يخوض وفد الائتلاف الوطني للمعارضة السورية في مؤتمر جنيف صراعاً مع النظام لا يقل أهمية عن المعركة العسكرية، محققا إنجازات إعلامية مع صعوبة الوصول لحل سياسي بسبب تعنت النظام ورفضه بحث تشكيل هيئة حكم انتقالية تتمتع بكافة الصلاحيات لوقف القتال وإخراج المسلحين الأجانب ووضع سوريا على طريق الانتقال من النظام الاستبدادي للديمقراطي. كان يمكن لهذا الصراع السياسي ان يعطي نتائج أفضل فيما لو تكاتفت جميع قوى المعارضة السورية من سياسية وعسكرية وراء وضمن الوفد المفاوض، مما يزيد من ضعف الموقف السياسي للنظام. فالائتلاف لا يعتبر نفسه ممثلا لجميع قوى الساحتين السياسية والعسكرية لذلك سعى لمحاولة ضم أطراف أخرى رأى ضرورة تمثيلها ومنها “هيئة التنسيق الوطنية” التي أجرى معها مباحثات لإشراكها لم تصل لنتيجة، فمن المسؤول عن عدم تمثيل هذه القوى؟
المسؤول الرئيسي عن ذلك برأينا هي القوى نفسها. فحسن عبد العظيم المنسق العام لهيئة التنسيق أجرى مباحثات مع رئيس الائتلاف في القاهرة عشية الجولة الثانية للمفاوضات، فماذا كان موقف الهيئة؟ في لقاء عبد العظيم مع قناة الميادين مساء 9-2 قال ان الائتلاف وافق على الورقة السياسية التي قدمتها الهيئة ولكن الخلاف الذي أفشل الاتفاق على المشاركة كان حول عدد الكراسي التي طالبت بها الهيئة في الوفد: خمسة لها وخمسة للائتلاف، على أساس انهما مؤسستان “متساويتان!”، ثم تراجعت الهيئة وقبلت بأربع كراسي، فيما أصر الائتلاف على تمثيلها بكرسيين! أي ان الخلاف الرئيسي ليس سياسياً بل على الكراسي، علما بعدم أهمية العدد لكل طرف في الوفد، إذ طالما انهما متفقان سياسيا فما الحاجة لعدد الأصوات؟ فممثل واحد كاف لإيصال رأي الهيئة في أي تطورات اثناء عملية التفاوض.
بالإضافة لمطالبة المنسق بتمثيل الهيئة الكردية العليا المعروف أنها تابعة لحزب PYD الأوجلاني، خاصة بعد انضمام المجلس الوطني للأحزاب الكردية للائتلاف مؤخراً ومشاركته في وفده لجنيف. ولدى رفض الائتلاف للحزب الذي تجمعه مع النظام مصالح مشتركة، حاول المنسق ان يشركه باسم آخر هو “حركة المجتمع الكردي” رغم انها واجهة سياسية لحزب PYD، أو من خلال تمثيل مسلحيه فيما يدعى “قوات الحماية الشعبية” التي تعاونت مع النظام في سحق الحراك الشعبي الكردي السلمي المشارك في الثورة السورية.
يعترف المنسق ان الائتلاف يريد إشراك هيئة التنسيق، لكنه يتهمه بالرضوخ للدول الراعية التي لا تريد مشاركتها.. وهذا ما أشار اليه قيادي بالهيئة وصف أعضاء الائتلاف بـ”أمعات لأميركا!”. وبذلك فشل الاتفاق قبل الجولة الثانية ليس بسبب خلاف سياسي حول التعاطي مع المعركة السياسية للمعارضة ولكن من أجل عدد الكراسي وتمثيل التنظيم الكردي المشبوه. فيما أنه قبل الجولة الأولى أرجع المنسق عدم المشاركة لسبب عدم توجيه الدعوة للهيئة من قبل الإبراهيمي او بان كي مون وترك ترتيب مشاركتها للائتلاف، وهذا وجده المنسق استهانة بالهيئة التي تمثل 11 حزبا، فيما يعرف الجميع – عدا المنسّق – وزن هذه الأحزاب! فقد قالت الناشطة المعروفة ميس الكريدي، التي انسحبت من قيادة الهيئة، في مقال لها منذ بضعة أيام أن:
” .. الهيئة داخل سورية اعتُقلت أهم كوادرها واستقال معظمها وبقي فيها مجموعة أحزاب غادرتها كوادرها وتفككت مؤسساتها وبقيت مجرد عناوين ويافطات أهمها حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يرفع شعار التغيير الديمقراطي في حين إن رئيسه على رأس حزبه منذ عام 2000 ويرفض أي عمل مؤسساتي وتنظيمي لأنه استنفذ فرص التمديد لرئاسة الحزب منذ عام 2008 ..”. أي أنه يترأس الحزب بعد وفاة مؤسسه جمال الاتاسي منذ 14 عاماً، في نفس عام وراثة بشار للجمهورية السورية!
أما هيثم مناع رئيس الهيئة في المهجر فهو يردد “مواويل” أخرى بعيدا عن مواقف المنسق، لا يمكن لاحد ان يلاحقها كلها. فهو يغرد على هواه وكأن الهيئة هيأته وحده. هو مثلا في 13 نوفمبر الماضي قال ان تأجيل مؤتمر جنيف ليس لمصلحة المجتمع السوري! إلا أنه، في تصريح لـ”لوموند” قبل الجولة الأولى، طالب بتأجيل المؤتمر وأن المشاركة فيه “انتحار سياسي” حسب تعبيره واتهم الاميركيين والروس بالتواطؤ على سوريا وأن هناك اتفاقا سريا بينهم وبين النظام السوري! أما قبل الجولة الثانية وقبل لقاء منسق الهيئة مع رئيس الائتلاف، قال ان الهيئة لن تشارك في الجولة الثانية التي طالب بتأجيلها! وأن توسيع الوفد “عملية ترقيع بالية”! وأن الهيئة تجتمع مع الجربا ليس كما صرح المنسق للاتفاق على عدد كراسي الهيئة، ولكن لتوجّه له دعوة لحضور لقاء تشاوري لمختلف فصائل المعارضة لتشكيل وفد “وازن”!، -بوجوده بالطبع-.
أليس أحد الأسباب الرئيسية لبقاء النظام الاستبدادي واستمرار الكارثة السورية هو وجود مثل هؤلاء المعارضين؟ هل هناك امل في أن يراجعوا مواقفهم هذه التي لا تصب في مصلحة الثورة ووقف الكارثة والانتقال من النظام الاستبدادي لنظام ديمقراطي؟
نأمل ذلك.
* ahmarw6@gmail.com