خاص بـ”الشفاف”- بيروت
عادت مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية الى المربع الاول في ظل العراقيل الحديثة التي بدأ العماد عون بوضعها في طريق التشكيلة المرتقبة من خلال رفضه المداورة وإصراره على توزير صهره الوزير جبران باسيل في وزارة الطاقة، وإصراره ايضا على ان يقوم باسيل بتلزيم التنقيب واستخراج النفط. وهذا كله تفوح منه رائحة “فساد” نفطي.
وفي خلفية هذا السلوك العوني “المألوف”، فالسؤال هو: هل يريد حزب الله حكومة جديدة فعلاً، أم أنه يسعى لتمديد “الفراغ إلى ما بعد رئاسة الجمهورية؟
مسالة تشكيل الحكومة اللبنانية أثارت شكوكا والتباسات بين الحلفاء في 8 آذار من جهة، وفي 14 آذار من جهة ثانية.
في جانب قوى 8 آذار، تشير معلومات من الجنرال عون الى انه تعرض لخديعة من قبل الرئيس نبيه بري، حيث ابلغ بري عون ان المداورة تشمل الوزارات السيادية الاربع، فاطمأن الجنرال الى ان جبران سيحافظ على موقعه في وزارة الطاقة وترك امر التفاوض على شكل الحكومة وقياساتها والصيغ المتداولة لحليفه حزب الله، ليكتشف لاحقا، وخلال وجود العماد عون في روما، ان المداورة ستشمل جميع الوزارات. فسارع الوزير باسيل لاستيضاح الوزير وليد جنبلاط عن حقيقة ما يجري بشأن المداورة، وجاءه الجواب اليقين ان المداورة مطروحة على جميع الوزارات، ولم تكن يوما مطروحة على مستوى اربع وزارات فقط، “وللمزيد الرئيس بري يملك الايضاحات”.
وتضيف المعلومات ان باسيل قصد بري الذي ابلغه ان المداورة التزام اكبر من قوى 8 آذار، وهي مضطرة للتعامل معه، وانها ستشمل سائر الوزارات، وانها كانت مطروحة بداية التفاوض مع قوى 14 آذار على الوزارات السيادية الاربع، إلا أن الامور “لم تجرِ كما خططنا لها”!
عندها، تشير المعلومات الى ان عون أدرك انه تعرض لخديعة أخرجته من دائرة التفاوض ليجد نفسه وتياره وصهره معروضين في سوق البيع والشراء بين قوى 8 آذار، وقوى 14 آذار. فاستشاط الجنرال غيظا واعلن القطيعة الشاملة مع بري، وابلغ حزب الله تمسكه بحقيبة الطاقة لجبران وحقيبة الاتصالات لابن اخته النائب آلآن عون، وبدأ يرفع الصوت في وجه الحلفاء اولا قبل ان ينقل الصراخ في وجه الرئيسين سلام وسليمان.
على المقلب الآخر، وعلى عكس ما أشيع، تشير المعلومات الى ان لا خلاف جوهريا بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية بل مجرد تباين في وجهات النظر بشأن “ثمن موافقة قوى 14 آذار على المشاركة في الحكومة”، وهل يسبق الاتفاق المرتقب على البيان الوزاري التشكيلة الحكومية ام يأتي بعدها.
تيار المستقبل أعلن رئيسه الموافقة على حكومة إئتلاف مع حزب الله بعد طول ممانعةفي لقاء تلفزيوني، إلا أن ما لم يقله الرئيس الحريري يتجاوز ما كان اعلن عنه من اسباب للموافقة على حكومة إئتلافية.
المعلومات تشير الى ان للحريري اسبابه وهواجسه التي تتلخص بما يلي:
اولا، خشية الحريري من حال الفراغ الكامل، في حال عدم تشكيل حكومة، وإصرار حزب الله على المضي قدما في سياسة إفراغ المؤسسات وصولا الى رئاسة الجمهورية في 25 آيار المقبل. ما يعني عمليا إحكام سيطرة الحزب الالهي على البلاد، من خلال حكومة تصريف اعمال يسرح وزراؤها ويمرحون من دون حسيب او رقيب، بفعل الاستقالة وتصريف الاعمال، ومجلس نيابي يديره الرئيس نبيه بري يفتح ابوابه ويقفلها وفقاً لاجندة حزب الله، وموقع رئاسة جمهورية فارغ تديره حكومة تصريف الاعمال برئاسة ميقاتي الخاضع كليا لارادة حزب الله.
