لم تكن تظهر النتائج شبه النهائية للانتخابات البرلمانية في اقليم كردستان العراق، حتى هزت انفجارات عاصمته “هولير” اربيل، مستهدفة مركز جهازه الامني اليقظ والقوي.
ما لذي أراده القائمون بجريمة من هذه الهجمة التي تذكرنا بحكايات التاريخ التشيعي، عما كان يفعله جهاديو “حسن الصباح” بخصومه الاقوياء: “الضرب في وضح النهار وأمام الملأ وفي منطقة القلب والبقاء في المكان للموت، لتأتي النتائج بطولية تثير الرعب والخوف بين العامة والخاصة”.
إلى أن تظهر التحقيقات مع أحد منفذي الهجوم الذي قيل قبض عليه حياً، ستبقى التكهنات والتقديرات من خلال الاسئلة الكلاسيكية لكذا عمليات سيدة الموقف.
من المستفيد من العملية؟ من المتضرر الاكبر من العملية؟ من المقتدر على هكذا فعل جرمي؟ الظروف التي تمّت بها العملية وهل هناك متواطئون محتملون من الداخل؟.
لابد من أن يؤخذ الانتخابات بالاعتبار، كما أشار أكثر من مسؤول من قيادة اقليم كردستان، ان نجاح الانتخابات الديمقراطية هو الذي اغاظ المتربصين بالإقليم وتجربته الرائدة، من هم هؤلاء المتربصون؟ هل هم قوى داخلية ام خارجية اقليمية ام ابعد؟ في هذا الكلام بعض كبير من الحقيقة التي تستكمل بالنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات والظرف الدولي الاقليمي المحيط.
لقد افرزت النتائج شبه النهائية للانتخابات عن الارقام التالية:
حزب الديمقراطي الكردستاني ( الرئيس برزاني) 37 الى 40 مقعد.
حركة التغيير (كوران) خصوم الرئيس طالباني 23 الى 25 مقعد.
حزب الاتحاد الوطني ( الرئيس طالباني) 17 مقعد اي خسارة 12 مقعدا عن الدورة الفائتة.
حزب الاتحاد الاسلامي 9 مقاعد. معتدل مقرب من تركيا.
حزب التجمع الاسلامي (كوملة) 6 مقاعد، متشدد تابع ايراني، اي 15 مقعد للكتلتين الاسلاميتين، بزيادة خمسة مقاعد عن الدورة الفائتة.
من نتائج الانتخابات يظهر ان حزب الرئيس طالباني المقرب من ايران مني بخسارة كبيرة لصالح حزب رئيس الاقليم مسعود البرزاني، خاصة للوضع الصحي الذي يعيشه الرئيس طالباني وما يمكن ان ينجم ونجم عن غيابه كأكثر حليف ايراني مريح وشرعي.
رغم ان الاحزاب الاسلامية حققت اضافة عددية النصف زيادة عما كانت تحوزه سابقا فأنها تبقى منقسمة الولاء الخارجي بين ايران وتركيا وبين العمل الدعوي والجهادي (خاصة ان الحدث السوري يظهر اعتقال عدد كبير من الجهاديين الكرد يحاربون بقوة قوات الحماية الشعبية وصار لهم وجود ظاهر بين كرد “عفرين” في صفوف داعش” وجبهة “النصرة”) وبالتالي فالصراع عليهما سيكون على اشده لتعديل الكفّة التي مالت لصالح البرزاني الذي يطمح للعب دور متوازن بين الاطراف الاقليمية يكون فيها لاعباً لا تابعاً، خاصة في ظرف الحدث السوري الذي تتغير فيه معادلات القوة والصراع بين الخصوم الاقليميين والدوليين وتمتد بآثارها خارج الحدود.
صار واضحا بعد “القصير” وكيميائي “الغوطة” ان اليد الايرانية ذات القفاز الاسود، اخرجت الارنب من تحت العباءة، ورفعت سقف التحدّي الى أقصى مدى في الصراع على سوريا كما انها رّمَت على الطاولة بورقة روحاني الملغمة بالتنازلات التي ستعيد به خلط الاوراق مع الامريكان خاصة، وهي تستند على حليفين كبيرين روسيا والصين، السلاح الكيميائي والنووي في سوريا وايران مقابل اذعان امريكي للقبول بها شريكا اقليميا.
