ما يكتشفه الأتراك اليوم حول اختراق شبكة “دولة الحرس الثوري العميقة” لبلادهم هو نفس ما كشفه “الشفاف” في ١٥ ديسمبر ٢٠١٠ في مقال بعنوان “ما خَفي من زيارة إيران: طهران عينها على بنوك بيروت و”طيران الشرق الأوسط”!
وجاء فيه: “ولم تقتصر الطلبات الايرانية من الحريري على ما سبق. فقد طلبت طهران تسهيلات مالية خصوصا في ميدان التحويلات المالية لتمويل الاقتصاد الايراني، مشيرة الى ان كلفة التحويلات الحالية عبر دبي تكلف قرابة أربعين في المئة في حين انها عبر لبنان تبلغ 3،5 في المئة.
وعرضت السلطات الايرانية على الحريري ان ترفع بنوك بيروت هذه النسبة الى 7 في المئة على ان تعمل السلطات الايرانية في المقابل الى إعتماد المصارف اللبنانية لجميع التحويلات المالية من والى ايران.
وأضافت المصادر ان السلطات الايرانية أقرت لرئيس الوزراء اللبناني بالصعوبات التي تواجه الاقتصاد الايراني، خصوصا التعاملات التجارية مع الخارج التي كانت تتم عبر “يريفان” و”دبي” و”ماليزيا”، مشيرة الى ان العقوبات بدأت تحاصر طهران عبر هذه المنافذ، وأن هناك حاجة ماسة لايجاد مخارج بديلة. وأضافت ان لبنان يمثل الملاذ الآمن للإقتصاد الايراني من خلال نظامه المصرفي القوي والمتين والخبير في التعاملات المالية مع الاقتصادات العالمية، وقدرته على مواجهة الازمة الاقتصادية العالمية.”
رفض الحريري طلبات “الحرس”، فتم إسقاط حكومته وصار هو “منفيّاً” بإرادة عملاء “الحرس” في لبنان ومنهم قائد الجيش الأسبق “أبو الميش عون” الذي أطلق ساخراً شعار “وان واي تيكيت”!
كان يجدر بالأتراك أن يقرأوا ”الشفاف“!
هذا أولاً.
وثانيا،
وعلى غرار نظام صدام حسين (الذي لم يكن يملك “طربوشاً دينياً” لنظامه المافيوي)، استفاد “الحرس الثوري” الإيراني، وخصوصاً ذراعه الدولية بقيادة “قاسم سليماني”، من العقوبات الدولية لإحكام سيطرته على الإقتصاد الإيراني. والتقديرات التي يقدمها باحث تركي في المقابلة التالية ترفع حصة “الحرس” بعد موجة “التخصيص” في عهد أحمدي نجاد، من ثلت الإقتصاد الإيراني (على غرار الجيش المصري) إلى نصف الإقتصاد الإيراني! وهذا على حساب “البازار” إلى حد كبير.. والشعب الإيراني.
هل يفسّر ذلك نقمة “الحرسيين” على الإتفاق النووي الذي عقده الثنائي روحاني-ظريف مع الغرب في جنيف؟ العقوبات التي يفرضها “الشيطان الأكبر” ضد إيران هي “البيئة الحاضنة” لسلطة “جعفري-سليماني”! ولكن، يبدو أن تحويل الإتفاق المؤقت إلى اتفاق دائم، أي التطبيع مع أميركا وأوروبا، يعني
استئصال شبكات “الدولة الإيرانية العميقة”، أي شبكات الحرس الثوري خارج إيران. وقد أعلن الرئيس روحاني صراحةً أن على “الحرس الثوري” أن ينسحب من الإقتصاد!
هل يكون “رأس” قاسم سليماني مطلوباً لتحويل إتفاق جنيف النووي إلى إتفاق نهائي؟
بيار عقل
*
المقابلة التالية نشرتها “زمان” التركية، ويمكن قراءة الأصل على صفحة “الشفاف” الإنكليزية
فجر يوم ١٧ كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٣، قامت الشرطة التركية بمداهمات فجّرت أزمة ما زالت مستمرة
في البلاد. وفي البداية، تم اعتقال أكثر من ٨٠ شخصاً بتهم فساد وابتزاز أموال بناءً على أوامر مدعي العام مدينة إستانبول. ولكن المحاكم أمرت بإطلاق سراح ٢٤ منهم. وأحيل الباقون إلى المحاكمة، ولكن تم إخلاء سبيلهم بكفالات. وكان بين المعتقلين الأوائل إبنا وزيري الإقتصاد والداخلية، ومحافظ، والمدير العام لبنك حكومي والعديد
من كبار المسوؤلين.