“المثالثة” أو.. الحرب الأهلية!
ثانيا، الخشية من امتداد الفراغ الى شهر تشرين الثاني المقبل، موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الممدد له ما يعني عمليا امتداد الفراغ الى جميع المؤسسات، ما يسوغ لحزب الله الدعوة الى إعادة إنتاج الحياة السياسية في البلاد من خلال الدعوة الى مؤتمر تأسيسي كان دعا الى عقده امين عام حزب الله لاقرار “المثالثة” كحد ادنى، ما يضع البلاد على شفير حرب اهلية.
الى ذلك تشير المعلومات الى ان الحريري متخوف من فلتان امني يضرب مناطق ذات اغلبية سنية ولتياره حضور كثيف فيها، في طرابلس وعرسال وصيدا وبيروت حيث تضرب الأحداث الامنية تباعا هذه المناطق سواء من الجانب السوري الاسدي او من ردات فعل حزب الله، على غرار قصف عرسال ردا على تفجير الهرمل، وهذا الامر يشكل قلقا يوميا للحريري ولتياره.
المعلومات تشير ايضا الى ان الوضع الاقتصادي المتدهور لم يعد يحتمل المزيد من الفراغ.
الى ذلك تشير المعلومات الى ان الدخول في حكومة إئتلافية مع حزب الله يحكمه سقف التنازلات المعنوية التي ابدى الحزب استعداده لتقديمها لصالح التقارب مع قوى 14 آذار عموما وتيار المستقبل. واول هذه التنازلات التخلي عن حكومة 9-9-6، ما يعني عمليا التخلي عن بدعة الثلث المعطل، وهي اول مفاعيل “غزوة بيروت” في السابع من ايار التي كرست هزيمة قوى الاستقلال في اتفاق الدوحة. كما ان الحزب ابدى استعداده ايضا لبحث مسألة تضمين البيان الوزاري ثلاثية “جيش وشعب ومقاومة”، فضلا عن اعتماد مبدأ المداورة في الوزرارات، وفي المقابل لم تقدم قوى 14 آذار للحزب الالهي سوى تنازل معنوي يتمثل في الجلوس معه الى طاولة مجلس الوزراء. فهذه القوى لم تتنازل عن المحكمة الدولية، وتاليا عن شعارها الذي تحمله منذ العام 2005، والمتمثل بضرورة معرفة حقيقة من يقوم بعمليات الاغتيال السياسي ووضع حد دولي لهذه الاغتيالات المستمرة منذ اكثر من خمسة عقود.
المعلومات تشير ايضا الى ان الرئيس الحريري ليس ضحية اوهام من نوع ان حكومة كهذه يمكن لها ان تشكل الحل السحري لمشاكل اللبنانيين، بل إنها، في افضل الاحوال، قد تحافظ على الوضع الحالي في الحد الاقصى وتوقف مسار الانحدار. وفي المقابل تؤكد مصادر الحريري الى ان تيار المستقبل وقوى 14 آذار، لن توافق على ثلاثة امور أساسية: اولها عدم تغطية قتال الحزب في سوريا، وثانيها الاستمرار في مطالبة الحزب بوضع سلاحه بتصرف الدولة اللبنانية، وتسليم المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر شهداء ثورة الارز.
حزب القوات اللبنانية الذي لا يعترض على مبدأ الحكومة الائتلافية في ظل الشروط المستقبلية، يتباين في مسألة واحدة مع المستقبل، وهي المتعلقة بالبيان الوزاري.
ففي حين يرفض المستقبل تضمين البيان الوزاري “ثلاثية جيش وشعب ومقاومة”، تحت اي شكل من الاشكال، تطالب القوات بضمانات مسبقة على البيان الوزاري. وفي حيت يرى المستقبل ان الدستور يشير الى ان البيان الوزاري يلي تشكيل الحكومة، ولا يسبقها، ولا يريد المستقبل ان يخترع سابقة دستورية في هذا الصدد تنسحب على الحكومات المتعاقبة، ترى القوات ان التجارب السابقة مع التزامات حزب الله لا تشجع على المضي قدما في اي اتفاق. فالحزب ينكر تواقيعه والتزاماته قبل ان يجف حبر التوقيع، ومن هنا تصر القوات على الاتفاق على البيان الوزاري قبل الحكومة كشرط مكمل لمشاركتها في الحكومة.