هل لدى الرئس سعد الحريري ما يقدّمه إلى حزب الله في خطابه اليوم؟
حزب الله الذي يريد تثبيت استقلالية المقاومة عن الدولة اللبنانية ومؤسساتها، مع إصرار على احتكاره تمثيل المقاومة، ويرفض في الوقت نفسه وجود أيّ مرجعية، ولو نظريا، من قبل أيّ سلطة لبنانية، سياسية أو عسكرية أو أمنية، على هذه المقاومة. سلطة تمتلك حقّ المساءلة والتقييم، أو تحديد جغرافية عمل المقاومة ومساحة نشاطها في الأمن والسياسة وفي الإدارة والاقتصاد. خصوصا أنّ المقاومة المشار إليها تحوّلت إلى قوة منظمة على الارض، منتشرة على كامل التراب اللبناني وخارجه. ولأنّها كذلك فهي باتت عرضة للاصطدام مع سلطة الدولة ومؤسساتها. علما أنّ اللبنانيين عموما، إن كانوا استفادوا من إنجازات حقّقتها، فلأنّها كانت تُحظى بما يشبه الإجماع على دورها. وهم يتلقّون تداعيات أدوارها المستجدّة اليوم خارج الحدود. أدوار لا تُحظى بأيّ إجماع لبناني.
هذا ما ينقله قريبون من الرئيس سعد الحريري في توصيف الحال، الذي يمنع الأخير من أن يبادر إلى أيّ موقف جديد، لا سيما في خطاب اليوم، يوفّر من خلاله أيّ موافقة أو تغطية لوضعية سياسية وأمنية بات لبنان عاجزا عن الاستمرار فيها من دون تعديل. إذ لا خيار امام الجميع الا الانتقال نحو تعزيز المشترك اللبناني، الذي تشكّل الدولة ودستورها ومؤسساتها القانونية عنوانه: السلطة. وهو لا ينتقص من قيمة المقاومة أو الشعب، حيث تظلّل هذه الحكومة وغيرها من المؤسسات الدستورية تلك المقاومة، في سياق تثمير وتنظيم كل الإمكانات من أجل تعزيز السيادة والاستقلال ووحدة الشعب والدولة.
يشير المقربون من الحريري إلى أنّ ثنائية السلطة في الدولة لن تستمر، وأنّ حفظ ما أنجزته المقاومة على مستوى التحرير يتطلب التوافق على دورها اليوم، لا التفرد في ما اعتبر حزب الله نفسه أنّ اللبنانيين كانوا شركاء في إنجازه. لذا تضامن اللبنانيون في لحظة التحرير عام 2000 واعتقد الكثيرون أنّ هذا الانجاز سيدرج في سياق تثبيت الوحدة بين اللبنانيين واستكمال بناء الدولة، وتعزيز سيادتها. بعد العام 2000 كانت بداية فعلية لمرحلة تنفيذ اتفاق الطائف في البند المتصل بالوجود السوري. وساهم تعامل حزب الله مع قضية تحرير مزارع شبعا آنذاك، اي عدم إظهار أيّ جدية في توفير الشروط الدبلوماسية لانسحاب اسرائيل منها، في تراجع مسيحي لافت عن الاجماع الذي توّجه التحرير حول إنجاز المقاومة. وكان لقاء قرنة شهوان، وبيان المطارنة الموارنة قبله في نهاية العام 2000، بداية واضحة لهذا الموقف الذي شكّل النقلة النوعية في النضال السياسي ضمن مواجهة الوصاية السورية بعد التحرير من الاحتلال الاسرائيلي.
هذا الخروج المسيحي الوازن من الاجماع حول المقاومة واكبه خروج سني وازن ايضا في أيّار العام 2008، أي بعد دخول حزب الله في مواجهات عسكرية داخلية جعلت الكثيرين في البيئة السنية ينظرون إلى سلاحه على أنّه سلاح ميليشيوي. إلى هذه المحطتين في مسار الانفضاض من حول المقاومة التي يرفع لواءها حزب الله، جاءت حقبة الانخراط في القتال داخل سورية في العام 2012. وهي حقبة مستمرة حتى اليوم جعلت المقاومة وسلاحها عرضة للانتقاد والتشكيك، وفاقمت المخاوف من الدور المرصود لهما خصوصا أنّ ذريعة ردّ العدوان الاسرائيلي ومقاومة الاحتلال لم تعد مقنعة لأكثرية اللبنانيين، في مقابل تنامي البعد المذهبي والوظيفة الاقليمية لهذا السلاح. ما ساهم في طرح التساؤلات حول الوظيفة الوطنية المفترضة له.
ولأن أكثر من نصف اللبنانيين انكفأواعن تأييد هذا السلاح ضمن دوره الذي يمارسه اليوم، وزاد المعترضون عليه، فإنّ حزب الله يفترض أن يكون الاكثر حرصا على حماية ما تبقى من رصيد وطني للمقاومة. أي أنّه مُطالَب بالعمل أكثر على استقطاب اللبنانيين نحو سلاحه (الذي يسمّيه “مقاومة”) بالإقتناع والدليل، لا بالفرض. أي بالإثبات أنّه ليس ميليشيا مذهبية إقليمية عابرة للحدود، بل “مقاومة” معنية بحماية لبنان فقط واللبنانيين جميعا، ولا أهداف لها خارج حدود الوطن، وأنّ قوّتها هي قوّة للدولة وليست على الدولة أو في مصلحة فئة محلية أو دولة خارجية. عمليا هذه مهمة ليست سهلة لمن هو مقتنع بأنّها “تحصيل حاصل” أو “لزوم ما لا يلزم”. وهي مستحيلة لمن يرفضها. وإذا كان من أمل بوجود إرادة لدى حزب الله في تنفيذ هذه المهمة، فإنّ فرصة حماية إنجازات المقاومة وطنيا هو في مصالحتها مع فكرة الدولة، بالتعامل مع الدولة باعتبارها منجزا ثابتا ووجوديا للبنانيين تساهم المقاومة في ترسيخه.
لا يبدو أنّ حزب الله في وارد القبول باندراجه تحت مظلّة الدولة. وما يريده، بحسب مصادر الحريري، هو أن يحافظ على سلطة مطلقة تتيح له فعل ما يريد أمنيا وعسكريا، من دون أيّ مساءلة. ويريد من اللبنانيين أن يعطوا “شيكا على بياض” كلا من سلاحه ومعاركه وحقّه في استخدام المرافىء الشرعية وغير الشرعية، وأن يُدخل ما يشاء عبرها من دون أيّ مراقبة ومن دون أن يتعرّض لأيّ مساءلة.
تختم مصادر الرئيس سعد الحريري أنّه “لن يستطيع أن يعطي موافقة مسبقة” على قرارات لا يعرفها ولا يحقّ له ولا لمؤسسات الدولة ولا لأيّ لبناني المساءلة بشأنها. ما يستطيع أن يقدّمه الحريري في خطابه اليوم ليس أكثر من “ربط نزاع” بين فكرة تفلّت المقاومة من أيّ مرجعية رسمية، وفكرة اندراج هذه المقاومة في إطار الدولة. ربط النزاع هذا يمكن أن يوفّر إنجاز بيان وزاري يجعل كلّ فريق على موقفه، لكن مع الاعتراف بأنّ هناك خلافاً حول هذه القضية واجب حلّه.
alyalamine@gmail.com
البلد