من كل لبنان جاءوا لوداع السيد العلامة الى مثواه الاخير، حيث احتضنه تراب جبشيت الجنوبية التي رافقته في حله وترحاله، فكانت دائما وابدا في وجدانه وفي حناياه.
في جبشيت امس كان السيد كما اراد، لبنانيا فلسطينيا عراقيا كرديا، عربيا، وكما اوصى فقد لف نعشه بالعلمين اللبناني والفلسطيني ، فاستظلهما في مسير الجنازة نحو منزله ومن هناك الى حيث وقف مرارا مصليا على من افتقدهم ليرقد بينهم.
جبشيت كانت في وداع السيد على صورة السيد هاني ومثاله، فجمعت الاصدقاء والمحبين من شمال لبنان ومن جبله ومن بيروت ومن البقاع ومن الجنوب جاؤا ليودعوه، ليرافقوه في آخر مشوار له، وهو الذي رافق جمعيهم في غير مناسبة فكرية واجتماعية وسياسية وثقافية وعائلية فحضروا ليردوا له بعضا من جميل تلك العلاقة الحميمة التي نسجها بنول حائكٍ ماهر، فكان يحرص على رعايتها وصيانتها فلا يقطع صلة ولا يرد طلب.
اصدقاء السيد، لا يجمعهم سوى السيد هاني، محبوه ومن انتقدوه حضروا الى جبشيت، فتح وفلسطين حضرت في الجنازة، بالاعلام حضروا والاسى باد على وجوههم لفقد من احتضن فلسطين في قلبه وعقله فاستحق جنسيتها. ومن العراق حضروا عربا واكراد ليودعوه. ومن مصر افتقدوه فكتبوا يرثونه. ومن لبنان جمع السيد في جنازته ما لم ينجح في جمعه في حياته، فحضر محسن ابراهيم، وحضر وفد درزي، رجال دين ومدنيين، وحضر وليد جنبلاط بممثليه، والدكتور سمير جعجع بممثليه وتيار المستقبل بوفد تمثيلي، وحضر حزب الله بالشيخ نبيل قاووق والنائب محمد رعد، كما حضرت حركة امل بنائبها ياسين جابر، وحضر حشد من رجال الدين المسيحيين والسنة ورسميين من كل الاتجاهات، وخضر الشباب اصدقاء السيد، وحضر الشيوعيون، وحضر المجتمع المدني وفرح العطاء، ومثقفون وفنانون واعلاميون، ومزارعو تيغ، واصدقاء متفرقين لا يعرفهم سوى السيد، فجمع بينهم، وما كان ينقص الجمع إلا أن يحضر السيد هاني بينهم بقامته ووقاره وبهيبته وطلته، ليقول فيهم موعظة الكلام الحسن أن “إعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا”، وأن “اعطونا دولة، نقبل بخمسين في المئة منها فسادا ومن ثم نعمل على إصلاحها، أعطونا أي دولة، اعطونا دولة تؤمن لنا الكهرباء والماء ونحن نقبل”.
ولا اخال السيد هاني في جنازته إلا مسرورا وفي قلبه غصة، فمن المؤكد ان يغبطه ما استطاعت جنازته ان تجمع، ولكن سيحزنه ايضا “ظلم ذوي القربى”، من الذين رددوا خلال موكب التشييع قائلين”الم يكفه من فلسطين في حياته، فجاء بهم الى جبشيت في مماته؟”!
وأخال السيد يراقب جمع المشيعيين وهو يعرفهم فردا فردا، وبالتأكيد هو يفتقد الكثير الكثير من ابناء الجنوب بينهم ومن الذين تصّدر تحركاتهم، وحمل قضاياهم، ولم يغب يوما عنهم وإن تأخر لانشغال او سفر، فغابوا عن التشييع، فاستعاض عنهم مولانا بالاصدقاء والمحبين الذين قدروا وعرفوا تلك القيمة الراقدة المرفوعة على اكتافهم.