ولكن الأهم من المراكز التي يحتلها المتهمون كانت التهم الموجهة لهم: التورّط في شبكة رشوة تعمل لصالح “الدولة الإيرانية العميقة”.
وفي مقابلة مع جريدة “زمان” (الأحد)، يعرض البروفسور “محمد عاكف أوكور”، من “جامعة الغازي”، أن إيران أنشأت “إقتصاداً موازياً” للتحايل على العقوبات. ولأن ذلك النظام الموازي لا يعمل بطريقة قانونية، فإنه يعمل على تسميم البلدان التي ينشط فيها بواسطة الفساد والرشاوى. فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أن الإيراني “رضا زرّاب” (أو “ضرّاب”) كان يدير عمليات “الدولة الإيرانية العميقة” في تركيا بموجب أوامر الإيراني “باباك زاماني”. ويُقال أن “زرّاب”، الذي غيّر إسمه إلى “رضا صرّاف” بعد حصوله على الجنسية التركية، قام بعمليات تبييض أموال وبعمليات رشوة لمسؤولين كبار في تركيا بغية تسهيل أعماله. وأفادت مصادر إعلامية أن المحققين راقبوا “زرّاب” وهو يقوم برشوة ٤ من وزراء حكومة إردوغان. إن هذه الإتهامات خطيرة. وجاءت استقاله وزراء الإقتصاد (ظافر تشاغلايان) والداخلية (معمر غولر)، والبيئة والتخطيط المدني (أردوغان بيرقدار) لتعطي مصداقية للمزاعم. وأعقب استقالتهم إقالة الوزير الرابع بموجب تعديل حكومي.
ولكن الإستقالات لم تكن كافية للحؤول دون نشوء شكوك بأن حكومة إردوغان تسعى لعرقلة التحقيقات.
ومن جهتها، فتحت إيران تحقيقاً حول “زنجاني” وشركائه، الأمر الذي يظهر مدى خطورة التحقيقات الجارية في تركيا. فمن هو “زنجاني”؟ وما علاقته بـ”زرّاب” (أو “ضرّاب”)؟ وما هو فحوى عمليتهما في تركيا؟ وما دور “الدولة الإيرانية العميقة”، أي “الحرس الثوري”، فيها؟ وما الذي حصل عليه الوزراء الأتراك المتهمون؟ في ما يلي إجابات البروفسور أوقور:
* ما هي البُنية التي كشفت عنها التحقيقات في قضايا الفساد والإبتزاز؟
- الإيراني ”رضا زرّاب” هو الجزء الظاهر للعمليات الجارية في تركيا. وهو رجل أعمال شاب. ولكن الخيوط تقود إلى الإيراني ”باباك زنجاني”. وهذا الشخص معروف من المهتمين بالشؤون الإيرانية. فهو أحد رجال الأعمال المتّصلين بـ”الحرس الثوري”. وهو يعمل للتحايل على العقوبات الإقتصادية المفروضة على إيران.
* وما علاقته بتركيا؟
- تقوم الشبكة التي يترأسها ”زنجاني” بعمليات غير مشروعة وغير موثّقة في بلدان معينة بغية التحايل على العقوبات المفروضة على إيران. ويبدو أن أعمالها تشمل تركيا. ومن الواضح أن تركيا “تسمّمت” نتيجة هذه الأعمال. وسيقوم القضاء التركي بتحديد ما قامت به في تركيا حتى الآن.
* سمحت البلدان الغربية لتركيا بشراء بعض النفط من إيران. هل الأمران مرتبطان؟
- العقوبات المفروضة على إيران متعددة الطبقات. ويسمح الغرب لتركيا بشراء ١١٠ آلف برميل نفط من إيران. ولكن ثمن النفط ينبغي أن يظل في حساب مصرفي في تركيا. ويتم الدفع النهائي لإيران في صورة سلع تجارية. وتنجم عن ذلك بالضرورة علاقة تجارية ثنائية. وحتى هذه النقطة، لا توجد مشكلة. بل يمكن القول أن ذلك الوضع كان لصالح تركيا. ولكن هنالك ”منطقة رمادية”، وتم ارتكاب الجرائم ضمن تلك ”المنطقة الرمادية”.
