دخلت الثورة السورية عامها الرابع. وثمة ما يُقال:
أولاً، يمكن الكلام عمّا حدث في آذار البعيد، قبل ثلاث سنوات، من مداخل مختلفة. ولكن يصعب تفادي الكلام عنه بأثر رجعي، دون وصفه بالمأساة. مأساة تدل عليها أعداد القتلى، والجرحى، والمعتقلين، والمُهجرين، واللاجئين، التي تتزايد ما بين نشرة أخبار وأخرى على مدار ثلاثة أعوام.
ثانياً، ويمكن، أيضاً، التدليل على المأساة بحرب يشنها نظام على شعب لا يريده. وحتى إذا افترضنا أن ثلاثة أرباع السوريين، أو نصفهم، أو حتى ربعهم، أو خمسهم، لا يريدونه، فإن شن الحرب عليهم بهذه الطريقة، وهذا الثمن، يُسقط أخلاقياً وسياسياً عن الحاكم، سواء تجلى في شخص أو نظام، شرعية البقاء في السلطة.
ثالثاً، لا توجد مؤامرة حقيقية أو متوّهمة يمكن أن تُلحق بشعب، ووطن، ودولة، كل هذا القدر من الدمار. إذا سألنا: هل نجم الدمار عن مؤامرة (حقيقة كانت أم مُتوّهمة) أم عن طرق الرد عليها؟ ألم تكن ثمة وسائل أقل كلفة للاستجابة لمطالب المعارضين، أو للحيلولة دون نجاح المتآمرين، وتجنيب البلاد والعباد كل هذا القدر من الدمار؟ في الحالتين، وبقدر ما أرى الأمر، تقع المسؤولية الأخلاقية والسياسية على عاتق النظام.
رابعاً، لم تكن ثمة مؤامرة. القوى الإقليمية والدولية تحاول الاستفادة من كل ما يحدث في الإقليم، والعالم، لتعزيز مصالحها، وهذا يصدق على سورية، وغيرها. وبهذا المعنى، أسهمت وسائل النظام، وطريقته في الرد على المعارضين، في تمكين القوى الإقليمية والدولية من تعزيز أو العثور على موطئ قدم، ونجحت كلها ولكن على حساب الشعب السوري، ولم يكن نجاحها بالضرورة ضد مصلحة النظام.
خامساً، تتجلى استفادة النظام من تدخل القوى الإقليمية والدولية في حقيقة أن الحماية الدبلوماسية والسياسية، والمساعدات المادية، من جانب الروس مكنته من تفادي قرارات دولية كان من شأنها القضاء عليه. وتتجلى، أيضاً، في حقيقة أن الدعم الإيراني (بما في ذلك حزب الله، وحكومة المالكي) أسهم إلى حد كبير في مده بأسباب البقاء.
وعلى الجانب الآخر، أسهم تدخل بعض القوى الإقليمية، الداعمة للإسلام السياسي، في تمكين جماعات إرهابية من إيجاد موطئ قدم في سورية، وفي تشويه صورة المعارضة، وفي تمكين النظام من التدليل على وجود مؤامرة، وفي الحد من حماسة المجتمع الدولي للتدخل بفعالية أكبر، وأخيراً في التحريض على الاقتتال الداخلي بين قوى مختلفة، ذات أهداف مختلفة، تحت مظلة المعارضة.
سادساً، ولعل أهم العوامل، التي حالت دون تمكين المعارضة السورية من الحصول على أسلحة متطوّرة مضادة للطائرات والدروع، تتمثل في الجماعات الإرهابية، التي لا يمكن لحكومة في الغرب أن تمدها بهذا النوع من السلاح، خوفاً من استخدامه ضد إسرائيل، أو دول في الإقليم. وفي هذا الصدد، لم ينل موقف إسرائيل إزاء ما حدث ويحدث في سورية ما يستحق من تحليل واهتمام.
وبقدر ما أرى الأمر، فإن إسرائيل لا تريد سقوط النظام في دمشق، ليس لأنها تحبه، بل لأن نوعاً من التفاهم الضمني نشأ بين الجانبين على مدار عقود، وثبت بالملموس في مناسبات مختلفة، التزام النظام بقواعد اللعبة. لذا، تخشى من فراغ يعقب سقوطه، ولا تقبل في كل الأحوال حصول قوات غير نظامية على أسلحة متطوّرة، يمكن أن تُستخدم ضدها في وقت لاحق. وقد حققت، في الآونة الأخيرة، مكسباً استراتيجياً تمثل في تخلي النظام عن أنيابه الكيماوية، وهذا بفضل وجود النظام لا غيابه.
أخيراً، كل ما تقدّم قيل بصياغات مختلفة على مدار السنوت الثلاث الماضية. وماذا عن الحاضر؟
أولاً، يعاني النظام من نقص في القوات الموثوق بها، وهذا مبرر الاستعانة بقوات من حزب الله، وإيرانيين ومالكيين لا نعرف عددهم. وهذا الواقع سيستمر في العام الرابع، أيضاً.
ثانياً، النقص في القوات كان مبرر خيار السيطرة على المدن، وعدم تبديد موارد بشرية محدودة في الريف ومناطق حدودية بعيدة، خشية الاستنزاف، وهذا بدوره أسهم في الاعتماد بكثافة أعلى على الطيران، وصواريخ سكود، والمدفعية.
ثالثاً، توجد للنظام قاعدة اجتماعية، وثمة ما يبرر القول إن دخول الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وغيرها، وتناحر قوى المعارضة، وفشلها في توحيد صفوفها، إضافة إلى ما أصاب البلاد والعباد من دمار، أسهمت كلها في زيادة حجم القاعدة الاجتماعية للنظام، تعبيراً عن اليأس لا الولاء.
رابعاً، يبدو الوضع العسكري للنظام، في مطلع العام الرابع، أفضل مما كان عليه قبل عام. هذا، على الأرجح، لا يعني أنه سيتمكن من السيطرة على المناطق الريفية والنائية، أو تأمين المدن بشكل كامل. وما لم تحصل المعارضة على أسلحة متطوّرة مضادة للطائرات والدروع فلن تتمكن من تهديد وجوده في المدن.
خامساً، القضاء على داعش والنصرة، وغيرها من الجماعات الإرهابية، شرط من شروط تقليص القاعدة الاجتماعية للنظام، وإقناع الغرب بتقديم دعم طال انتظاره. وهذه معضلة حقيقية، لا تحل على الأرض في سورية وحسب، ولكن على المستويين الإقليمي والدولي، أيضاً. وهذا وذاك صعب ومعقّد.
سادساً، لن يقل العام الرابع بشاعة عن أعوام ثلاثة سبقته، ولا يلوح في الأفق ما يدخل في باب الحسم من جانب النظام أو المعارضة، على الرغم من معارك الكر والفر. وما لم يحدث انهيار مفاجئ في صفوف النظام، أو تدخل خارجي أكثر فعالية، تبقى الحرب مفتوحة، والمأساة قائمة، ويبقى الأفق مسدوداً.
khaderhas1@hotmail.com