24 عاماً وحاصل على شهادة مدرسية، كما أن البعض منهم من حاملي الشهادات الجامعية”، مضيفاً أن أغلبيتهم كانوا ناشطين في جمعيات تعنى بقضايا المسلمين العالمية مثل القضية الفلسطينية.
وكشفت الدراسة أن الجهاديين البريطانيين يأتون من أصول جنوب آسيوية، بينما نظراؤهم الأوروبيون من شمال افريقيا.
أبطال حرب عصابات في ثقافات مأزومة
ان قدرة الاصولية الاسلامية على كسب انصار لها، متجاوزة الحدود والطبقات والبلدان، هي علامة على “اسلام معولم” على حد تعبير لوروا. ويحلل الباحث الاصولية الاسلامية باعتبارها “عامل فك ارتباط ثقافي” بفعل رجوعها الى أمة متخيلة، فيما يتعدى الفوارق العرقية والثقافية واللغوية. وهو يتحدث حتى عن “أمة افتراضية” ليشير الى الاصوليين الجدد مستخدمو الانترنت.
هذه المعاينة صحيحة ولكنها تصدق على كل حركة اجتماعية وكل ايديولوجيا مروجة في عالم تُيسّر فيه وسائل الاعلام والانترنت التبادلات واثارة إشكالية الهوية والتماهي.
لذا يمكن الاتفاق مع أولفييه روا ان “الدولة الاسلامة” تعبير عن “هوام هائل” أكثر مما هو ايديولوجيا سياسية حقيقية. ظاهرة توحي بوجود أزمة ثقافات عميقة سواء في الشرق او في الغرب. وبعد أن كانوا حالات فردية متفرقة صار هناك عائلات متورطة وهي ظاهرة لها معنى خاص. هذا الميل لإدخال عامل التأنيث أمر ذو مغزى لأنه يتعارض مع الأسس الانتروبولوجية لمرجعيتهم الاسلامية. وهذا تعبير عن الأزمة التي تمر بها الثقافة والحضارة الاسلاميتين.
وإن دل حديث المراهق الاسترالي الذي انضمّ الى داعش حديثاً وظهوره في شريط فيديو يحذّر فيه آبوت وأوباما “سنصل دياركم” ونرفع علم داعش على قصر باكينغهام والبيت الابيض على شيء فعلى رغبة الجيل الجديد بالنضال عبر خوض معارك بطولية ودفاعاً عن “قضية”.
ذلك ما يجعلهم مجرد شباب يبحثون عن حرب العصابات guerilla خاصتهم، مثل جيل الستينات. الثورة كانت حينها قضية الشباب أما الآن فالجهاد العالمي كما يشير المؤرخ فيصل دفجي انه فيما عدا انهم يقتلون فلا وجود لفروقات أساسية بين مناضلي السابق وهؤلاء. انهم مناضلو الكون المعولم، غجر مقتلعون على حد تعبير لوروا. ولفهمهم أفضل يمكن التذكير كنموذج بالمجزرة التي ارتكبت في ثانوية كولومبين عام 1999 وأمثالها. انهم مجرد شبان ينغمسون في العنف الذي يدمّرهم ذاتياً. في الشرق كما في الغرب، هناك شبيبة عدمية انتحارية. ربما يعطيهم الاسلام بعداً صوفياً، اسم لقضية. في الوقت الراهن الجهاد هو القضية الوحيدة الموجودة في السوق.
وعلى رأي لوروا المشكلة ان غالبية الناس لا يريدون رؤية المشترك بل الاختلافات فقط. حيث يتم اللجوء الى صدمة الثقافات دون ادراك الجانب العالمي لظاهرة هذا الصراع. انه نفس العارض للانهيار الثقافي العام. المشكلة الآن ان الثقافات لم تختف لكن يتم التضحية بها على مذبح الهويات؛ ففي اللحظة التي ننادي فيها بالهوية نفقد الثقافة. وهذا ينطبق برأيه على مناضلي اليمين الفرنسي الذين في دفاعهم عن “الهوية الفرنسية” عبر تنظمهم مظاهرات تحت شعار “مقانق، نبيذ أحمر” ينكرون أسس الثقافة الفرنسية، أدبها وتاريخها. ان هذا التموضع على مستوى الرموز والكودات يبرهن الى أي درجة جميع الثقافات مأزومة .
انهم متنوعون ولا يشكلون حالة متجانسة
إضافة الى أن عدد معتنقي الاسلام بين الجهاديين كبير جداً يتراوح بين 20 و25% يتكلمون الانجليزية بطلاقة. وهذا ما يدعمه مصدر في الشرطة الفرنسية إن “ثلثي الاشخاص الذين غرقوا في ايديولوجيات التشدد الاسلامية عبر الانترنت لم يكونوا معروفين لدى اجهزة الاستخبارات، وهذه الظاهرة في ازدياد سريع، وبدأت تطاول اكثر فأكثر الاناث”.
ويخلص هذا المصدر أن “التربية الدينية لم تعد ضرورية”. والدليل على ذلك اننا نشاهد احيانًا تعليقات من هؤلاء الشبان من نوع “انا آخر همي الاسلام، انني أقوم بجهادي الشخصي”. وهكذا يتم التسويق لتنظيم الدولة الاسلامية على أنه الجنة المنتظرة حيث الاموال متوافرة بكثرة.
مع ذلك سنحاول تلمس خصوصيات المجاهدين “زبائن القضية الجديدة” في السوق العالمي. في سياق محاولة الاجابة على سؤال لماذا يذهبون الى داعش؟ حاول الصحافي الاسرائيلي ران أدلست الاجابة تحت عنوان “المحبطون يذهبون إلى داعش”، فهي صمام تنفيس لإحباطاتهم وموضع مغامرة يمكن الانطلاق منها للوصول الى المجد عبر مغامرة مليئة بالانفعالات. فشاب عربي متوسط يعيش في دولة سدت افقه للعمل، حطمت له ولذويه الهوية الوطنية والاجتماعية، وحتى المخرج الهرموني تسده التقاليد. هذا شاب صورته الرجولية محطمة مقارنة بالشاب الاسرائيلي في عمره الذي يخدم في الجيش (أو أي شاب في دولة تنتمي الى العالم الأول)، وتقاليد الاسلام والعروبة لديه مقموعة في كل العالم ولا سيما في وطنه، في اسرائيل. عندما يصل الى داعش، تكون لديه بندقية خاصة به. ويتابع في مكان آخر ان الشاب الاسرائيلي يمارس اطلاق النار أثناء الخدمة العسكرية والتي تفتقد نسبة 99% منها الى غاية أو هدف. فهي ليست من اجل القتل بالذات، ولكن بقدر اكبر من أجل النزعة الرجولية ومعنى الأمن الذي تمنحه. هذا معناه انها للتنفيس عن العنف الداخلي.
يتبع