تبدأ القوة الامنية الرسمية، المكونة من 850 عنصرًا من الجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام، عملية انتشار على مفارق الضاحية ومداخلها، لكنها ستنتشر على 70 مدخلاً من أصل نحو 250 مدخلاً ونقطة تفتيش، استنادًا الى مصادر حزبية كانت اشارت الى هذا العدد بعد الاجراءات التي اتخذها حزب الله غداة انفجار الرويس في 19 آب الماضي.
وهي خطوة تأتي بعد مطالبة حزب الله عبر اكثر من مسؤول، في الآونة الاخيرة، بتولي الدولة مسؤولية الاجراءات الامنية في الضاحية الجنوبية, وهي تتطلب تأييداً وتشجيعا لبنانيين وتحفيزاً رسميًا يسمح لهذه الاجهزة باستعادة هيبتها تجاه “فرق الاهالي” المتحفزة للانتشار غب الطلب، وامام الخطوط الحمر التي تضعها القوى الحزبية بذرائع شتى.
تدخل القوى الامنية الى الضاحية اليوم ليس تلبية لمطلب الناس في هذه المنطقة، بل استجابة الى الحاح حزب الله الذي احرج القوى الامنية بعدما اتهمها اخيراً بالتقصير وبالتخلي عن واجباتها الامنية تجاه المواطنين.
فقد اكتشف المواطن اللبناني أخيرا، استنادًا الى ما فضحه حزب الله، ان القوى الامنية والعسكرية هي التي تركت طوعاً فراغاً امنياً، فملأه حزب الله في هذه المنطقة، وان هذه القوى الرسمية هي التي تخلت عن مسؤولياتها التي يدفع المواطن اللبناني مالاً ويستدين من اجل ان تقوم بها. واستنادًا الى هذا التخاذل، فإنّ هذه الاجهزة ومسؤوليها يجب ان يوضعوا تحت ميزان العدل والمحاسبة. وعلى حزب الله، او سواه، المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذا الاخلال، بل تعويضه كل الاموال التي خسرها من اجل حماية المواطنين.
المقصود أنّه لا بدّ من محاسبة مجلس الوزراء ووزارة الداخلية، او المسؤولين المباشرين من امنيين وعسكريين. وفي طبيعة الحال يجب ان يقدم وزراء ونواب حزب الله الدلائل والاثباتات التي طالما كانت لسان حالهم حتى بحت اصواتهم داخل هذه المجالس وهم يطالبون بضرورة ان تحمل الدولة عن كاهلهم مسؤولية الامن.
فعلاً ثمة من يجب ان يتحمل المسؤولية ويعاقب على هذا التقصير الفادح المستمر منذ سنوات، والذي تسبب بوقوع تفجيرات ادت الى مقتل مدنيين لبنانيين. وهذه المحاسبة ليست غايتها تنفيذ الاجراءات العقابية على المخلين بهذه المسؤولية فحسب، بل الهدف المهم هو توضيح مهمة هذه القوة الامنية: هل هي مطلقة الصلاحية الامنية ام ان هذه الصلاحية مقيدة بخطوط حمر؟ وهذا سؤال ينطلق من قاعدة اساسية نظرية وعملية، مفادها ان الأمن في المجتمع والدولة عنوانه هيبة الدولة، ومركزية القرار الامني على مستوى الدولة. فهل يمكن لهذه القوة الامنية ان تكون المرجع الاول؟
الآن يقول حزب الله لمن يعنيه الامر انها كذلك والا لما اتهمها بالتقصير.
في الانتشار الامني في الضاحية الجنوبية ستدخل القوة الرسمية وسينكفىء المحازبون عن الحواجز الامنية الى الاحياء، وستصور عملية الدخول، التي ستبث مباشرة على هواء معظم الشاشات اللبنانية، ولن يقدم احد على رمي الأرز فوق رؤوس جنود القوة الامنية، ولا آلياتهم.. لأيام قليلة سيتغير المشهد. فالضاحية لها خصوصيتها الامنية: اليست هي مركز قيادة المقاومة وعرين الاسد في لبنان؟
ببساطة الاجهزة مطالبة بأن تراقب مداخل الضاحية، اي الداخل اليها من التكفيريين. هذه هي حدود القوة الامنية ودورها. ويمكن الايعاز لها بفضّ الاشتباكات بين آل زعيتر وآل حجولا. هذا أقصى طموحها الأمني.
وهناك سؤال آخر: هل ضمن نطاق مسؤولية هذه القوة الأمنية توقيف المطلوبين، ومنع سير الدراجات النارية المخالفة، والسيارات المزوّرة نمرها، وتجّار المخدّرات ومروّجيها؟ بمعنى أدقّ: هل ستكون قوّة أمنية أو شرطة سير ومجموعة من الجنود الذين “يريدون السترة”؟ وهل ستزداد هيبة الدولة بعد “الخطة الأمنية” أو ستزيد النكات على الدولة وأمنها، كما حصل حين خلص “الشهر الأمني” الشهير إلى ارتفاع مهول في معدّل الجريمة وعمليات الخطف وإلى بروز أجنحة العائلات العسكرية غير المسبوقة، التي هدّدت دولاً صديقة والأمن الإقليمي؟
ببساطة، المطلوب ان تضطلع القوة الامنية بمهام محدودة سيقررها ويحددها حزب الله. فإزاء الخطر الصهيوني والمؤمرات الاميركية والخليجية على هذه المقاومة، فضلا عن اللبنانيين المتربصين بها، لا يمكن ايلاء الامن الى اجهزة الدولة. وبالتالي يجب على هذه القوة، عندما تريد المبادرة الى اتخاذ اي اجراء امني، الحصول على موافقة مسبقة من الحاج وفيق صفا. فهو الاكثر قدرة على معرفة ان كان الهدف المطلوب ينتمي الى اشرف الناس او الى ما عداهم.
alyalamine@gmail.com
البلد