* كيف؟
- سعياً للتحايل على العقوبات، خلقت إيران شبكة من رجال الأعمال. وقام بتأسيس الشبكة شخصيات مرتبطة بالدولة الإيرانية العميقة. وهذا ما أسمّيه ”المنطقة الرمادية”. وفيها يظهر إسم ”زنجاني”. ومع أن تأسيس تلك البنية بدأ أثناء رئاسة ”هاشمي رفسنجاني” (١٩٨٧-١٩٩٧)، فأنها أصبحت أقوى في عهد محمود أحمدي نجاد. ففي عهد نجاد بات ثُلث أعضاء البرلمان الإيراني من أعضاء ”الحرس الثوري”. وتم تعيين أعضاء الحرس الثوري في مراكز حساسة. وبات الحرس أكثر نشاطاً في الإقتصاد. وفي العام ٢٠١٠، كان حوالي نصف الإقتصاد الإيراني في قبضة الحرس الثوري. علاوة على ذلك، تم تقديم ”حوافز مالية” للعاملين في الشبكة التي أسّسها الحرس الثوري في الخارج، و”زنجاني” هو أحد العاملين البارزين في تلك الشبكة.
* ‘إذاً، أنت تتحدث عن ”بُنية عميقة” خلقتها ”الدولة الإيرانية العميقة”.
- إيران دولة ”رَيعية” تستمدّ مداخليها من النشاطات ”الرَيعية”. ومحور الخلافات السياسية المحلية هو كيفية تقاسم تلك المداخيل ”الريعية”. إن مبيعات النفط تمثل نصف مداخيل الحكومة تقريباً. وإذا أضفت مداخيل الغاز ومداخيل المناجم، فإن الموارد الطبيعية تمثّل ميزانية إيران كلها تقريباً. ولكن إيران لم تكن قادرة على بيع نفطها بالطرق العادية بسبب العقوبات الغربية. لذلك قررت أن تبيع النفط عبر عملائها من رجال الأعمال. أي أنها خلقت ”بنية إقتصادية موازية”. وحيث أن ذلك لم يكن مشروعاً، فقد لجأ عملاء البُنية التابعة لإيران إلى الرشوة بغية تحقيق أهدافهم خارج إيران. إن بلداناً مثل تركيا ينشط فيها هؤلاء تتعرض للتسميم نتيجة لغسل الأموال، والفساد، والرشاوى.
* كيف يعمل هذا النظام ”الرمادي”؟
- إن النفط الذي يُستَخرَج من إيران يباع لبلدان ثالثة. ويتم تحويل المداخيل إلى إيران نقداً أو عبر الذهب. بالطبع، ولأن النظام غير شرعي، فلا بدّ من اللجوء للرشاوى أو الإبتزاز. وطبيعي أن الوسطاء يحصلون على فوائد وعمولات.
* تلك كانت طريقة عمل ”زنجاني”.
٠ بالضبط. بل إن ”زنجاني” قام بوصف طريقة عمله في مقابلة صحفية. فهو يقوم بتغيير ”منشأ” النفط الذي يتم استخراجه من إيران في مرافئ بلدان ثالثة، بينها ماليزيا وتنزانيا. وفي مرافئ صغيرة، يقوم بنقل النفط من سفينة إلى أخرى. ثم يغيّر منشأ النفط ويبيعه بسعر أقل. ثم يحوّل الأموال إلى إيران عبر تحويله إلى البنك الذي يملكه هو شخصياً. ويتم تسجيل مبيعات النفط على أنها أرباح حقّقتها شركاته. وهو يملك ٦٥ شركة. والشركة التي يملكها في تركيا مسجلة كشركة عطورات.
