الاستعدادات لمعركة يبرود لم تتوقف. فيبرود احدى اكبر حواضر منطقة القلمون السورية. يسميها مقاتلو المعارضة بـ”عاصمة الثورة في القلمون”. في المقابل ينقل بعض العائدين “لن يكون الجيش السوري النظامي طرفا فيها، بسبب الخسائر التي سبّبها انخراطه هناك”. والأهمّ، في الحدّ الأدنى، “عدم القدرة على الانسجام والتنسيق مع حزب الله أثناء المعركة”.
الخطة العسكرية التي يعتمدها حزب الله اليوم لاسقاط يبرود هي التقدم ببطء نحوها، لكن دون توقّف. فيما تقتصر مهمة الجيش السوري في هذه المعركة على مرابض مدفعية تقوم بقصف المدينة ومحيطها، مع استخدام سلاح الطيران بغارات صاروخية تحددها، توقيتاً وحجماً، متطلبات حزب الله الميدانية. ويحرص قياديو الحزب الميدانيين على طمأنة المقاتلين بأنّهم هم من يشرف بشكل كامل على مرابض مدفعية الجيش السوري الموجّهة الى القلمون، وهم من يحدّد حركة الدبابات ويشرفون على اطقمها بشكل مباشر، وصولا الى تحديد أهداف طائرات الجيش السوري في يبرود والقلمون عموماً.
وعلى ذمة العائدين من المشاركة في “الواجب الجهادي المقدس” بالقلمون، فإنّ عديد المقاتلين، المقدّر بالآلاف، لا يقتصر على عناصر حزب الله اللبنانيين، الذين يشكلوا النخبة العسكرية المسلحة. بل ثمة عناصر شيعية من جنسيات سورية، وعراقية بالدرجة الاولى، تأتي في تشكيلات مستقلة خاضعة لاشراف حزب الله وتوجيهه، وهي تقوم بدور قوات دعم وحماية على الجبهات التي يمسك بها مقاتلو الحزب. ولا يخفي العائدون أنّ ثقة عناصر حزب الله بجنود الجيش السوري باتت شبه منعدمة. لذا عمد “الحزب” إلى فرض التحكم الكامل بمناطق وجوده وخطوط إمداده الى سورية بشكل كامل.
معركة يبرود غير منفصلة عن عرسال. فتلك البلدة التي تحتضن نحو ثلاثة آلاف عائلة من يبرود تشهد المزيد من تدفق اللاجئين من القلمون وتشكل، بحكم الجغرافيا وأوجه الديمغرافيا، عنصرا مؤثرا في القتال يكون حاضرا دوما في بال المهاجمين والمدافعين في القلمون. لذا تخضع البلدة اليوم الى مراقبة ومتابعة امنية من قبل حزب الله، وسط اعتقاد لدى انصار حزب الله أنّها هي معبر سيارات الموت الآتية من يبرود نحو لبنان، رغم أنّ تهمة تصنيع سيارات الموت كانت قبل اشهر موجهة الى عرسال نفسها.
اليوم تندرج معركة يبرود المنتظرة تحت شعار معركة وقف تدفق سيارات الموت. لذا ثمة من يعتقد أنّ إنهاء المعركة في يبرود لصالح حزب الله سيوقف قافلة السيارات المفخخة المتجهة نحو الهرمل او ضاحية بيروت الجنوبية.
سياسة النفس الطويل التي يعتمدها حزب الله لإسقاط يبرود يقابلها استعداد المعارضين السوريين لمواجهة طويلة، كما ينقل معارضون سوريون متابعون لما يجري هناك. وهم يؤكدون أنّ معظم المقاتلين في يبرود هم من أبناء المدينة نفسها ومن بلدات القلمون عموماً وأنّ هؤلاء، على اختلاف التيارات التي ينتمون اليها، من الجيش الحر الى جبهة النصرة والجبهة الاسلامية، ينسقون فيما بينهم ضمن معركة الدفاع عن القلمون. وينفي هؤلاء ما يشاع عن اي وجود لعناصر تنظيم “داعش” في يبرود. وهم يعتقدون أنّ حزب الله سيقاتل بكل ما أوتي من قوة خلال الاسابيع المقبلة، من خلال حجم الاستعدادات العسكرية التي يباشرها منذ شهور في منطقة “القلمون” عموما. ويضيف هؤلاء أنّ حزب الله أيقن هذه المرّة أنّه في خضم معركة مديدة اذا كان “سعيد الحظ”.
بين ما ينقله مقاتلون في حزب الله ومعارضون سوريون، ثمة تأكيد على أنّ معركة يبرود واقعة لا محال. وهذه لا تنفي حقيقة المواجهات التي يستكملها حزب الله بوتيرة مدروسة للحدّ من الخسائر. لكنّ الثابت ايضا أنّ الطاقة القتالية لحزب الله مرشحة لأن تصل الى اقصاها في الميدان السوري. فطبيعة الجبهة السورية وما تحمله من تطورات ميدانية لا تدفع اكثر المتفائلين الى خلاص قريب من القتال او تبعاته. وحزب الله، مع توالي الايام، يندفع الى المزيد من ضخّ طاقته العسكرية والامنية لمواجهة “التكفيريين”، مع زيادة التردّد حيال الرسائل الامنية الاسرائيلية، والمزيد من الارباك في التعامل مع الاوضاع اللبنانية الداخلية.
حزب الله بالتأكيد في وضع لا يحسد عليه. يستقبل المزيد من الجثامين وعاجز، أمام الحكومة المعلّقة على بيان وزاري، عن طمأنة جمهوره بأنّ اسقاط يبرود سيزيد من منسوب الأمان، بعدما لمس الجميع أنّ ذكر “حزب المقاومة” في مقدّمة البيان الوزاري أو إزالة ذكره لن يقرّر نتيجة الحرب، ولن يغيّر في طبيعة العدو أو سلوكه، ولا في مستوى تدفّق المقاتلين نحو “الواجب الجهادي المقدّس في سورية”.
alyalamine@gmail.com
البلد