نشرت كاتبة في جريدة الشرق الأوسط اللندنية، يوم الأحد الماضي، مقالة أذاعت فيها خبر كتاب سيصدر قريباً عن “دار الساقي”، عن محمود درويش. الخبر ليس عادياً، بالتأكيد، خاصة إذا قيل لنا إنه يضم إلى جانب مخطوطة “طلب” محمود ألا تنشر إلا بعد وفاته بخمس سنوات، حوارات، وربما تفاصيل علاقة، نشأت في أوائل التسعينيات، بينه وبين صاحبة الكتاب.
لا بأس. كل جديد وفريد يأتي من محمودنا، وعنه، محمودٌ. لم أكن قد أطلعت على الخبر، لكن صديقاً أرسل لي رابط المقالة، ولاحظت أنه أرسلها إلى آخرين أطل بعضهم على عالم محمود درويش عن قرب، ونشأت بينهم وبينه صداقات مديدة. وأتوّقع أن يثير الخبر، كما الكتاب بعد صدوره، موجة من التحليل والتأويل، لن تنجو، على الأرجح، من احتمال النميمة.
وأوّل ما يتبادر إلى الذهن: الرسائل المتبادلة بين غسان كنفاني وغادة السمان، لا من زاوية ما أثارته من عواصف الاستنكار (التي لا تستحق التعليق)، بل التشديد على حق النساء في كسر الحظر الذكوري المفروض على مشاركتهن في التاريخ العاطفي، والجنسي (ولم لا)، للعالم العربي كذات فاعلة، لا كموضوع. لن يظهر لدينا ما يشبه نانسي فرايداي، وحديقتها السرية، في وقت قريب، فما يزال دون ذلك خرط القتاد.
ومع هذا، ثمة ما ينبغي أن يُقال:
لا توجد أسرار تشيب لهولها الولدان في حياة محمود درويش، بما فيها علاقاته العاطفية، وإذا وجدت فيمكن العثور عليها في نصوصه الشعرية والنثرية، ومقابلاته وحواراته الكثيرة. فإذا استغلق بعضها على قارئ بعينه، فهذه مشكلته، لا مشكلة صاحب النص.
وبالقدر نفسه ينبغي التذكير بحقيقة أن محمود درويش كان قادراً، في حياته، على حماية عالمه الشخصي، ومنجزه الثقافي، لكن رحيله فتح الباب أمام ما لا يحصى من الطامحين، بما فيهم أشخاص ابتكروا صداقات وهمية، ونساء حاولن الإيحاء مباشرة ومداورة “بعلاقات عاطفية” وهمية ومتوّهمة معه. وفي الحالتين كانت الحقيقة في مكان آخر.
الصداقة الوهمية والعلاقات المتوّهمة شيء إنساني، ومفهوم. سمعتُ من أشخاص حكايات غرائبية، تعيد التذكير بالواقعية السحرية في أدب أميركا اللاتينية، كما سمعتُ من نساء، تلميحاً وتصريحاً، أسراراً عاطفية، تعيد التذكير بما يُوِّلد الكبت من غنى الاستعارات، والفنتازيا من كفاءة التخييل، وبما في متعة الاقتراب من شخص في مكان ومكانة محمود درويش، حتى ولو كذباً، من غواية عذبة ومُعذِّبة.
والأسوأ من هذا وذاك، وما لا يمكن، ولا يجب غفرانه، ما جرى من محاولات مبتذلة لتسليع محمود درويش، بطرق مختلفة تتراوح ما بين مسلسل تلفزيوني تافه، وطباعة توقيعه الشخصي على فناجين القهوة وأطباقها. وبين هذين الحدين ما لا يحصى، ولا يستحق أن يكتب أو يُقال. وهذا، أيضاً، إنساني ومفهوم، بصرف النظر عن الدلالة والتداعيات.
لذلك، وبقدر ما يتعلّق الأمر بالمخطوطة الجديدة، وما تنطوي عليه من ملابسات شخصية وردت بعض تفاصيلها في المقالة المذكورة، يتمثل الموقف الصحيح في انتظار صدور الكتاب، وفي القراءة، والقياس، لا على ما نعرف من تفاصيل الحياة الشخصية للشاعر، بل على نصوصه الشعرية والنثرية في المقام الأوّل. فإذا تطابق هذا وذاك، يُضاف جديد إلى ميراث محمود درويش، وإذا تنافر معه، فلا ضرر ولا ضرار.
ودليلي على هذا الأمر، أنني شهدتُ، وفي مناسبات مختلفة، رد محمود درويش على أشخاص سألوا: لماذا لا تكتب سيرة شخصية. وكان رده، في كل الأحوال، سيرتي في نصي. وهذا صحيح إلى حد بعيد. فمن بين المفاتيح الكثيرة، التي يمكن توظيفها لقراءة النص الدرويشي، يحتل مفتاح السيرة الذاتية مكانة يصعب تجاهلها.
فإذا انتقلنا من التعميم إلى التخصيص، وحاولنا كتابة السيرة الذاتية للشاعر باعتباره عاشقاً، فلنقل إن محمود درويش شاعر حب في المقام الأوّل، لا بالمعنى الصغير، أي ما يحدث بين رجل وامرأة في ليلة عابرة، أو على امتداد عمر طويل، ولا بالمعنى القومي، الذي يُؤنِّث فلسطين كلما لاحت خصلة شعر في قصيدة، بل بالمعنى الكبير للكلمة. فكلما تهجينا كلمة في كتاب الحب، اكتشفنا أن لا أحد، على مر العصور، تمكّن من أبجديته.
وفي هذا المعنى يكتب محمود درويش في قصيدة “لاعب النرد”، التي تعتبر، في جوانب كثيرة، كشف حساب صادق في ربع الساعة الأخير:
“يقول المحب المُجرِّبُ في سره: هو الحب كذبتنا الصادقة/
فتسمعه العاشقة،
وتقول: هو الحب يأتي ويذهب كالبرق والصاعقة”.
لم تكن ثمة امرأة بعينها في حياة محمود درويش، حتى ريتا التي حُبِّرت عنها أطنان من الورق، كانت مزيجاً من نساء مختلفات. كان خجولاً وملولاً، ولم يعترف حتى بمركزية الحب الأوّل، الذي اسماه أوّل الحب، على غرار أوّل الثمار، وأوّل الطريق. وفي آخر الثمار، وآخر الطريق، وآخر الحب، استعان القلب على الوجع بالسخرية.
على أي حال، وعلى الرغم من ضرورة التدقيق في التواريخ، والتفاصيل، والقياس على نصوص كثيرة. إلا أن هذا سابق لإوانه. والآن، أشياء كثيرة تعيدنا إلى قصيدة ليونارد كوهن المغناة، التي يقف فيها، كما وقفت أنت وما تزال، في برج الأغنية: “قرب النافذة، والضوء قوي”.
أنت الآن قرب النافذة، أيها الأمير، والضوء قوي.
khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني
قرب النافذة، والضوء قوي..!!
اذكر بعد وفاة ام كلثوم كيف تكاثرت المقالات في الصحف والمجلات وتبارى اصحابها في الابحار بالتحدث عن علاقتهم الوثيقة مع ام كلثوم وكانت النتيجة ان كل الكتاب كانت علاقتهم بام كلثوم مثل علاقة طه الملاح بام كلثوم……على فكرة طه الملاح كاتب وصاحب اغنية هذه ليلتي التي غنتها ام كلثوم تحت اسم من لطشها من طه الملاح ونسبها لاسمه تماما كما فعل بادعائه صداقته الحميمه مع ام كلثوم