أتت نتائج انتخابات الاقليم وخزة موجعة لإيران في الوقت غير المناسب فكان لا بد من تهديد شديد اللهجة على الطريقة الايرانية التي اصبحت معتادة في العراق ولبنان وسوريا: تحريك الاشباح المتفجرة لإثارة الفوضى والقلق لدى الخصم والصديق معاً. وهذه من اشد العاب الجنرال الايراني الحاكم بأمره في سوريا والعراق “قاسم سليماني”، رجل المهام الخاصة وقائد فيلق القدس: الضرب الموجع وفي وضح النهار. والرجل يحمل في مضبطة اتهامه: فضلاً عن التعاون مع الامريكان في افغانستان والعراق الا ان بينهما ما صنع الحداد وهو البراغماتي الفارسي المدلل من الخامنئي، الذي استثمر دخول القاعدة الى العراق لإخضاع المرجعيات الشيعية العربية لدرجة دفعت بالمالكي إلى رفع دعوى أمام مجلس الامن متّهما سلطة الأسد بتصدير وتمويل عمليات القاعدة في العراق مثلما أسرّ للسفير “رايان كروكر”: مرة “ لا يمكنك أن تعرف ما هي الغطرسة إلا إذا كنت عربياً عراقياً أجبرت على اللجوء إلى الإيرانيين”. الى ان تم تدجينه وضبّه كثور تحت نير المحراث الايراني.
هل ان قاسم سليماني قائد فيلق القدس هو من يقف خلف هذه العملية لتحقيق هدفين؟ الاول توجيه رسالة للبرزاني بان التخلّي عن حليفهم الطالباني سيكون له ثمن، خاصة وان البرزاني يحمل في ملفه الايراني، رفض قيادة الاقليم طلب ايران تمرير مساعدات شيطانية لحليفهم الاسد عبر اقليمهم لن ولم يغتفر؟
ام انها قد تكون غلطة الشاطر او غيرها وسيتم البناء على هذا التفجير بتشديد القبضة الامنية لحكومة الاقليم تجاه حلفاء ايران حزب كوملة الاسلامي خاصة، وغيره من ادوات ايران بعد تنامي قوة الاسلاميين في الانتخابات الاخيرة؟.
ما ستفرزه نتائج التحقيق، والاجراءات التي ستتخذ على الارض، او السياسة التي سيتم بها تشكيل الحكومة القادمة في الاقليم ستكون خير مؤشر للعبة الجهنمية: الحوار بالمتفجرات التي تتقنها ايران كأفضل ما تكون.
فهل ستكون الكلمة الاخيرة للعباء التي تخفي تحتها المتفجرات، ام للجراب الكردي الذي يحتمل وجود كل شيء؟.
*
* مقتطفات من تحقيق نشرته صحيفة ” نيويوركر” الامريكية للصحافي “ديكستر فيلكينز” عن قائد ” فيلق القدس” في حرس الثورة الإيراني الجنرال قاسم سليماني جدير بالقراءة. …..
في العام الماضي، طلب سليماني من القادة الأكراد في العراق السماح له بفتح طريق إمداد عبر شمال العراق إلى سوريا. لقد أمضى سنوات طويلة وهو يغري الأكراد ويرشيهم في محاولة للتعاون مع خططه، لكنهم هذه المرة رفضوا طلبه………
كان قائدا الحزبين الكرديين الأقوى مسعود برازاني وجلال طالباني يلتقيان بشكل مستمر مع سليماني والأميركيين. وفي حين أن العلاقات الكردية ـ الأميركية اتسمت عادة بالحرارة، إلا أن علاقة برزاني وطالباني بالقادة الإيرانيين مثل سليماني، كانت أعمق وأكثر تعقيداً؛ لقد وفّر النظام الإيراني الملجأ الآمن لأكراد العراق خلال حربهم مع صدام. لكنها لم تكن علاقات متساوية يوماً. يقول القادة الأكراد إن هدف سليماني كان دائماً إبقاء الأحزاب العراقية منقسمة وغير مستقرة، وضمان بقاء العراق دولة ضعيفة……..
وقال مسؤول كردي رفيع “من الصعب جداً بالنسبة لنا أن نقول لا لسليماني. عندما نقول لا، يتسبب لنا بالمشاكل. تفجيرات. قتل. الإيرانيون جيراننا. كانوا هنا منذ زمن طويل، وسوف يبقون كذلك……………………..
يروي أحد كبار المسؤولين الاستخباريين ( الامريكان) في بغداد كيف أنه زار طالباني في منزله خلال رحلة إلى شمال العراق. وعندما دخل عليه، كان قاسم سليماني موجوداً في المنزل مرتدياً قميصاً وجاكيت سوداوين. وتفحص الرجلان بعضهما. وقال “كان يعرف من أنا وكنت أعرف من هو. تصافحنا من دون أن نقول شيئاً. لم أشاهد بحياتي طالباني مرتبكاً إلى هذا الحد. كان مرعوباً”.
bachar_alissa@hotmail.com