* هل كشفت الدول الأوروبية والولايات المتحدة ذلك النظام الموازي؟
- طبعاً. وتم تسجيل أن إيران قامت بـ٢٧٢ محاولة لخرق الحظر خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وتم تتبّع نشاطات تلك الشبكة في أميركا اللاتينية وفي بلدان إفريقيا. وأدركت السلطات الأوروبية والأميركية أن إيران كانت تسعى لبيع النفط الإيراني لتنزانيا، لأن النفط المباع في الأسواق كان تنزاني ”المنشأ” حسب الوثائق المرفقة.
* هل قامت الشبكة بتنفيذ المخطط نفسه في بلدان أخرى؟
- ليس سرّاً أنها كانت تنشط في “طاجيكستان“، وهي واحدة من ٤ بلدان يُعتَبَر “تبيض الأموال” سهلاً جداً فيها. كما بات معروفاً أن هنالك ١٥٠ شركة تابعة لـ”الحرس الثوري” في “جيورجيا“. وتتم معاملات مصرفية غير موثّقة بين تلك الشركات. وهي تستخدم “السُعاة” الذين ينقلون الأموال بأنفسهم في عمليات تبييض الأموال. وتم كشف عدد من هؤلاء السُعاة، واعتقالهم، في تركيا. وتتسلّم الشبكة المدفوعات العائدة لها في صورة ذهب أو سلع تجارية. وبهذه الطريقة يتم تحويل النقد إلى إيران، ويتم خرق الحظر وتخفيف الضغط عن إيران. وهذا ما يسمح باستمرار البرنامج النووي. ولكن، في نهاية المطاف، فإن عمل تلك الشبكة يسمّم إيران ويسمّم البلدان التي تتم فيها عملياتها.
* كيف؟
- هنلك خسائر كبيرة جداً في ذلك النظام لأنه يعمل بطريقة غير مشروعة. فالمعاملات تتم بطرق تتضمن مخاطرة، بما فيها الرشوة. ويتم دفع الأكلاف (بما فيها الرشوة) من النفط الذي يملكه شعب إيران. علاوة على ذلك، فإن أعضاء الشبكة يبيعون النفط بسعر أرخص لأن ”منشأه” قد تغيّر. وحتى لو باعوه بسعر أعلى، فبوسعهم أن يزعموا أنهم باعوه بسعر أدنى. فليس هنالك تدقيق لحساباتهم. وبسبب العقوبات، فإنهم لا يستطيعون أن ينقلوا كل المال نقداً إلى إيران. ويسمح (الحرس الثوري) للشبكة بأن تستخدم الأموال الموجودة خارج إيران في شركاتها الخاصة. مثلاً، كان لإيران عائدات بقيمة ٢ مليار دولار مع “زنجاني”. وصوّت البرلمان الإيراني على تشكل لجنة خاصة للتحقيق لأن “زنجاني” لم يسدّد المبلغ. ولكنه، في النهاية، دفع المبلغ بعد أن اشتدّت الضغوط عليه.
الرشاوى والإبتزاز جزء من النظام السياسي في إيران
* يعني ذلك أن أعضاء الشبكة لا يخضعون لرقابة الدولة الإيرانية؟
- ليس كلياً. بل إن نشاطاتهم مدمّرة من وجهة النظر الإيرانية نفسها.
فقد وظّفت ”الشبكة” مداخيل النفط في عمليات ”التخصيص” التي حصلت داخل إيران. بل وقامت برشوة السلطات الإيرانية من أجل شراء مؤسسات إيرانية عامة. وبات ثابتاً أن الشبكة قامت برشوة ٤٠ نائباً في البرلمان الإيراني. ويبدو أن ”زنجاني” متورّط في ١٤٠ إلى ١٥٠ عملية ”تخصيص” لمؤسسات عامة. وقام أعضاء ”الشبكة” بإدارة أموال داخل إيران بواسطة الأموال غير المشروعة التي حوّلوها من الخارج.
إن الرئيس الجديد، حسن روحاني، يسعى للتخلّص من تلك ”الشبكة”: فقد بادرت إيران نفسها إلى فتح تحقيقات ضد “زنجاني” حتى قبل ظهور فضيحة الفساد التركية!
* اعتمدت ”الشبكة” نفس الطرق في تركيا، أي الرشاوى، والهدايا الثمينة، إلخ.
