لا يفيد القرار الاخير الصادر عن مجلس الامن في شأن اليمن في شيء. لا يقدّم ولا يؤخر ما دام لا يعالج الوضع اليمني بالطريقة التي يفترض بالمجتمع الدولي أن يعالج بها مشكلة بلد دخل في المجهول.
صحيح أن القرار لم يشر الى عقوبات قد تفرض، بالاسم، على الرئيس السابق علي عبدالله صالح. لكنّ الصحيح أيضا أن الرئيس السابق الموجود في صنعاء، بعدما كان وجوده يشمل اليمن كلّه، صار مجرّد سياسي يمني يسعى الى العمل في المجال الذي يحسن العمل فيه. هذا المجال هو النشاط السياسي الذي ليس محظورا، الى اشعار آخر، في اليمن. من حقّ كل مواطن يمني ممارسة النشاط السياسي في اليمن. أين المشكلة في ذلك؟
ثمّة واقع تفرضه التطورات اليمنية. واقع تفرضه خصوصا ضرورة البحث عن صيغة جديدة للبلد تأخذ في الاعتبار أن لا مجال لاعادة الحياة للصيغة التي حكمته وتحكمت به في الفترة الماضية، أكان ذلك منذ تولي علي عبدالله صالح السلطة في 1978 أو بعد الوحدة في العام 1990…أو بعد فشل حرب الانفصال في صيف العام 1994.
ولكن، في نهاية المطاف، المسألة ليست مسألة الدولة الاتحادية والأقاليم الستة. المسألة كيف يمكن انقاذ اليمن عن طريق اخماد بؤر التوتر في الجنوب والشمال والوسط؟
قبل كلّ شيء، يفترض بأيّ قرار يصدر عن مجلس الامن أن يأخذ في الاعتبار ما يشهده اليمن من تحوّلات في غاية الخطورة. لا يمكن لأي قرار، كي لا يكون ناقصا، تجاهل ما يدور على أرض اليمن والتمسّك بتصفية الحسابات مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي حكم البلد بمشاركة آخرين بين 1978 و2011. بكلام أوضح، لا يجوز لقرار يصدر عن مجلس الامن التركيز على “طي صفحة رئاسة علي عبدالله صالح”. هذه الصفحة طواها علي عبدالله صالح نفسه عندما قرّر قبول المبادرة الخليجية والتخلي طوعا عن السلطة بعدما تبيّن له ان بقاءه في الرئاسة سيعني مزيدا من الانقسامات ومزيدا من سفك الدماء، اضافة الى معرفته أنّ لا افق سياسيا لبقائه في موقعه بعدما تبددت شبكة التحالفات التي أقامها في البلد وفي أساسها معادلة “الشيخ والرئيس”.
في تبسيط الاسباب التي جعلت اليمن يصل الى ما وصل اليه، الكثير من تجاهل أن العهد الطويل لعلي عبدالله صالح كان مزيجا من التناقضات. كان مزيجا من الايجابيات والسلبيات التي يمكن تحميل الرجل جزءا لا بأس به منها. لا شكّ ان علي عبدالله صالح يتحمّل مسؤولية أخطاء كبيرة حصلت وأدت الى ما أدّت اليه، أي الى يوم صار فيه الصراع داخل أسوار صنعاء.
من يسعى بالفعل الى طي صفحة رئاسة علي عبدالله صالح، يعترف أوّلا بأن المطلوب حاليا التطلع الى المستقبل بدل البقاء في أسر الماضي. من حق الرجل أن يمارس السياسة من صنعاء التي يقيم فيها. انه يلعب دور السياسي اليمني الذي يقف على رأس حزب يمتلك قواعد في مختلف أنحاء اليمن.
هل من مشكلة في امتلاك علي عبدالله صالح مبالغ ضخمة يصرفها في اليمن؟ من يرى مشكلة في ذلك يتجاهل أنّ آخرين يصرفون أيضا أموالا خدمة لمشاريع سياسية خاصة بهم أو بمن يقفون خلفهم. لماذا لا يوجد من يسأل عن هذه الاموال ومصدرها وفي أي سبيل يجري صرفها؟
مرّة أخرى، هناك أخطاء كبيرة ارتكبها علي عبدالله صالح. وقد دفع ثمن هذه الاخطاء التي من بينها مزاجيته واستخفافه بالآخرين، خصوصا بعد العام 1994، والاستعانة بتافهين في السنوات العشر الاخيرة من حكمه.
