كل محاولات الخروج من الفراغ الرئاسي اصطدمت برفض حزب الله اعطاء الضوء الاخضر لاجراء انتخابات رئاسية. وعندما نقول حزب الله هنا فالمقصود حزب الله الذي يشكل الذراع الايرانية في لبنان وسورية و”حيث يجب” بالاضافة الى بقية الحلفاء ولا سيما التيار الوطني الحر وحركة امل وتوابعهم من قوى 8 آذار، اذ ان قضية استراتيجية لمحور المقاومة بمستوى الاتيان بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية في لبنان، لا تحتاج الى كثير من الجهد من قبل ممثل ولي الفقيه في لبنان وقائد المقاومة. وسقف مطاليبه القيام ببذل بعض الجهد والعطايا للمؤلفة قلوبهم، من اجل توفير الاكثرية لمرشح المقاومة. لاسيما انه امكن لهذا المرشح اختراق جبهة الخصوم وضمن تأييد حزب القوات اللبنانية له. ومن دون ان ننسى وليد بك الذي اطلق اكثر من اشارة لصاحب القرار بأنه مستعد لتأييد الجنرال عون.
اما تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، فمهما كان موقفهما من الترشيح، ثمة اقرار من قبلهما بحضور جلسة انتخاب الرئيس والمشاركة في العملية الانتخابية وتأمين النصاب. لكن الانهماك بهذا النقاش المتصل بالنصاب وباختيار المرشح، هو من قبيل كلام خارج الموضوع. فلا المشكلة عند تيار المستقبل ولا هي ايضا عند العماد ميشال عون، ولا حتى النائب سليمان فرنجية الذي يمكن ان يبلغ به مستوى الوفاء للمقاومة وقائدها حدّ التنازل عن الترشح، لكنه قالها بالفم الملآن ان السيد نصرالله لن يطلب منه ذلك. و”لن يطلب ذلك” لها تفسيران. اما ان السيد لا يريد ان يكون بموقع من يطلب من فرنجية اكثر مما يجب، او ان نصرالله يدرك ان ترشيح فرنجية واستمراره في الترشح يلبي شروط استمرار الفراغ الرئاسي، وهو الهدف المطلوب في المرحلة الحالية والآتية الى ان يأذن الله ورسوله ونائب الامام في طهران.
في المقابل يبدو بعض تيار المستقبل مأخوذا بمقولة انه هو من يقرر الاتيان بأيّ من مرشحي حزب الله لرئاسة الجمهورية. سواء كان عون او فرنجية. ويملأ تيار المستقبل اوقات الفراغ وايام الانتظار الطويلة بوهم انه صاحب قرار في هذا الشأن. ويساعده حزب الله على التوهم اكثر عبر اطلاقه مقولة ان السعودية هي من يعطل انتخاب الرئيس عبر منع تيار المستقبل من انتخاب المرشح ميشال عون. هذه المقولة التي لا يملّ الحزب من تكرارها يكاد تيار المستقبل يصدقها وينام على حرير اوهامها. هذا ربما حال بعض البسطاء. لكن البعض الآخر في “المستقبل” بات مقتنعا ان فرص بقاء هذا التيار داخل السلطة، وان يبقى الناطق باسم السنّة، تكمن في الا يتمرد على قواعد وشروط دولة حزب الله. لا بل ان البعض يحترف التمرين اليومي على آلية الولاء الذكي لدولة “المقاومة”، لا سيما ان هذه الدولة تحتاج الى سماسرة في اكثر من اتجاه. وهي التي تهب او تمنع المال العام المنظور وغير المنظور. والشهيات عالية وبلا حدود على المال والسلطة الحرام.
الفراغ الرئاسي لم يزد من حجم الفساد ووتيرته في معظم الادارات العامة ان لم يكن كلها واكثر… بل ان القضية الوطنية، اي سيادة الدولة والعبور نحوها، لم يعد غاية. السلطة هي الهدف وهي الغاية. لكن حتى الذين لا هدف لهم في الحياة الا السلطة، فيهم من الاغبياء الذين يعتقدون ان السلطة ومكاسبها يمكن ان تُمنح وتُعطى، وآخرين موضوعيين – ولا نقول اذكياء – يدركون ان نيل السلطة ومكاسبها يتطلب قضية وطنية تشكل الضامن والحامي والطاقة وتوفر استمرارية البقاء فيها.
الفراغ الرئاسي مستمر بقوة عدم وجود قضية وطنية تشكل مركز استقطاب وجذب. وليس بقوة تعطيل حزب الله فحسب. الفراغ الرئاسي وسيلة تطويع وتمرين لخصوم دولة حزب الله في السلطة على سبل الطاعة والولاء. ذلك ان هناك مفاضلة بين امرين اختار خصوم حزب الله في السلطة الأسوأ بينهما: اي القبول بدخول السلطة ضمن شروط دولة حزب الله. سماها الرئيس سعد الحريري يوما “ربط نزاع” وكان هذا قناع وهمي للدخول في طاعة الحزب. على ان الطاعة غلبت ربط النزاع في القضايا الكبرى، وهذا ما زاد في اغراء الحزب وحلفائه بالمزيد من تطويع “تلامذته النجباء” والتفنن في اهانة اللبنانيين في عقولهم. اذ لم يكتف بأن اقرّ له معظم النواب بحقه في ان يختار الرئيس بل بلغ به الامر ان يقول لهم: عليكم ان تتبنوا ترشيح العماد عون حصرا ويجب ان تنتخبوه وعلامات الرضا والقبول في محياكم وربما يتطلب الامر ان تدفعوا ثمن الفراغ الرئاسي طيلة عامين واكثر. وسيخرج النائب نواف الموسوي على الارجح بعد ذلك في البرلمان مخاطباً: الم نقل لكم منذ البداية “انتخبوا عون”؟ فلماذا هذا التسويف وتعطيل استحقاقات دستورية وتعطيل المؤسسات ومصالح الناس كل هذه السنين؟ سامحكم الله..
alyalamine@gmail.com