مرة أخرى نجد أنفسنا في ذروة حمى الانتخابات في دولة “القومية” اليهودية، دولة تعتبر أن اليهودي فيها يأتي “فوق الجميع”. ولديّ أخبار سيئة للثنائي السياسي الجديد هيرتسوغ [زعيم حزب العمل] وليفني. ففي رأيي أنه إذا لم يغير هذا المعسكر الذي يتطلع إلى الوصول للسلطة برنامج عمله السياسي، فإن بنيامين نتنياهو واليمين يستطيعون النوم بسلام من دون قلق.
في أوقات متباعدة أتلقى اتصالاً هاتفياً من أحد السياسيين بعد مقال ما نشرته في هذه الصحيفة. وقد جرى حديث من هذا النوع قبل الانتخابات الماضية في أعقاب مقال دعوت فيه المواطنين العرب إلى مقاطعة الانتخابات. وهذا الحديث لم يكن مع سياسي عربي بل هو تحديداً مع شخص يهودي.
فقد اتصلت بي تسيبي ليفني زعيمة حزب “هتنوعا” [الحركة] آنذاك، وقالت لي إنها غالباً ما توافقني على آرائي لكنها تختلف معي في تلك المرة، وأضافت “هذه المرة من المهم جداً المشاركة في التصويت من أجل انتخاب حكومة أخرى ورئيس حكومة آخر”.
والنهاية معروفة، فقد أصبحت ليفني عضواً في الحكومة، وظلت في حضن نتنياهو الدافىء إلى أن قرر طردها خارجاً وسارع إلى إعلام المجتمع الإسرائيلي بذلك في مؤتمر صحافي.
وبذلك يكون الكلام الذي قلته لتسيبي ليفني آنذاك صحيحاً اليوم أضعافاً مضاعفة. فما دام الحكم في إسرائيل قائماً على النقاء اليهودي، فليس للعرب ما يبحثون عنه في الكنيست. وأعضاء الكنيست العرب يُستخدمون كورقة توت من أجل ستر عورة الأبرتهايد الإسرائيلي، لذا يتعين على جميع المواطنين العرب مقاطعة الانتخابات.
صحيح أن عدداً من السياسيين العرب الشعبويين سارعوا إلى الادعاء بعد رفع نسبة الحسم أن هذا القرار يستهدف قطع الطريق أمام العرب إلى الكنيست، لكن هذه حجة حمقاء، لأن الأعضاء العرب في الكنيست معزولون منذ زمن طويل، فلا أحد يأخذهم في اعتباره، وهم لم يشكلوا يوماً جزءاً من أي ائتلاف، ولم يكونوا شركاء في السلطة ولم يتولوا مهمة تنفيذية.
ويجب أن يكون قادة الدولة الصهيونية أغبياء بالكامل كي يتخلوا عن الخدمة القيمة التي يقدمها لهم أعضاء الكنيست العرب مقابل ثمن زهيد. فمشاركة العرب في الانتخابات تستخدمها إسرائيل مثل حبة دواء كاذب من أجل تهدئة الجمهور العربي المحشور في الزاوية على جميع الأصعدة، ومن أجل إظهار إسرائيل على الساحة الدولية كدولة ديمقراطية تمنح مواطنيها العرب مقاعد في البرلمان وتعطيهم إمكانية إسماع أصواتهم.
يتحدث العرب في الكنيست إلى جدران صماء. والصرخة الحقيقية للمواطنين العرب يمكن سماعها فقط خارج هذه الجدران، وينبغي التوجه إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للمطالبة بالحماية من المعاملة السيئة التي تمارسها السلطة الأثنية حيال السكان العرب في إسرائيل.
وبالتأكيد، فإن تأثير الاستنجاد بالمجتمع الدولي أكبر بكثير. لذا يجب أن نقول بصورة واضحة إنه إذا لم يغير زعماء الأغلبية “القومية” لهجتهم ومضمون تفكيرهم، فإن 20 % من سكان الدولة [من العرب] سيظلون مبعدين عن أروقة الحكم، وليس لهم بالتالي ما يبحثون عنه في الكنيست. والفتات الذي يحصل عليه المواطن العربي سيحصل عليه من دون الأعضاء العرب. فهذه مصلحة واضحة للحكم. وإذا أصر العرب برغم هذا كله على المشاركة في هذه اللعبة المكشوفة،
فقد حان الوقت كي يحاسب ممثلوهم جميع الذين يتطلعون إلى تكليفهم بتشكيل الحكومة. فقد سُمع يتسحاق هرتسوغ في الفترة الأخيرة يتحدث عن إمكانية تأليف حكومة تدعمها الأحزاب العربية، بالطبع من الخارج.
يتعين علينا أن نقول للثنائي الجديد هيرتسوغ وتسيبي إن وقت هذه الألاعيب انتهى. ويجب أن نوضح لهما بصورة قاطعة أنه لن تكون هناك كتلة مانعة، وكل من لا يأخذ حزباً عربياً أو حزباً عربياً – يهودياً في حساباته الائتلافية، فإنه يعلن بذلك أن لا فرق بينه وبين سائر العنصريين في الوسط وفي اليمين على اختلاف مشاربهم.
* سلمان مصالحة، محلل سياسي
“هآرتس”