كذلك، كان هناك تغاض عن ارتكابات لضباط قريبين منه أو من منطقته (سنحان) وقريته ومن شخصيات تنتمي الى عائلة الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر، رحمه الله، الذي كان طوال حياته، أي حتى آخر العام 2007، شريكا أساسيا في السلطة وغير السلطة. هذا جزء من الماضي. ما يمكن أن يمثّل المستقبل هو الواقع الذي لا مفرّ من التعاطي معه.
قد يكون السؤال الاوّل المطروح هنا هل الرئيس الحالي عبدربه منصور، وهو رئيس موقت لا يزال شرعيا بعد انقضاء مهلة السنتين على وجوده في السلطة؟
لنفترض أنّ هناك تبريرات قانونية وأخرى عملية لتمديد ولاية السنتين. ومن بين هذه التبريرات الحاجة الى ألانتهاء من صياغة دستور جديد واقراره في استفتاء شعبي، وهذا يحتاج الى وقت، أي الى ما يزيد على سنة. ولكن ماذا عن صيغة الاقاليم الستة؟ هل يقبل الحوثيون الذين يسيطرون على جزء من اليمن بهذه الصيغة التي تحرمهم من منفذ بحري ومن ثروات محافظة الجوف وحدودها مع السعودية؟ هل يقبل الذين يدعون الى الانفصال أن يكون الجنوب اقليمين وليس اقليما واحدا؟ ماذا عن الوسط الشافعي الذي تسلل اليه الحوثيون والذي يطمح الى أن يكون ميناء عدن جزءا منه؟ وما مستقبل حضرموت حيث دعوات يومية الى الاستقلال واقامة دولة لا علاقة لها بأي شيء يمت الى اليمن بصلة؟
فوق ذلك كلّه ما مستقبل آل الاحمر، زعماء حاشد الى ما قبل فترة قصيرة، وتحالفهم مع الاخوان المسلمين والسلفيين في وقت استطاع الحوثيون السيطرة على معظم محافظة عمران والتوقف عند أبواب صنعاء موقتا؟
كان لا بدّ للقرار الصادر عن مجلس الأمن أن يواكب تطورات الوضع على الارض وأن لا يكتفي بالتركيز على أمور لا تعتبر من صلب هذا الوضع وذلك لاسباب شخصية لا أكثر.
مرّة أخرى وأخيرة، هناك اخطاء ارتكبها علي عبدالله صالح الذي حكم اليمن معتمدا على الحلف الذي كان قائما مع الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر ومع اللواء علي محسن صالح الاحمر، ابن قريته في مديرية سنحان. ما لا يمكن تجاهله أن الرجل كان يعكس صيغة معيّنة يشارك فيها غير طرف. لماذا القاء اللوم عليه وحده عند الحديث عن تدهور الوضع في البلد؟
لماذا لا يوجد من يريد أن يتذكّر أن الوحدة اليمنية ساعدت في تجاوز مرحلة معيّنة كانت ستجلب الويلات على أهل الشمال وعلى أهل الجنوب. من دون الوحدة ما كان في الامكان رسم الحدود مع سلطنة عُمان ثم مع المملكة العربية السعودية.
من دون الوحدة التي تعثّرت بسبب اخطاء ارتكبها الجميع، من بينها ظلم كبير لحق بالجنوبيين شمل مصادرة أراض لهم وحرمانهم من ثروات أرضهم، كان يمكن للوضع اليمني أن يتدهور أكثر في كلّ قرية ومدينة ومحافظة وذلك في ظلّ صعود التيارات المتطرفة التي تستفيد من الفقر وانعدام المدارس اللائقة.
لا يمكن الّا الاعتراف بأن اليمن يحتاج الى صيغة جديدة. لا يمكن أيضا الّا الاعتراف بأن صيغة الاقاليم الستة في شكلها الحالي قاصرة عن حلّ مشاكل اليمن. هذا واقع. لا يمكن الهرب منه عن طريق تفادي المعالجة الشاملة للموضوع اليمني بدل الغرق في تصفية الحسابات مع علي عبدالله صالح. لماذا لا تكون تصفية للحسابات مع غيره أيضا؟