- إن الرشاوى والإبتزاز هي جزء من النظام السياسي في إيران. وآخر حادثة من هذا النوع وقعت في شهر شباط/فبراير ٢٠١٣. فإثر نزاع سياسي، أعلن الرئيس محمود أحمدي نجاد أن رئيس البرلمان، علي لاريجاني، تلقّى رشوة. بل إنه قدّم للبرلمان الإيراني شريط فيديو يثبت حصول لاريجاني على الرشوة!
وحصلت وقائع أخرى مشابهة في الماضي. إن الرشاوى والإبتزاز جزء من النظام السياسي الإيراني. ومن هذا المنظور، فإن البنية الموازية التي أقامتها إيران في الخارج يمكن أن تكون قد قامت برشوة السلطات المعنية في تركيا بغية تحقيق أهدافها. إن التقارير الصحفية المنشورة في تركيا تشير إلى ذلك. ولكن التحقيقات القضائية ستكشف التفاصيل.
* يعني ذلك كله أن إيران قامت بعمليات غسل أموال في تركيا في حين قامت بتسميم منافستها الأكبر في المنطقة؟
- نعم. هذا ما يسمّى أن ”تصيب عصفورين بحجر”! أنهم يبيّضون أموالهم ويسممون (الحياة السياسية) لتركيا. هذا واضح.
* مما يعني أن السمعة الدولية لتركيا قد أصيبت بأضرار..
- لقد نُشِرت مزاعم الرشاوى والفساد في الصحافة الدولية. وهذا يقوّض صورة تركيا. كما أنه يُسعِد ”الدولة الإيرانية العميقة”. علاوة على ذلك، فإن سمعة تركيا تتأثر بسبب مشاركتها في خرق العقوبات الدولية. إن الولايات المتحدة تبحث الآن عن طرق للتعاون مع إيران الجديدة، في حين تتعامل تركيا مع إيران القديمة.
* هل يمكن أن ننسب تأسيس ٢١١٦ شركة إيرانية في تركيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى هذا المنحى الإيراني؟
- هنالك أبعاد رسمية، وأخرى غير رسمية، في هذه الحالة. فحينما شرعت إيران بالتعامل مع تركيا بسبب العقوبات، فإن حكومة طهران سعت للتعامل عبر شركاتها هي. ذلك هو البُعد الرسمي. أما في البُعد غير الرسمي، فهنالك الشركات التي أسّستها ”الشبكة الموازية”. وينبغي على الشرطة المالية التركية أن تتعامل بتأنٍّ مع هذه الشركات.
* هل تشير التحقيقات القضائية في اتهامات الرشوة إلى أن ”السلطات الإيرانية العميقة” تملك نفوذاً قوياً جداً في تركيا؟
- تفيد التقارير الصحفية أن أعضاء ”الشبكة” اخترقوا العديد من مؤسسات الدولة التركية بفضل الأموال غير المشروعة الموضوعة بتصرّفهم! وهذه مسألة خطيرة جداً. إن الأموال التي توزعها تلك الشبكة الواسعة والنافذة لا تقتصر على الرشاوى. فهي تلجأ إلى “الإبتزاز”، كذلك! وهذا يطرح مشكلات “أمنية” كذلك!
* ألا يلفت نظرك أن وكالة المخابرات التركية لم تقم بالتحقيق في الموضوع؟
- إن وكالات الإستخبارات الجدية والراسخة تتّخذ إجراءات وقائية. وتقوم بتوفير حماية للشخصيات التي تُشغل مناصب حسّاسة. هذه مسائل حساسة جداً، ولا يمكن تجاهلها!
* هل يمكن القول بأن “الدولة الإيرانية العميقة” نجحت في إقامة صلات داخل تركيا؟
- هنالك مسائل لم يتم توضيحها بعد. وهنالك صلات. لماذا تقوم تركيا بتوفير أموال نقدية لإيران طالما أننا نعاني من مشكلات مع إيران في سياستنا السورية؟ ألا يشكل ذلك دعماً غير مباشر للنظام السوري؟
- هل يمكن أن تكون الحكومة التركية غير مطلعة بالكامل عما كان يجري؟
* لا أعتقد أن مثل تلك المعاملات المالية الضخمة كان يمكن أن تتم بدون علم الحكومة. إن الصور التي نُشِرت في الصحافة تظهر أن “زرّاب” كان على صلة بوزراء وبشخصيات عامة رفيعة المستوى.
