تعقيباً على الاجتماع الذي عُقِد في بكركي وضمّ بطاركة الشرق وممثلي الكنائس وسفراء الدول الخمس الكبرى والسفير البابوي وممثل الامم المتحدة (الأربعاء، 27 آب)، والنداء الذي وجّهوه إلى العالم، أرسل الباحث أنطوان قربان إلى “الملحق” هذا التعليق، آملاً من الجميع أن يقرأوه.
*
يا أصحاب الغبطة والسيادة والنيافة، ليس هناك ضحية قيمتها أكبر من ضحية أخرى. ليس هناك مجرم أقلّ إجراماً من مجرم آخر. ثلاثة أعوام والشعب السوري يُقتَل ويُذبَح. أين كنتم أيها السادة المحترمون؟ منبر الخطاب المسيحي في زمن المحنة هو صليب الضحية البريئة. اصعدوا إذاً على صليب كلّ ضحية بريئة، ولا تميّزوا بين ضحية وأخرى. اصعدوا على صليب الضحية وخاطِبوا العالم باسم كلّ إنسان، لأن كلّ إنسان مظلوم أو مقهور أو مضطهد في هذا الشرق، اسمه يسوع الناصري.
ألوف الأطفال الأبرياء ذبحهم هيرودوس منذ ألفي عام في بيت لحم. وذُبِح كذلك ألوف الأطفال في شرقنا المعاصر على أيادي الطغاة والسفّاحين الدنيويّين والمتديّنين. ماذا فعلت الكنائس المشرقية الأنطاكيّة لتضميد الجراح، كلّ الجراح؟
على الجلجلة، ومن أعلى الخشبة التي عُلّق عليها، لم يميّز يسوع الناصري بينه وبين اللصّ المصلوب بجانبه، الذي نجهل هويّة دينه. ألا يسعنا أن نعامل جميع الضحايا في الشرق مثل هذا المجرم الذي قال له المسيح: “اليوم تكون معي في الفردوس”؟
“داعش” قتل المسيحيين والإيزيديين وجماعات مذهبيّة إسلامية وغير إسلامية. لكن “داعش” يقتل أيضاً المئات من المسلمين الذين يرفضون هيمنة الفكر “الداعشي”.
أيها الآباء الأجلاّء، الوجود المسيحي في وسط محيط غير مسيحي، هو أن يعترف الآخرون: هؤلاء هم حقاً تلاميذ يسوع الناصري. هاجسنا هو هذا الآخر وهذه الشهادة، وليس كياننا العضوي كجماعة.
“من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني. من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل إنجيلي يخلّصها”، هكذا قال السيد المسيح.
أعطوا لقيصر حقّه الشرعي يا أصحاب الغبطة واتركوا للعلمانيين شأن الخيارات السياسية. لم نعد في زمن سلاطين الدولة العلية العثمانية حيث كلّ طائفة كانت تعتبر ملّة، أي جسماً كاملاً متكاملاً يرئسه المقام الديني الأرفع. لم نعد مللاً، ولم يعد هناك سلطان يمنح امتيازات، ويحمي.
إدعوا العالم إلى أن يدافع عن كلّ إنسان في الشرق، وليس عن فئة أو عن طائفة. كنيسة المسيح في الشرق هي منارته، وليست فيلقاً معاوناً لمشروع تحالف أقليّات ضد أكثريّة. باسم المسيح، حان الوقت أن تنسوا امتيازات الملل العثمانية.
توحّدوا في ما بينكم وكونوا جماعة واحدة واتكلوا على مَن قال لكم: أنا هو الطريق والحق والحياة.
لا تخافوا. الخوف ليس فضيلة مسيحية!
acourban@gmail.com
بيروت
ملحق النهار