* ماذا استفادت تركيا من تلك التحويلات المالية؟
- الواقع أن تلك التحويلات كانت ضارة أكثر منها مفيدة لتركيا. فالمال الذي يتم الحصول عليه بطرق غير مشروعة ليس مالاً صالحاً للإستثمار. ولأن المال غير شرعي، فإنه يسمّم النظام كله. وهو يُفسد البيروقراطية الحكومية. وحتى إيران نفسها، وهي مصدر الأموال، قد تعرّضت للفساد.
وعلى غرار روحاني الذي وصل حديثاً إلى السلطة، فإن على تركيا أن تتخلّص بدورها من مثل تلك الشبكات الإجرامية.
* هل يمثل تبييض الأموال والتحويلات عنصراً من عناصر الإهتمام الذي توليه الحكومة التركية لإيران؟
- لقد بدا واضحاً أن اهتمام الحكومة التركية بإيران لم يكن يقتصر على الإيديولوجيا. ويبدو أن تبييض الأموال كان عنصراً إضافياً. هنالك شبكة علاقات. وينبغي على السلطة القضائية في تركيا أن تكشف تلك الصورة الغامضة الملامح.
* وماذا سيفعل روحاني؟
- يقول روحاني أنه ينبغي التعامل مع تلك البُنى (الموازية) بفعالية ليصبح ممكناً التطبيع مع الغرب وتخفيف العقوبات المفروضة على إيران. وفي خطابٍ ألقاه في شهر أيلول/سبتمبر، قال أن على ”الحرس الثوري” أن ينسحب من الإقتصاد. وهو يولي أهمية للتحقيقات الجارية لكي يفتح الطريق أمام الطبقات الوسطى.
* ما هي الإجراءات التي يقوم بها الإيرانيون؟
- لقد شكّلوا لجنة تحقيق في البرلمان الإيراني. وتطرّقت اللجنة في تقريرها إلى موضوع “زنجاني”. وسيجري صراع مرير بين روحاني و”الدولة الإيرانية العميقة” خلال الأشهر الستة المقبلة. مثلاً، فقد تم وقف مشروع “مول” للتسوّق في وسط طهران كان يبنيه ”زنجاني”. وإذا ما تمّ التوصّل إلى اتفاقية نووية نهائية (مع الغرب)، فإن الحرب على ”الدولة العميقة” سيصبح أكثر فعالية!
* هل ستتمكن إدارة روحاني من استئصالها كلياً.
- لن يكون الأمر سهلاً. فـ”الحرس الثوري” قوي جداً. وهم يملكون الأسلحة. كما أن المرشد الديني علي خامنئي يدعمهم لأنه، هو نفسه، واحد من ٣٠٠ إلى ٤٠٠ شخص يملكون السيطرة الكاملة على الموارد الوطنية كلها.
ولكن هنالك معارضة قوية لهذا الوضع بين الجمهور الإيراني. إن ردّ الفعل الشعبي يتصاعد، وروحاني يرغب في استخدامه.
* ماذا سيحدث إذا لم تقم السلطات التركية بتحقيق وافٍ حول هذه الشبكة السرية؟
- في هذه الحالة، ستشعر عناصر دول أخرى بتشجيع للقيام بأعمال غير مشروعة في تركيا. كما أن ذلك سيشجع شبكات مشابهة لكي تنشط في تركيا. وللحؤول دون ذلك ينبغي استئصال هذه الشبكة الإجرامية استئصالاً كاملاً. وفي هذه الأثناء، فإن التحقيق الجاري حول الإبتزاز ليس موجّهاً ضد ”بنك خلق”. فهذا البنك جزء من العملية فقط. كما ليس مفيداً الزعم بأن الولايات المتحدة والدول الكبرى تقف وراء ما يجري. لقد جاء نائب وزير الخزانة الأميركي، دافيد كوهين، إلى تركيا مراراً للنظر في التحويلات البنكية. وفي تقرير قدمه للكونغرس في شهر مايو، قال كوهين أن ”بنك خلق” لم يرتكت أية تجاوزات في معاملاته النفطية. أما قضية المال الذي تم العثور عليه في منزل المدير العام للبنك فهو قضية أخرى. فالقضية الرئيسية هي غسل الأموال، والرشوة هي جزء من قضية غسل الأموال.